مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 جدل في سويسرا حول استفتاء تونس

الاكاديمي مازري الحداد رفقة المحامية حميدة مرابط في جنيف، يوضحان التعديلات الدستورية. swissinfo.ch

يستعد التونسيون لاول استفتاء شعبي في تاريخهم، يجرى في 26 مايو للتصويت على تعديل عدد من فقرات الدستور. وتتباين اراء المؤيدين والمعارضين لهذا التعديل الذي يدعو الى انشاء غرفة ثانية في البرلمان والى الغاء الحدّ من ولايات رئيس الجمهورية، وهو ما يمكن الرئيس زين العابدين بن علي من الترشح لولاية اخرى عام 2004.

في أول تجربة في تاريخ تونس، يتوجه يوم الاحد حوالي 3،6 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع للتصويت على جملة من التعديلات الدستورية. ويرى مؤيدو النظام أن هذه التعديلات تهدف إلى تعزيز الممارسة الديموقراطية وحماية حقوق الانسان وبناء جمهورية الغد.

في المقابل، ترى المعارضة أن الهدف من تغيير الدستور، هو تكريس سلطة الرئيس بن علي وسيطرة نظامه في دواليب الحكم بصورة مباشرة، وتمهد الطريق امام ترشحه مجددا للرئاسة، وهو ما لا يسمح له به الدستور في صيغته الحالية. كما يعطيه التعديل حصانة قضائية حتى بعد تخليه عن السلطة… وقد زار جنيف ممثلان عن التيارين، المؤيد والمعارض، قدما من تونس.

 “التعديل لخدمة المواطن وبن علي لم يعلن ترشحه بعد”

يقول الأستاذ مازري الحداد، الباحث والاستاذ بعدد من المعاهد الفرنسية، ان الاقتراحات الدستورية المطروحة على الناخبين “هي تحويرات أساسية، تهدف إلى خدمة المواطن في حياته اليومية والى تعزيز الديموقراطية المحلية. ويستغرب من تركيز المعارضة على بند واحد من بين البنود الأربعين المطروحة في الاستفتاء، وهو البند رقم 39 الخاص بفسح المجال أمام تجديد انتخاب رئيس الجمهورية اكثر من الولايتين المنصوص عليهما في صيغة الدستور الحالية. ويعتقد الأستاذ مازري الحداد أن التعديلات الدستورية المقترحة “إيجابية في مجملها” وتهدف إلى “تعزيز الديموقراطية الحقيقية في تونس على مراحل”.

ويؤكد السيد الحداد ان التركيز على تجديد انتخاب رئيس الجمهورية هو بمثابة قراءة في الما ورائيات”، بحكم ان الرئيس بن علي لم يعلن ترشحه لانتخابات عام 2004. ويضيف قائلا إني “كمثقف بسيط اقرأ ما أراه، ولم اقرأ حتى اليوم تصريحا واضحا للرئيس بن علي، ينوي فيه الترشح لولاية جديدة”.

ويقول الأستاذ مازري الحداد، إن الرئيس بن علي، منذ ان تولى مقاليد السلطة في تونس عام 1987 “نجح في اجتياز مرحلتين: المرحلة الأولى هي تكريس الأمن في تونس … والثانية مرحلة الإصلاحات الاقتصادية”. اماالثالثة التي يتطلع اليها الرئيس بن علي، فهي مرحلة الإصلاحات السياسية وترسيخ المسار الديموقراطي في تونس”، وينتهي الحداد إلى القول انه “إذا كان الامر كذلك، فأنا معه في هذا”.

ويتوقع الاكاديمي التونسي أن يتم الشروع في هذه المرحلة الثالثة قبل الانتخابات الرئاسية عام 2004، وأن يشمل الاصلاح الصحافة بشقيها الحكومي والمعارض، والتي عليها أن تتحول إلى صحافة حرة ومنتقدة. كما يعتقد الحداد أن هناك ضرورة للاعتراف ببعض الأحزاب المعارضة، لكنه يؤيد اقصاء الاحزاب التي ترغب في الحكم استنادا الى الدين.

ويذكر ان السيد مازري الحداد كان قبل سنوات في صفوف المعارضين للرئيس بن علي ثم تحول مؤيدا للنظام. ويبرر ذلك بالقول “إن المثقف يجب أن ينتقد كلا من النظام والمعارضة”. ويحمّل الحداد المعارضة “ضرورة مراجعة النفس أيضا والعمل على خلق جو حوار بدل التخوين والتجريم والسب والقذف”.

 تعديل الدستور: “انقلاب على الشرعية”

هذا ما يعتقده على الجانب الاخر السيد عبدالوهاب معطر، استاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بالجامعة التونسية والذي رفع طعنا في شرعية التعديل الدستوري امام القضاء التونسي. اذ يعتقد ان التعديلات التي اقترحتها السلطة السياسية التونسية هي بمثابة “انقلاب على الدستور وعلى الشرعية”.

ويقول الاستاذ معطر “إن كل الأنظمة المقررة في العالم تعطي الإمكانية للشعب لمحاسبة الحكام، محاسبة سياسية ومحاسبة قضائية”. لكنه يوضح “بأن الرئيس بن علي الغى إمكانية محاسبته سياسيا بمجرد مجيئه الى السلطة، بتحوير الدستور عام 1988، خصوصا ما يتعلق بحق البرلمان في اقالة رئيس الجمهورية، وهو ما كان معمولا به في الدستور السابق في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة.

ويرى الاستاذ معطر ان التعديل الحالي جاء “ببدعة لا مثيل لها في اي نظام دستوري، حيث ان البند الحادي والاربعين المقترح في التعديل، يمنح رئيس الجمهورية حصانة قضائية حتى بعد مغادرته السلطة، وهو ما يطلق عليه مبدأ “عدم المحاسبة والافلات من العقاب”.

ويعتقد الأستاذ عبد الوهاب معطر أن من بين التعديلات الخطيرة، ما ينص عليه البند التاسع والثلاثون، الذي يترك المجال مفتوحا امام تجديد ترشيح الرئيس ويرفع سقف سن المرشح الى الرئاسة من سبعين الى خمسة وسبعين عاما. ويقول معطر ان “ذلك يعني ان الرئيس بن علي يمكن ان يظل في السلطة الى عام 2014، اذا لم يتم اجراء تعديل دستوري جديد”.

ويخشى استاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية من “ان يؤدي التعديل الى تركيز كل السلط بين ايدي رئيس الجمهورية” والى “اضعاف هيئات مثل الحكومة والقضاء ومجلس النواب”. ويعتبر ان نظاما من هذا النوع يوصف من الناحية القانونية البحتة، بانه “نظام دكتاتوري من نمط الانظمة التي كانت سائدة في امريكا اللاتنية، وبالتحديد في شيلي، خلال السبعينات والثمانينات”.

محمد شريف – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية