مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“العقلانية” بديلا عن “الإنتظارية”..

من المنتظر أن يستأثـر العالم العربي وقضاياه وأوضاعه باهتمام خاص من طرف واشنطن في ولاية بوش الثانية swissinfo.ch

تشير اختيارات الرئيس بوش لوزراء إدارته في فترته الرئاسية الثانية، إلى أنه لا يريد أي معارضة لسياساته، وأنه يفضل أن يكون كل معاونيه من المؤيدين لها، سواء الخارجية أو الداخلية أو الدفاعية.

فما الذي يمكن أن تشهده العلاقات العربية الأمريكية في فترة بوش الثانية، وما الذي يتوجب على العرب عمله؟

في وقت اكتفت فيه الدول العربية بانتظار ما الذي سيحمله الرئيس بوش للمنطقة العربية خلال السنوات الأربع القادمة من رئاسته، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي والاحتلال الأمريكي للعراق، وقضية الإصلاح والتحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، تشير توقعات المحللين السياسيين في واشنطن إلى أن الرئيس بوش سيستكمل أجندة اليمين المحافظ، الذي ينتمي إليه، ولكنه سيقلل من النزوع إلى استخدام القوة المسلحة لتنفيذ أهداف سياسته الخارجية، وسيستعيض عنها بتصعيد الضغوط الأمريكية والدولية على الدول التي يري في سياساتها ما يتعارض مع رؤية الولايات المتحدة، مثل سوريا وإيران على سبيل المثال. فما الذي تعنيه هذه التوقعات بالنسبة للمنطقة العربية؟

يرى الدكتور حسين حسونة، سفير الجامعة العربية في واشنطن أن المشكلة الأساسية في العلاقات العربية الأمريكية تتركز في إن الولايات المتحدة تتعامل مع العالم العربي من خلال منظور إسرائيلي، وليس من منطلق المصالح العربية الأمريكية المشتركة. وقال، إنه رغم استمرار المساندة الأمريكية الواضحة لإسرائيل، خاصة في السنوات الأربع الأولى للرئيس بوش، فإن الدول العربية تمكّـنت من استصدار رأي استشاري من محكمة العدل الدولية أكّـد أن الأرض الفلسطينية أرض محتلة، وأن المستوطنات التي أقامتها إسرائيل فيها غير شرعية، وكذلك أفادت محكمة العدل الدولية بعدم قانونية بناء جدار الفصل الإسرائيلي وأنه يتعيّـن هدمه.

غير أن الدكتور حسين حسونة يرى أنه قد آن الأوان بالنسبة للدول العربية لتتقدم بمبادرات لتحريك المواقف الأمريكية، وأن تتوقّـف عن انتظار الأفعال الأمريكية لتصدر عنها ردود أفعال قد لا تتسم بالعقلانية أحيانا. وأعرب عن اعتقاده بأن أفضل ما يُـمكن للعرب عمله في الفترة القادمة، هو إعادة طرح وتسويق مبادرة الأمير عبد الله التي أقرّتها الدول العربية بالإجماع في قمة بيروت، وأن تتواصل نداءات الزعماء العرب للرئيس بوش لتذكيره بالاستمرار بوعوده، وخاصة تنفيذ تصوّره المُـعلن لحل للصراع العربي الإسرائيلي، يقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة تتوفر لها مُـقوّمات البقاء لتعيش في سلام إلى جانب إسرائيل.

وتبدو هذه النصيحة في محلها تماما، حيث تعهّـد الرئيس بوش من جديد بالعمل على تنفيذ تلك الرؤية بمجرد أن ذكّـره بها الرئيس الباكستاني برفيز مشرف أثناء زيارته للبيت الأبيض.

بوش واختبار النوايا

غير أن السفير سعيد كمال، الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشؤون الفلسطينية، والذي يجري اتصالات في العاصمة الأمريكية حول دفع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، أعرب عن وجهة نظر أقل تفاؤلا، حيث أشار إلى أن الدول العربية بشكل عام تتعامل مع الفلسطينيين في السنوات الأخيرة بمنطق “اذهب أنت وربك فقاتلا معا”، وواصل الفلسطينيون نضالهم تحت أصعب الظروف، فيما استخدمت إسرائيل أعذارا مُـتنوّعة للتنصّـل من استحقاقات عملية السلام، واستغلت هجمات 11 سبتمبر لدمغ الفلسطينيين والعرب والمسلمين بوصف مساندة الإرهاب أو أتباع ثقافة الإرهاب، وتمكّـنت بذلك من وضع نفسها في خندق مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة، وروّج نتانياهو لفكرة أنهم يكرهوننا ودق إسفينا أصاب العلاقات العربية الأمريكية بشرخ عميق.

وقال السفير سعيد كمال “إن إسرائيل ومن ورائها الرئيس بوش واصلت الإدعاء بأن الرئيس الراحل ياسر عرفات يشكّـل عقبة أمام المُـضي قُـدما في عملية السلام. ولذلك، فإن الرئيس بوش في فترته الرئاسية الثانية سيكون أمام اختبار عسير للنوايا الأمريكية إزاء الشعب الفلسطيني بعد أن زالت حجّـة أن الرئيس الراحل عرفات كان العقبة التي حالت دون تنفيذ خارطة الطريق، وناشد الدول العربية ألا تسمح باختلاق عُـذر جديد يُـمكّـن شارون من تنفيذ خطة المماطلة والتسويف، مثل حجة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني”.

وأشار السفير سعيد كمال إلى أن بوش، الذي كان يتحسّـر على أن الفلسطينيين لم يمنحوا السيد محمود عباس “أبو مازن” الفرصة الكافية ليقود مسيرة السلام مع إسرائيل من موقعه، عندما كان رئيسا للوزراء، سيتعيّـن عليه في فترته الرئاسية الثانية أن يقدم شيئا ملموسا من خطوات تنفيذ خارطة الطريق، ووصولا إلى برنامج زمني محدّد لإقامة الدولة الفلسطينية، إذا فاز السيد محمود عباس في انتخابات الرئاسة الفلسطينية القادمة.

أما السفير القطري في واشنطن، السيد بدر الدفع فقد نبّـه إلى أنه يجب أن يتخلّـى العرب عن أسلوب تبرير كل مشاكلهم بوجود تحيّـز أمريكي إلى جانب إسرائيل، وأن يبدءوا في التعامل بجدية مع حقيقة العالم أحادي القطب الذي نعيش فيه، حيث انفردت فيه الولايات المتحدة بالزعامة كقوة عظمى وحيدة تؤثر بشكل فـعّـال في كل ما يحدث في أنحاء العالم.

ومع دخول الرئيس بوش فترته الرئاسية الثانية، يرى السفير القطري في واشنطن أنه يتعيّـن على الدول العربية الشروع فورا في انتهاج سياسة للتعامل العقلاني مع الولايات المتحدة، واستغلال كل العناصر المُـتاحة لها للتأثير بشكل إيجابي في القرارات والسياسات الأمريكية مع عدم الاقتصار على الجوانب السياسية فقط، حيث يُـمكن من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية كسب أرضية جديدة على الساحة الأمريكية.

ونبّـه السيد بدر الدفع في هذا الصدد، إلى أن إسرائيل أحسنت استخدام اليهود الأمريكيين كقوة ضغط للدفع باتجاه مصالحها وضمان التأييد الأمريكي المتواصل لها، بينما أهمل المسؤولون العرب عُـنصرا هاما في الساحة الأمريكية يُـمكن تنمية أثره تدريجيا للضغط من أجل المصالح العربية، وهم العرب الأمريكيون ومنظماتهم المتنامية، خاصة خلال العشرين عاما الماضية.

دق ناقوس الإصلاح

وكان من المُـلفت للنظر أن الرئيس بوش الذي بدا خلال حملته الانتخابية وكأنه تناسى مسألة المطالبة بالتحول الديمقراطي والإصلاح في العالم العربي، عاد ليُـشدد أثناء زيارته الأخيرة إلى كندا على ضرورة العمل على التحول بالمنطقة، التي يصفها بالشرق الأوسط الكبير، بعيدا عن حكم المستبدين ورجال الدين على حد قوله.

ويرى الدكتور حسين حسونة، سفير الجامعة العربية في واشنطن أن الولايات المتحدة بدأت تضغط باتجاه ضرورة إصلاح المجتمعات العربية، حتى تستطيع التغلّـب على ظاهرة التطرف والإرهاب التي طالت أياديها الأمن القومي الأمريكي في 11 سبتمبر، وكان الرد العربي أن الإصلاح يجب أن ينبع من الداخل، وأن يتفق مع التراث الثقافي والديني للمجتمعات العربية، وأن لكل دولة ظروفها الخاصة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وأكّـد الموقف العربي على أن الإصلاح يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع إحراز التقدم نحو حل الصراع العربي الإسرائيلي، لتهيئة المناخ المناسب الذي يمكن أن يوفر النجاح لجهود الإصلاح والتحول الديمقراطي.

وقال الدكتور حسين حسونة إن الولايات المتحدة قبلت بالتصور الذي طرحته الدول العربية لكيفية ومتطلبات الإصلاح، كما اتضح في جلسات مشتركة لوزراء الخارجية العرب ومجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، وتمّ التوصل إلى تفاهم مشترك بأن الإصلاح لن يُـفرض من الخارج على الدول العربية، ولكنه سيلقى التشجيع والمساعدة من هذه الدول.

وقال الدكتور حسين حسونة “كمواطن عربي، وبكل صراحة، أعتقد أن الإصلاح الذي تبتغيه الشعوب العربية لن يأتي إلا بالتحرك من الداخل وبالتشجيع من الخارج، وليس بالضغط ولا بالإملاء”.

وخلّـص الدكتور حسين حسونة إلى أن هناك متطلبات يتعيّـن على الجانب العربي القيام بها لضمان التأثير في المواقف الأمريكية بشكل يخدم المصالح العربية ويحسّـن العلاقات العربية الأمريكية وهي:

أولا، تغليب المصلحة المشتركة العليا للدول العربية على المصالح الثنائية العربية الأمريكية، للتوصل إلى مواقف عربية مُـوحّـدة ومشتركة، بعد أن اتضح للعرب أن الولايات المتحدة لا تحترم إلا القوة. فلو أظهر العرب قوتهم من خلال المواقف الموحدة، فستحترم الولايات المتحدة قوتهم.

ثانيا، التعامل بعقلانية مع الولايات المتحدة والتوقف عن ردود الأفعال العاطفية، والتخلي عن نظريات التآمر التي اعتاد العرب اللجوء إليها لتبرير المواقف، وكذلك الشروع في قبول النقد الذاتي.

ثالثا، استخدام المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الحيوية للولايات المتحدة في العالم العربي كوسيلة للتأثير الإيجابي في العلاقات العربية الأمريكية من خلال توضيح كيف أن التوصل إلى حل عادل للصراع العربي الإسرائيلي وسحب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية سيُـحقق بشكل أفضل بكثير المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة في العالم العربي.

رابعا، استخدام الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الشعبية في رأب الصّـدع في العلاقات العربية الأمريكية من خلال الحوار الدبلوماسي في واشنطن، وتضافر جهود المنظمات العربية في شرح القضايا العربية والثقافة العربية والإسلامية للجانب الأمريكي.

خامسا، استمرار الجامعة العربية في جهودها مع الجمعيات العربية الأمريكية لتحسين التعاون العربي الأمريكي في ضوء نجاح المنتدى الاقتصادي العربي في ديترويت، في فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي العربي الأمريكي.

وردا على سؤال لسويس إنفو عمّـا يجب أن يفعله العرب للتأثير في المواقف الأمريكية خلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوش، قال السفير القطري الأستاذ بدر الدفع، إن المشكلة الأساسية في التعامل العربي مع الولايات المتحدة هو أن كثيرا ممن يفهمون حقائق الساحة السياسية الأمريكية من الكوادر العربية في أغلب البلدان العربية، بعيدون عن دائرة صنع القرار في العواصم العربية، مما يخلق نوعا من عدم الفهم والخلل في التعامل مع الولايات المتحدة، كما أن صوت العديد من الشعوب العربية ليس مسموعا في أوطانها العربية، فكيف سيكون مسموعا في واشنطن؟ لذلك، فإن تحول العالم العربي نحو الديمقراطية، من شأنه أن يجعل صُـنّـاع القرار في واشنطن يتفهمون أن مطالب الزعماء العرب هي تعبير عن مطالب شعبية لها وزنها.

وأضاف السفير القطري، أن بعض الزعماء العرب عندما يأتون إلى الولايات المتحدة يتصوّرون أن اجتماعهم بزعماء اليهود الأمريكيين، كفيل بتلميع صورهم في المجتمع الأمريكي، والأجدر بالزعماء العرب أن يجتمعوا بالعرب الأمريكيين، فهم بذلك يؤكّـدون للجانب الأمريكي وجود قوة لهم على الأرض الأمريكية ممثلة في أصوات العرب الأمريكيين ومنظماتهم التي يتزايد تأثيرها وفعاليتها يوما بعد يوم.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية