مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“حبل سري” بين طهران وواشنطن؟

اكتشفت واشنطن أن نفوذ طهران داخل العراق يتجاوز العلاقة القديمة القائمة مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ليشمل عدة قوى شعبية وحزبية أخـرى swissinfo.ch

ماذا يجري بين إيران وأمريكا هذه الأيام؟ هل ثمة حقا وساطة إيرانية بين الأمريكيين وشيعة العراق؟ وماذا تعني تهديدات بوش الأخيرة لطهران في هذا السياق؟

وهل نحن – رغم ظواهر الأمور – في صدد صفقة سرّية جديدة بين طهران وواشنطن حول بلاد ما بين الرافدين، شبيهة بتلك التي أبرمها الطرفان عشية الحرب الأمريكية في أفغانستان؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير، رافقت الجولة التي قام بها وفد إيراني رفيع قبل أيام إلى العراق برئاسة حسين صديقي، مدير شؤون الخليج في وزارة الخارجية الإيرانية. وكما هو معروف، التقى الوفد دبلوماسيا أمريكيا ومسؤولين في مجلس الحكم والمرجعية الشيعية، لكنه لم يلتق لا آية الله علي السيستاني، الرجل الأقوى بين شيعة العراق، ولا مقتدى الصدر، رئيس “جيش المهدي” الشيعي أيضا المتمرد على الأمريكيين.

وبرغم أن جولة الوفد التي دامت خمسة أيام انتهت إلى الفشل، على ما يبدو، إلا أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام الاجتهادات حول حقيقة الدور الإيراني ومستقبله في العراق.

ما طبيعة هذه الاجتهادات؟

قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، وقفة أولا أمام الظروف التي سمحت لإيران بأن تطل برأسها على المشهد العراقي بصفتها وسيطا لا طرفا في النزاع.

في 15 أبريل الحالي، أدلى ريتشارد بوشر، الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية بتصريح غريب قال فيه: “الولايات المتحدة ترى أنه من غير المناسب أن تلعب إيران دور الوساطة في العراق. لكن من المناسب لهم (للمسؤولين الإيرانيين) أن يحاولوا العمل مع السلطات العراقية لخلق الاستقرار، ولبذل كل ما يمكن من جهود في هذا الصدد”.

وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي فسّـر هذا التصريح على أنه دعوة أمريكية صريحة إلى إيران للوساطة في العراق، حيث قال: “طبعا، هناك طلب لتقديم مساعدتنا في تحسين الوضع في العراق ولحل الأزمة، ونحن نبذل جهودنا في هذا المجال”.

لكن سلطة الاحتلال الأمريكية في بغداد سارعت إلى نفي وجود وساطة إيرانية، وقالت “إن ممثلا لهذه السلطة اجتمع بالوفد الإيراني وأبلغه بشكل جازم بأنه لا يجب أن يلعب دور الوساطة، لأن هذا الدور غير مرحّـب به”، وأضاف: “لقد نقلنا إلى الوفد رسالة حاسمة حيال دور إيران في العراق، وهو دور يجب أن يكون بنّاء لا مدمّرا، لن يكون ثمة وساطة بيننا وبين مقتدى الصدر”.

وبالطبع، صبّ موقف الاحتلال ماءً باردا على دور الوساطة الإيراني الذي أصيب بضربة أخرى حين اغتال مسلحون دبلوماسيا بارزا في السفارة الإيرانية في بغداد، في اللحظة نفسها التي كان يتوّجه فيها وفد الصديقي إلى النجف.

بيد أن كل هذه التطورات الأمنية والدبلوماسية السلبية لم تؤّثر على حقيقة وجود “حبل سرّي” ما يربط واشنطن بطهران حيال الأزمة العراقية.

فقد كشفت “منظمة أوراسيا ” الموثوقة، النقاب عن أن الطرفين “توصلا بالفعل إلى ما يبدو أنه صفقة لخلق الاستقرار في بلاد ما بين الرافدين بعد أشهر من الاتصالات غير المباشرة بينهما”. ونسبت المنظمة إلى مصادر إيرانية قولها أن الأمريكيين ربطوا عرض التفاهم هذا بجزرة: إذا ما ساعدت إيران على تهدئة الأوضاع في العراق، فإن الولايات المتحدة ستليّـن معارضتها للبرنامج النووي الإيراني.

لكن العرض الأمريكي أرفِـق أيضا بعصا: في حال فشل إيران في العمل من أجل التهدئة العراقية، فإن الولايات المتحدة ستكثف جهودها ضدها في وكالة الطاقة الذرية، وستحمّـلها تبعات تدهور الأوضاع في العراق.

وتُـشير العديد من المؤشرات إلى أن غالبية المحافظين الإيرانيين الذين باتوا يسيطرون منذ فبراير الماضي على البرلمان الإيراني، يريدون بقوة إرضاء الأمريكيين في إيران بهدف إبعاد نظامهم عن مرمى إطلاق النار الأمريكي، وهم ما زالوا يخشون أن تصدر أمريكا أزمتها في العراق في شكل حرب، هدفها إسقاط نظامهم، والمفارقة هنا، أن استعدادات التفاهم هذه لدى المحافظين الإيرانيين، تُـجابه برفض من جانب المحافظين الجدد الأمريكيين.

ويقول هنا غاري سيك، الذي عمل كخبير للشؤون الإيرانية في إدارات فورد، وكارتر، وريغن، أن تضارب المواقف بين وزارة الخارجية الأمريكية، وسلطة الاحتلال حيال الوساطة الإيرانية في العراق، “سببه رفض المحافظين الجدد لأي تعاطي مع نظام الملالي الذي يعتبرونه جزءا من محور الشر”، ويضيف “أن المحافظين الجدد أصدروا في الآونة الأخيرة سلسلة من التقارير والمذكرات التي سعت إلى وصف أي تقارب مع إيران على أنه محاباة واستسلام لها”.

أي مستقبل؟

ما طبيعة ومستقبل الدور الإيراني في العراق؟ يمكن القول بداية أن ملالي إيران على تنوّع تياراتهم السياسية والأيديولوجية، متفقون على ضرورة ترسيخ النفوذ الإيراني في عراق ما بعد صدام، أساسا من خلال تسهيل وصول الغالبية الشيعية العراقية إلى السلطة، وهم لهذا الغرض، يحاولون مد أفضل الجسور مع آية الله علي السيستاني، برغم أن هذا الأخير يرفض مبدأ ولاية الفقيه التي يُـقيم النظام الإيراني كل شرعيته عليها، ولهذا أيضا، لم تدعم طهران مقتدى الصدر لأنها غير مستعدة للرهان على ورقة قد تكون خاسرة في الصراع الراهن حول العراق الجديد.

وهذا الأمر، أي عدم دعم الصدر، أكّـدته السلطات الأمريكية في بغداد التي قالت مصادرها إنها “متأكّـدة من أن الإيرانيين لم يكونوا وراء الاضطرابات الراهنة في العراق. فمن بين كل المعتقلين في جنوب العراق، لم يتبيّـن أن أحدا منهم كان من العملاء الإيرانيين”.

بالطبع، بعض القادة الإيرانيين، وعلى رأسهم أية الله هاشمي رفسنجاني، وصف مقتدى الصدر وجيش المهدي بأنهم “شعب متحمس وفتي وبطل”. كما امتدح إيرانيون آخرون إعلان الصدر بأنه يعتبر نفسه امتدادا لحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.

بيد أن هذه التصريحات لم تعبّـر عن الموقف الرسمي الإيراني، ولا عن رأي غالبية رجال الدين الحاكمين الذين يسعون إلى التعاون مع الأمريكيين لنقل السلطة إلى الغالبية الشيعية.

لكن، هناك نقطة أخرى مهمة. فالبرغم من أن الملالي يسعون إلى التفاهم السلمي مع الأمريكيين، إلا أنهم لا يضعون كل بيضهم في سلة هذا الخيار. فهم يقومون بتأسيس العديد من الشبكات المؤيدة لهم في العراق، ويدرّبون مئات الشيعة الإيرانيين على استخدام السلاح في معسكرات خاصة على الحدود، كما أنهم نشروا عناصر الحرس الثوري في مناطق شيعية واسعة في بغداد والجنوب.

الهدف؟ قلب الأوضاع في العراق ضد الأمريكيين في حال انقلب الأمريكيون على الإيرانيين من خلال شن حرب وقائية أو استباقي عليهم. بيد أن هذا حديث المستقبل. أما اليوم، فكل الجهود الإيرانية منصبة على استرضاء “الذئب” الأمريكي، بهدف تسهيل وصول “الحمل” الشيعي العراقي إلى الحكم.

قلق عربي

كيف تطل الدول العربية المجاورة على هذه الحركية الإيرانية في العراق؟ كل هذه الدول (ربما عدا سوريا)، شعرت بقلق شديد للغاية من صعود نجم إيران في العراق، خاصة دول الخليج العربية.

فهذه الدول رأت في طلب الوساطة الإيرانية الأمريكية اعترافا خطيرا من واشنطن بدور إيراني مميّز في بلاد ما بين الرافدين، وخشيت أن يؤدي ذلك إلى وحدة مواقف الشيعة الإيرانيين والعراقيين بعد أن كانت تراهن على أن شيعة العراق العرب سينأون بأنفسهم عن نفوذ شيعة إيران الفرس.

ويتوقع الآن أن تبذل هذه الدول كل جهودها لدى واشنطن لوقف أي تنسيق مع طهران، وستتقاطع هنا مع المحافظين الجدد الأمريكيين الذين يرفضون هذا التنسيق، حتى وإن كان يخدم المصالح الآنية الأمريكية.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية