مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 العقوبات: بغداد تقبل الصيغة الجديدة

اجماع مجلس الامن على القرار رقم 1409 لم يلق حماسا كبيرا في بغداد لكن العراق سيتعامل مع القرار بواقعية Keystone

نقلت وكالة الانباء العراقية عن وزير الاعلام محمد سعيد الصحاف قوله، ان العراق سيعمل على اساس قرار مجلس الامن الدولي الاخير رقم 1409 حول تخفيف نظام العقوبات، وجددت بغداد في نفس الوقت مطالبتها برفع الحظر رفعا كاملا.

لاشيء يمكن اعتباره قاطعا بصدد الموقف العراقي من قرار مجلس الامن القاضي بتعديل نظام العقوبات المفروضة على بغداد. ومع ذلك فإن بغداد ستبقي توجسها من النظام الجديد قائما حتى لو تم القبول به.

ويعود التوجس العراقي في حقيقة الأمر الى دوافع عديدة. فالعراق اذا تعامل مع اتفاق النفط مقابل الغذاء خلال السنوات الست الماضية ومن خلال احدى عشرة مرحلة، حاول مرارا فضح ما يسميه الأهداف الشريرة للولايات المتحدة وبريطانيا.

فقد عرقلت واشنطن ولندن اكثر من 2600 عقدا بلغت قيمتها الاجمالية 7983 مليون دولار في اطار مراحل الاتفاق الذي تنتهي مرحلته الحادية عشرة نهاية مايو الجاري. كما ان خبرة العراق في خرق الحصار الذي يتواصل منذ اثني عشر عاما بوسائل عديدة بعضها سياسي واخر اقتصادي يمكن ان تكون سببا اخرا للتوجس العراقي.

بغداد، التي نجحت في هدم اركان الأسوار العالية المحيطة بها عبر اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها مع تسعة عواصم عربية تخشى كثيرا من ان يلحق النظام الجديد للعقوبات اضرارا جديدة بها من خلال تعطيل تنفيذ هذه الاتفاقيات التي ينظر اليها على انها احدى اهم وسائل العراق في خرق الحظر.

وبالطبع فإن هذا القرار سيلحق بعض الضرر بالعلاقات العراقية مع عدد من الدول وخاصة روسيا التي اعتبرها نائب رئيس الجمهورية العراقي “تبذل جهدا لتقليل الشر الذي تطرحه الادارة الامريكية”، سبق لها ان اعاقت فرض العقوبات الذكية في العام الماضي ونالت على ذلك مكافأة العراق بعقود بلغت بضعة مليارات من الدولارات، فيما يتوقع ان تواجه موافقة موسكو على التعديل الجديد كثيرا من العتب وعدم الرضا في العراق.

موقف مائع من الجانبين

ترى بغداد في هذا النظام عودة الى المربع الاول بعد ان كانت تنتظر ان يؤدي قبولها بسنوات طويلة مرهقة من التفتيش والمراقبة الى رفع الحصار بدلا من تجديده وتشديده، وهو امر يعتبره العراق استحقاقا قانونيا يجب على مجلس الامن الايفاء به. وهنا يبرز تساؤل بالغ الاهمية عن جدوى التعاون مع المنظمة الدولية والقبول بعودة فرق التفتيش بكل مزعجاتها اذا كان الحصار سيستمر دون نهاية منظورة؟

وفوق هذا وذاك، سيستخدم القرار الجديد في حملة سياسية مكثفة معادية لبغداد. وقد بدأت هذه الحملة بالفعل في تصريحات وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الذي قال “ان التغييرات التي وافق عليها مجلس الامن بالاجماع ستسرع من الموافقة على السلع المدنية التي يشتريها العراق بعائداته من مبيعات النفط تحت اشراف الامم المتحدة وتحبط جهود صدام حسين لتصوير العقوبات على انها عقوبة غير انسانية”، الأمر الذي يلقي بالكرة في ملعب بغداد.

ويذكر ان العراق كان يلقي باللوم على العقوبات التي يتهمها بالتسبب في موت مئات الاف المدنيين واتهم الولايات المتحدة وبريطانيا مرارا بحجب موافقتهما على امدادات انسانية يحتاج اليها بشدة.

ويعتبر ان صدور هذا القرار بالاجماع شكَّل نصرا سياسيا مهما للولايات المتحدة التي تقدمت بمشروعه وكانت حريصة على ضمان الاجماع الكامل في مجلس الامن من اجل الظهور بمظهر البطل المنتصر. لكن هل ان تحديد قائمة من السلع التي توصف بأنها مزدوجة الاستخدام تطور جوهري فعلا في الحصار المضروب حول العراق.

تغييرات غير حاسمة

ليس سرا القول ان البعض لا ينظر الى الامر على هذا النحو، فالسلع الواردة في قوائم السلع المزدوجة الاستخدام ذات ال
(300) صفحة كانت تحظر او تعلَّق من قبل مندوبي واشنطن ولندن في لجنة العقوبات (661) التابعة لمجلس الامن بشكل تلقائي، وكل الذي جرى الان انها حصرت في قائمة موحدة – حسب اعتقاد البعض.

ثم ان صدور قرار من مجلس الامن شيء، والالتزام الحرفي والمطلق به شيء اخر، اذ لا يتوقع من جيران العراق او اصدقائه في المحيط الدولي التخلي عن السوق العراقية التي يسيل لها لعاب كثير من الشركات والدول التي ترغب ببقاء مصالحها في العراق قائمة الان وفي المستقبل.

اما الدخل العراقي، فلا يتوقع ان يجد اثرا سلبيا واضحا للنظام الجديد فيه، اذ لم يطرأ ارتفاع في سعر صرف الدينار العراقي ازاء العملات الاجنبية ولم تظهر بوادر قلق حقيقية في الشارع العراقي الذي اطمأن الى ان حصته الأساسية من الغذاء مضمونة شهريا ببطاقة يحصل بموجبها كل فرد عراقي على احتياجاته الاساسية بثمن رمزي، وهو اسلوب أمَّنته له الحكومة العراقية قبل تطبيق اتفاق النفط مقابل الغذاء، بل ومنذ الأسبوع الاول لفرض الحظر عليه – لكن هل يحل ذلك مشكلة 25 مليون عراقي فعلا؟

مصطفى كامل – بغداد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية