مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 الرئيس عرفات واصلاح السلطة

Keystone

تتأرجح اوضاع القيادة الفلسطينية والرئيس عرفات بين الانفراج والتصعيد. فبعد رفع الحصار عنه وتسوية ازمة كنيسة المهد، يجد الرئيس الفلسطيني نفسه في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية لاصلاح النظام السياسي الفلسطيني. لكن هل يمثل هذا الامر اولوية في الظروف الحالية؟

عندما خرج الرئيس عرفات من حصار الدبابات الإسرائيلية، كان في ذهنه، على أغلب الظن، تحديات كبيرة تتعلق بالمعركة الدائرة مع إسرائيل مثل تحدي الغاء إسرائيل لمناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية، وكيفية التعامل مع الانحياز الأمريكي، أو الحاجة إلى إعادة بناء ما دمرته عملية الاجتياح الإسرائيلية، ولكن ربما لم يخطر ببال الرئيس عرفات أن جبهة جديدة سوف تُفتح له ليس فقط في خندقه بل ضمن أقرب الدوائر اليه.

في الاجتماع الأول الذي عقده الرئيس عرفات مع الاطار الواسع والذي يسمى “القيادة الفلسطينية” الذي يضم عادة مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية وقادة الأجهزة الأمنية ورئاسة المجلس التشريعي، فوجئ الرئيس بهجوم حاد من عدد كبير من الوزراء وخاصة هؤلاء القادمين من المجلس الثوري لحركة فتح وهي ركيزة القوة السياسية لياسر عرفات.

وظناً من الرئيس أن هذه مجرد محاولة مثل سابقاتها، حاول امتصاص الموضوع أولاً، ثم غضب وحاول التمرد على نقاش المسألة ولم ينجح، مما اضطره للتسليم بهذا الموضوع كنقطة أساسية أو شبه وجيزة على جدول أعمال اجتماع قيادته الأول بعد انتهاء الحصار.

ولعل أكثر ما يلفت الانتباه هو التزامن بين الدعوات الداخلية للإصلاح وبين دعوات بادر بها شارون أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وأيده فيها بوش. ومن الصعب ربط الدعوتين الداخلية والخارجية معاً تماماً كما يصعب فصلهما عن بعضهما البعض.

دعوات شارون وبوش ليست صعبة التفسير، فهي محاولة من شارون لتجنب الدخول في عملية سياسية عن طريق فرض شرط مسبق آخر إضافة إلى وقف العنف الفلسطيني، حسب تعبيره، وهو بالتالي يريد حصول الإصلاح في النظام الأمني والسياسي الفلسطيني. وهذا بالطبع شرط غير قابل للتحقيق لأن الإصلاح المقصود يهدف إلى جعل الأمن الفلسطيني أكثر فعالية في تحقيق الأهداف الأمنية الإسرائيلية، وهو ما يمكن تحقيقه خاصةً مع استمرار العدوان الإسرائيلي، الأمر الذي سوف يجنب شارون الحرج الذي يمكن أن يقع فيه اذا ما دخل في مفاوضات سياسية، ذلك لأن مواقفه السياسية ومبادئه الأيديولوجية تتناقض جذرياً مع أسس عملية السلام جملةً وتفصيلاً.

الجبهة الداخلية

أما المطالب الداخلية للإصلاح فهي أكثر تعقيداً خاصةً وأنها صادرة عن اشخاص ووجهات متعددة ليس لها فهماً موحداً ولا دوافع موحدة فيما يتعلق بنوع هذا الاصلاح المطلوب. وتأتي هذه الضغوطات من نوعين من الأوساط الفلسطينية، شعبي وغير رسمي من ناحية، ورسمي وحكومي من ناحية أخرى.

الضغط الشعبي ليس جديداً، لكن صدمة الاجتياح الإسرائيلي ربما أيقظت هذا المطلب الدائم والأوساط الشعبية وكذلك المثقفون والمتعلمون وقادة الرأي العام يرون في الانتخابات الاداة المثلى للإصلاح، ويطالبون بوجود نظام قضائي مستقل مع فصل السلطات. كذلك يرون ان هنالك حاجة لتعزيز دور النظام والقانون ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إضافة إلى التأكيد على الحاجة لدستور يوضح الصلاحيات. وقد صدر عدد كبير من الدراسات ونتائج عمل مؤتمرات توضح ذلك.

لكن في حين ان هذه المطالب واضحة ومنطقية، إلا أن الجهات غير السياسية والرسمية التي تقف وراءها، لا تملك القوة الكافية لفرض التغيير. أما الأوساط الرسمية المشاركة في الحملة من اجل الإصلاح والتي تملك القوة اللازمة، خاصة هؤلاء الذين لهم مناصب وزارية أو قيادية واللذين صارحوا الرئيس في اجتماعه الأول برغبتهم في التغيير، فهم ليسوا جادين في ذلك. وربما أن أهم دوافعهم هي ركوب الموجة، أو استباق أي رياح للتغيير محتملة، أو اتباع نظرية أن أحسن طريقة للدفاع هي الهجوم، أو أن ذلك يندرج في سياق صراع القوى والتنافس، خاصة الذي برز في تجربة غياب الرئيس المؤقت خلال الأسابيع التي كان فيها تحت الحصار.

المحصلة النهائية، أن طبيعة ومقدار الصعوبات والضغوط الداخلية التي يواجها الرئيس ليست أكثر من قدرته على المعالجة، سواء عن طريق إعادة تقسيم الكعكة أو غير ذلك من وسائل المعالجة التجميلية، أما الضغوط الخارجية من أجل التغيير، والتي تتعلق بدوره وصلاحياته، فهي أكثر جدية وخطورة، يمكن أن يواجهها فقط إذا استطاع أن يرتب بيته الداخلي.

إسرائيل على ما يبدو وكذلك حركة حماس، لن تمهلان الرئيس فسحةً لترتيب بيته الداخلي. إذ أن استئناف المقاومة، وعودة إسرائيل لإستئناف عملياتها، قد تجعلان من مسألة الإصلاح قضية مؤجلة وليست أولوية وإن كانت ستبقى مسألة تعود إلى السطح، عند اللزوم، سواء لإعتبارات داخلية أو خارجية.

غسان الخطيب – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية