مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الاستعراض الدوري الشامل” … لن يُفلت منه أحـد!

السفير محمد لوليشكي، رئيس بعثة المملكة المغربية لدى الأمم المتحدة في جنيف swissinfo.ch

تعتبر آلية الاستعراض الدوري الشامل أهم تجديد في مجلس حقوق الإنسان والوسيلة الكفيلة بتفادي عيوب الانتقائية والتسييس اللذان تميزت بهما لجنة حقوق الإنسان في العشريات السابقة.

في حديث خاص مع سويس انفو، تطرق سعادة سفير المملكة المغربية محمد لوليشكي (الذي ترأس فريق العمل الذي أعد المشروع) إلى تفاصيل بنود هذه الآلية وكيفية تطبيقها ومراقبة تنفيذ توصياتها وشرح الكيفية التي سمحت بالتوفيق بين مواقف المجموعات المختلفة من هذه الآلية الجديدة.

يُجمع المراقبون على القول بأن آلية الاستعراض الدوري الشامل هي أهم تجديد يتميز به مجلس حقوق الإنسان المؤسس في 17 يونيو 2006 عن سلفه لجنة حقوق الإنسان. وتُعقد آمال كبرى على عمل هذه الآلية التي ستستعرض أوضاع حقوق الإنسان في كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بدون استثناء لتفادي الانتقائية التي كانت تستهدف دولا دون غيرها في اللجنة الراحلة.

عن تفاصيل هذه الآلية وكيفية الاهتداء الى صياغة مقبولة توفق بين مختلف التيارات والكتل الجغرافية يحدثنا سعادة سفير المملكة المغربية السيد محمد لوليشكي رئيس فريق العمل الذي خاض المفاوضات المطولة والمضنية، في مقابلة خص بها سويس إنفو.

سويس إنفو: سعادة السفير أولا هل توافقون على القول بأن آلية الاستعراض الدوري او المراجعة الدورية هي أهم تجديد في مجلس حقوق الإنسان مقارنة مع ما كان سائدا في لجنة حقوق الإنسان؟

السفير م. لوليشكي: أتفق معك في أن آلية الاستعراض الدوري الشامل هي الآلية الجديدة التي أحدثتها الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بالمقارنة مع ممارسة اللجنة السابقة.
فالاستعراض هذا هو القيمة المضافة الجديدة في الآليات الموجدة الآن في ميدان حقوق الإنسان.
هذا الاستعراض من صفاته المميزة أنه ينطبق على جميع الدول كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها. والعيب الذي كان يُعاب على لجنة حقوق الإنسان أنها كانت انتقائية. وكان رد الفعل عن هذه الانتقادات حينما أُحدث مجلس حقوق الإنسان هو أن تكون هناك آلية جديدة تُخضع جميع الدول لنفس الإجراء وهو الاستعراض الدوري الشامل.

سويس إنفو: إذن عندما نتحدث عن آلية الاستعراض الدوري الشامل ماذا نقصد؟

السفير م. لوليشكي: هو تقييم من طرف مجلس حقوق الإنسان لمدى احترام الدول لالتزاماتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمجهودات التي تقوم بها داخليا ودوليا من أجل ازدهار ثقافة وممارسة حقوق الإنسان كيفما كان صنفها سياسية مدنية اجتماعية او اقتصادية.

هذه الآلية الجديدة تتمثل في مسلسل يبدأ بتقديم الدولة المعنية لتقرير لا يتجاوز 20 صفحة حول مجهوداتها لاحترام حقوق الإنسان، والمعيقات التي تصادفها في ذلك، ونواياها المستقبلية. وما تنتظر هذه الدولة من المجموعة الدولية من مساعدة للإيفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان.

العنصر الثاني يتمثل في تقرير لا يتجاوز 10 صفحات، يقدمه مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان عن كل ما صدر عن الآليات الخاصة لحقوق الإنسان والمقررين الخاصين من توصيات بخصوص هذه الدولة المعنية. وذلك لكي يكون هناك توازن نظرا لأن الدولة ستقدم فقط ما تظن أنه إيجابي ولو بنوع من النقد الذاتي من باب الشفافية على أن تقول أنني أنجزت كذا وكذا، ولكن في نفس الوقت عندي نواقص في هذا الميدان او ذاك لأسباب موضوعية أو أخرى خصوصا بالنسبة للدول النامية التي تعترضها كما تعرفون عوائق موضوعية تحول دون إيفائها بالتزاماتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان بصفة كاملة.

والمكون الثالث في هذه المعلومات التي تعتمد عليها عملية الاستعراض الدوري الشامل تقرير منظمات المجتمع المدني التي ستدلي بدلوها بتقديم تقييمها أو بعض المعلومات فيما يتعلق بحقوق الإنسان في هذه الدولة المعنية. وكل هذه المعطيات ستكون فوق طاولة مجلس حقوق الإنسان للقيام بعملية التقييم.

سويس إنفو: هل الالتزام بعدد الصفحات بالنسبة لكل تقرير أمر ضروري؟

السفير م. لوليشكي: بالطبع طُلب من الدول بألا تتعدى تقاريرها 20 بالنسبة للدولة و10 لتقرير توصيات ألآليات الخاصة، و10 لتقرير منظمات المجتمع المدني وذلك لكي لا يكون الأمر صعبا على مجلس حقوق الإنسان، لأن من المنتظر أن يبث مجلس حقوق الإنسان في تقارير 48 دولة في كل سنة.

وسيخصص مجلس حقوق الإنسان الذي يتحول (عند النظر في التقارير) من محفل عام الى لجنة عمل، ثلاث ساعات للحوار مع الدولة المعنية تطرح فيها الدول الأعضاء في المجلس والدول غير الأعضاء أسئلتها على الدولة التي تجيب على تلك الأسئلة.

وسيتم تعيين ثلاثة خبراء لمتابعة استعراض تقرير كل دولة، وهذا توخيا للموضوعية وكحل وسط بين من كانوا يطالبون بترك موضوع المراجعة بين أيدي خبراء مستقلين وبين الآخرين الذين كانوا ينادون بأن تبقى عملية المراجعة بين أيدي الدول الأعضاء. وأظن أنه إذا رجعنا الى القرار 60/251 فقد نادى هذا القرار بترك موضوع المراجعة بين أيدي الدول.

وكما تعلمون فإن المبادئ الأساسية لهذا الاستعراض الدوري الشامل تم وضعها في القرار 60/251 للجمعية العامة (للأمم المتحدة) وأبرز هذه المبادئ أولا معاملة جميع الدول على قدم المساواة ، ثانيا إخضاع كل الدول الى نفس الإجراءات ، ثالثا يجب أن يكون هذا الاستعراض مبنيا على حوار بناء بين الدولة (المعنية) والمجلس، ورابعا يجب ألا ينصب المجلس نفسه كحكم او كمحكمة تحكم بل كأداة لتشجيع الدولة المعنية للوفاء بالتزاماتها وبالتقدم في ممارسات حقوق الإنسان والحريات العامة.

سويس إنفو: أي إجراء مهما كان ناجعا لا يمكن ان يؤدي مهمته على أحسن وجه إلا إذا تم تزويده بآليات تطبيق ومراقبة. في هذا الإطار ما الذي توصلتم إليه؟

السفير م. لوليشكي: الخبراء الثلاثة يلخصون ما دار في النقاش بين الدولة والمجلس، ويقدمون توصيات واستنتاجات الى مجلس حقوق الإنسان الذي يعقد جلسة لمدة ساعة للبث في هذه التوصيات ولحوار مع الدولة المعنية.

وفي نهاية المطاف الحل الوسط الذي وجدناه فيما يخص مدى مساهمة الدولة المعنية في اتخاذ القرار لأن كان هناك من كان يطالب باستثناء الدولة المعنية من اتخاذ القرار ومن كان يطالب بأن تكون حاضرة وأن تكون طرفا. فالحل الوسط هو أن المقررين الثلاثة سيأخذون بعين الاعتبار فقط التوصيات التي تم التوافق عليها بتوافق الآراء بما فيه الدولة المعنية. فيما يخص الجوانب الأخرى التي لم تقبلها الدولة المعنية، تُصاغ في التقرير ويأخذ مجلس حقوق الإنسان بها علما فقط.

ولمجلس حقوق الإنسان وسائل أخرى لمتابعة الموضوع كأن تتعهد الدولة بإصلاح النظام القضائي فيها خلال السنة المقبلة وأن تقدم تقريرا حول الموضوع لإطلاع المجلس على الإصلاحات التي أدخلت.

سويس إنفو: من بين الانتقادات التي كانت موجهة لمجلس حقوق الإنسان خلال مراجعة آلياته وطريقة عمله، تلك التي تتمثل في الهامش الذي سيتركه امام منظمات المجتمع المدني للتدخل في أشغاله. هل تدخلها سيقتصر على التقرير المقدم من قبل المفوضية؟

السفير م. لوليشكي: قضية مشاركة منظمات المجتمع المدني كانت من النقاط الشائكة، إذ كان هناك من كان له تصور أن تكون منظمات المجتمع المدني طرفا في كل المسلسل، وهناك من كان يقول يجب أن تُقصى نهائيا. والحل الوسط الذي وجدناه هو مشاركتها في المعلومات التي ستقدم لمجلس حقوق الإنسان من خلال التقرير الثاني الذي يقدمه مكتب المفوضة السامية.

وقبل اتخاذ القرار النهائي من قبل مجلس حقوق الإنسان وبعد المناقشة مع الدولة المعنية، تُعطى إمكانية للمنظمات غير الحكومية أن تقول ما يمكن أن تقوله في دقيقتين او ثلاثة قبل اتخاذ القرار. إذن ستكون المنظمات غير الحكومية في أول المسلسل وفي آخره. ولكن فيما يخص التقييم والجرد سيكون من مهام الدول فيما بينها. ونذكر بأن قررا الجمعية العامة في البداية كان يتحدث عن “بير رفيو” أي مراجعة فيما بين الدول وليس مراجعة دورية “بيريوديك ريفيو”.

سويس إنفو: تفضلتم بذكر نقطة المنظمات غير الحكومية، خلال هذه السنة من النقاش ما هي النقاط الأخرى التي كانت مستعصية؟

لسفير م. لوليشكي: أولا أبدأ بما هو إيجابي ، فكل الدول على اختلاف انتماءاتها السياسية والجغرافية كانت عازمة على إنجاح هذه المفاوضات. ولكن كان هناك تباين واضح فيما يتعلق بثلاث أو أربع نقاط مثل هل يكون الاستعراض في مجموعة العمل أو في المحفل العام ،و هل الخبراء المستقلون او تكون الدول هي التي تقوم بعملية التقييم ، وهل الدولة تكون طرفا في اتخاذ القرار أم تكون مقصية في اتخاذ القرار، وهل القانون الإنساني الدولي الذي ترعاه اللجنة الدولية للصليب الأحمر يشكل أساسا لعملية الاستعراض الدوري الشامل أم لا؟

هذه بعض المشاكل التي اعترضتنا، ولكن في نهاية المطاف كانت هناك نية مستمرة لكي يصل الجميع الى توافق الآراء فيما يخص كل الآليات لتمكين المجلس من مباشرة عمله. وقد بدأنا في الواقع في الخطوات العملية والإجرائية لتنفيذ ما اتفقنا عليه في حزيران من العام الماضي.

سويس إنفو: وهل كان لدى الغالبية ممن شاركوا في هذه العملية اقتناع من أن عملية الإنتقائية والتسييس سيتم تفاديها بهذه الآليات الجديدة؟

السفير م. لوليشكي: محفل حقوق الإنسان محفل سياسي كل ما يمكن الإنسان أن يصبو إليه ويعمل من أجله هو التقليل من التسييس وليس إقصاء التسييس نهائيا لأن مسألة حقوق الإنسان هي مسالة سياسية أولا وقبل كل شيء. ولكن يجب أن نتداول تنمية وتشجيع حقوق الإنسان من مقاربة براغماتية وتعاونية تجعل من الدولة طرفا في كل مجهود لأن في اعتقادي هذه هي الطريقة الوحيدة بدل التنديد والإدانة لكي نصل الى عالمية حقوق الإنسان لأن إذا لم تكن هناك مقاربة تعاونية فالدول التي تتردد لا يمكنها أن تتشجع وتأتي الى هذا الاستعراض الدوري الشامل وتتعامل معه بصفة إيجابية.

سويس إنفو: كانت هناك نظريتان متضاربتان: نظرية من يطالب بالتعاون في مجال حقوق الإنسان ومن يطالب بالإدانة والإشارة بأصبع الإتهام لمن ينتهك حقوق الإنسان. حسب تقييمكم ما هي النظرية التي وجدت سبيلها للتطبيق من خلال آلية الإستعراض الدوري الشامل؟

السفير م. لوليشكي: المقاربتان كانتا دائما تتجاذبان وسيبقى هذا التجاذب. ولكن هناك ميولا أكثر فأكثر الى التعاونية بدل الإدانة. فأنا دائما متفائل بطبعي ولذا فأنا متفائل بخصوص مجلس حقوق الإنسان. وأظن أنه بتكاثف الجميع يمكن إن شاء الله أن نتناول جميع المشاكل بنظرة مستقبلية ونظرة تعاونية وواقعية لأن لا يمكن لأي إنسان أن ينسى بأن الدول النامية تعرف صعوبات تحول دون أن تحقق جميع حقوق الإنسان مائة في المائة.

هناك حقيقة التزام واضح لدى الجميع باحترام حقوق الإنسان واحترام ممارسات حقوق الإنسان والدفع بها ولكن يجب في نفس الوقت الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي تمر بها الدول لا أقول لإلغاء الالتزامات ولكن لنرى أن تطبيق تلك الالتزامات يستوجب في بعض الحالات بعض الوقت. ويبقى أنه يجب أولا وقبل كل شيء أن تكون هناك نية صادقة وعزيمة سياسية لتطبيق هذا القرار.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

آلية جديدة وهامة في عمل مجلس حقوق الإنسان
تتطلب المراجعة الدورية لوضع حقوق الإنسان في كل دول العالم وفقا لنفس الشروط
تتكون عملية المراجعة من تقديم الدولة المعنية لتقرير حول أوضاع حقوق الإنسان فيها من 20 صفحة
يقدم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان ملخصا من 10صفحات حول توصيات آليات حقوق الإنسان الخاصة والمقررين الخاصين بخصوص وضع حقوق الإنسان في الدولة المعنية.
كما يقدم مكتب المفوضية تقريرا من 10 صفحات يتضمن ملخصا لكل ما قدمته المنظمات غير الحكومية من معلومات حول وضع حقوق الإنسان في الدولة المعنية.
يناقش المجلس في جلسة عمل لمدة ثلاث ساعات محتوى كل هذه التقارير .
يقوم ثلاثة مقررين بجرد ملخص هذا النقاش وتقديم التوصيات الضرورية.
يناقش مجلس حقوق الإنسان لمدة ساعة إضافية تلك التوصيات ويصادق على ما يتم الاتفاق بشأنه وبموافقة الدولة المعنية. أما ما لا تقبله الدولة المعنية فيتم تدوينه جانبا ويأخذ المجلس علما به فقط.
يتوجب على مجلس حقوق الإنسان معالجة ملفات 48 دولة كل سنة على أن يتم تقديم كل دورة للمراجعة كل أربع سنوات.
اختار المجلس نظاما لاختيار الدول الأعضاء التي يجب استعراض تقاريرها بحيث يراعي الدول المتطوعة لذلك وتلك التي تقرب مدة عضويتها من الانتهاء وبتنويع بين الكتل الجغرافية وبين الدول الغنية و النامية.

بعد مفاوضات مريرة، تم التوصل إلى تحديد قوائم وترتيب الدول، التي ستخضع للاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان، ابتداءً من العام القادم.

2008 (الدورة الأولى للمجلس): المغرب (1)، تونس (3)، الجزائر (4)، البحرين (5).

2008 (الدورة الثانية): سويسرا (14).

2008 (الدورة الثالثة): الإمارات العربية المتحدة (7)، إسرائيل (12).

أما بقية الدول العربية، فسيأتي الدور عليها في عام 2009 (الأردن والسعودية وجزر القمر واليمن)، وفي عام 2010: (مصر وقطر والعراق والكويت وليبيا وموريتانيا ولبنان).

أما في عام 2011، فسيأتي الدول على كل من (سلطنة عمان والصومال والسودان وسوريا).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية