مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا تلوموا احدا غيري… فانا المسؤول”

اقر الرئيس الفلسطيني بوجود اخطاء يجب تداركها وبضرورة تقويم مسالك السلطة الوطنية Keystone

"... إنني مصمم على اصلاح السلطة الوطنية بكافة اداراتها ووزاراتها واجهزتها الامنية، اصلاحا كاملا، كي نتمكن من الانطلاق نحو اعادة البناء... ان السلام يظل خيارنا الاستراتيجي..." الرئيس الفلسطيني في خطابه امام المجلس التشريعي الفلسطيني.

التوفيق بين مواصلة النضال من اجل استرداد الحقوق الوطنية وتحرير الاراضي المغتصبة، وتثبيت ادارة محلية تعمل في كنف الشفافية السياسية والادارية وتمثل التعددية الفلسطينية: انها معضلة السلطة الوطنية منذ قيامها عام 1994 بعد ابرام اتفاقيات اوسلو وفق صيغة “غزة واريحا اولا”.

فعلى مدى السنوات الثمان الماضية، تعالت اصوات فلسطينية وعربية واجنبية، تدعو الرئيس عرفات الى اصلاح وتقويم المسالك التي انتهجها في ادارة مناطق الحكم الذاتي والى تعزيز الشفافية الادارية واعتماد التشاور في اتخاذ القرار وبناء مؤسسات ديموقراطية تمثل التعددية السياسية الفلسطينية، والسيطرة على الاجهزة الامنية المتشابكة والمتناحرة.

استقالت شخصيات فلسطينية مرموقة من بينها حيدر عبد الشافي وحنان عشراوي وعبد الجواد صالح، احتجاجا على التسلط والاستفراد بالسلطة والقرار. ولم تجد نداءات البنك الدولي والاتحاد الاوروبي وعشرات المنظمات غير الحكومية العاملة في المناطق الفلسطينية بضرورة الاصلاح ومقاومة الفساد المتفشي في الادارة اي صدى لدى قيادة السلطة الوطنية.

الانتفاضة كرّست ضعف اداء السلطة

وزاد الامور تعقيدا اندلاع انتفاضة الاقصى واحتداد المواجهات الاسرائيلية الفلسطينية، التي كان من نتائجها فرض حصار مطبق على مناطق الحكم الذاتي، ادى بدوره الى اختناق الفلسطينيين نتيجة تضخم البطالة وتراجع الدخل وتردّي ظروف الحياة اليومية. وجاء الاجتياح الاسرائيلي الاخير ليدمر البنى التحتية المتواضعة تدميرا كاملا ويعيد معظم مناطق الحكم الذاتي الى نقطة الصفر.

وقد اظهر تعامل السلطة الوطنية مع الانتفاضة وبالخصوص مع بقية فصائل المقاومة، ولاسيما الاسلامية منها، قدرا كبيرا من سوء الادارة والاعتباطية في اتخاذ القرارات والعشوائية في تقديم التنازلات لسلطات الاحتلال، سواء تعلق الامر باعتقال قادة الجبهة الشعبية المتهمين باغتيال وزير السياحية الاسرائيلي افرهام زيفي مقابل رفع الحصار عن ياسر عرفات، او استسلام المقاتلين الذين استبسلوا في الدفاع عن مخيم جنين، او تسوية ازمة كنسية المهد وترحيل 13 مقاتلا من المعتصمين فيها، لا زالوا يبحثون عن بلد يستقبلهم.

وزاد الاوضاع ترديا، تراكم الانشقاقات بين اجهزة الامن الفلسطينية العديدة والمتشابكة، حيث طفت المواجهة بين رئيس جهازي الامن الوقائي في غزة والضفة الغربية محمد دحلان وجبريل رجوب على السطح، واصبح الرجلان يتبادلان تهما، لو ثبت بعضها، لجعلهما ذلك عرضة للمثول امام محكمة عسكرية.

كل هذه التصرفات افقدت شرائح كبيرة من الفلسطينيين الثقة في قيادتهم واجهزتهم واصبحت نداءات الحكومتين الاسرائيلية والامريكية بضرورة ادخال تغييرات جذرية على القيادة الفلسطينية واسلوب ادارتها، تجد ما يبررها لدى بعض الفلسطينيين، على الرغم من ان المطالب الاسرائيلية والامريكية لا تصبّ في اتجاه الاصلاح الذي يتطلع اليه الفلسطينيون. ويبدو ان الرئيس عرفات قد تلقى الرسالة واستوعبها.

حان الوقت للاصلاح

فقد اعلن الرئيس الفلسطيني يوم الاربعاء في خطابه امام المجلس التشريعي في رام الله، ان الوقت قد حان للتغيير والاصلاح وان هنالك ضرورة لاعادة النظر باقصى السرعة في تركيبة كل الادارات والوزارات والاجهزة الامنية، واجراء انتخابات تنبثق عنها ادارة تحظى بالمصداقية وتستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه الوطنية وقيام دولته المستقلة وضمان انتقال السلطة في كنف الشفافية والديموقراطية.

انه تحدّ لا يقل جسامة على النضال من اجل استرداد الارض والحقوق. ولتجاوزه بنجاح، يتعين على الفلسطينيين تعبئة كل طاقتهم في اطار حد ادنى من الوفاق الوطني بين مختلف الفصائل والتيارات. ويتعين على السلطة الوطنية تعزيز هيبة القانون والمؤسسات وترسيخ تقاليد المحاسبة، والتخلي عن “المرجعية الفردية” في السلطة، وعن الممارسات البالية التي افقدتها مصداقيتها.

ولاشك ان الدول العربية، ولا سيما الغنية منها، والشركاء الدوليين في عملية السلام وعلى راسهم الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، يتحملون مسؤولية حاسمة في مساعدة الفلسطينيين على الخروج من النفق. فبدون سخاء هذه الاطراف ستكون عملية الاصلاح السياسي والاداري الفلسطيني عسيرة وربما عديمة الجدوى.

محمود بوناب

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية