مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“حزب الله”، بعد “حماس”، يتحسس رأسه

تمارس واشنطن منذ مدة غير قصيرة ضغوطا على بيروت لحملها على تجميد اموال حزب الله في المصارف اللبنانية swissinfo.ch

هل بدات الحملة الاميركية ضد الحركات الاصولية الاسلامية في الشرق الاوسط العربي؟ وهل هذه ستكون هي "المرحلة الثانية" من الحرب العالمية الاميركية ضد الارهاب؟ هذه الاسئلة القلقة فرضت نفسها بقوة خلال اليومين الماضيين على لبنان، خاصة في اوساط كل من "حزب الله" والدوائر الحكومية اللبنانية.

ولم يكن قلقا مبالغا فيه. اذ ان قرار الادارة الاميركية بدعم الغزوات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية وغزة باعتبارها “دفاعا عن النفس” ( … )، ثم قرارها الاخر بقطع صنابير الدعم المالي في الولايات المتحدة عن حركة حماس (تجميد اموال “مؤسسة الارض المقدسة” ومصرفي “بنك الاقصى” و”شركة بيت المال” )، قرع أجراس الانذار بقوة حول احتمال تمدد هذه الحرب الى كل من سوريا ولبنان.

ومعروف ان واشنطن تضغط منذ فترة غير قصيرة على لبنان لحمله على تجميد اموال حزب الله في المصارف اللبنانية، بعد ان تصّدر هذا الحزب قائمة اللائحة الاميركية الثالثة المتعلقة بالمنظمات “الارهابية”.

وتقول مصادر مقربة من “حزب الله” لـ “سويس انفو” ان “اكثر ما يدعو الى الريبة الان “هي الضغوط التي بدأت دول عربية حليفة لاميركا مثل الاردن ومصر والسعودية ببذلها ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لحمله على مواجهة حركة حماس الاسلامية”.

وتضيف المصادر انها تخشى الان ان تمارس ضغوط مماثلة على سوريا ليس فقط في ما يتعلق بحزب الله، بل ايضا بالعديد من المنظمات الفلسطينية الاسلامية والعلمانية التي تتخذ من دمشق مقرا لها.

وتشير المصادر نفسها الى ان قيادة حزب الله تراقب عن كثب كيف سيكون مصير حركة حماس لتقوم بعد ذلك باستخراج الخلاصات الخاصة بها. وهي هنا لا تتردد في الاعتراف بان حماس في ازمة مصرية بالفعل.

حماس في ورطة

فبرغم ان هذه الحركة الاسلامية الفلسطينية تتميز عن شقيقاتها من الحركات الاسلامية العربية ( بما في ذلك حزب الله ) بانها تغلبّ غالبا النزعة الوطنية الفلسطينية على النزعة الدينية ( فهي فلسطينية اولا ثم اسلامية )، وبرغم انها تحاول، الى هذا الحد او ذاك، تقليد النهج البراغماتي العرفاتي الشهير، الا أنها هذه المرة في ورطة كبرى.

فهي في ورطة اذا ما رفضت الشعار الجديد الذي يرّجح ان يرفعه عرفات قريبا “لا سلطة فوق سلطته” و “لا قرارات مستقلة الا قراراته”، لان هذا الرفض سيشعل نيران حرب اهلية فلسطينية طاحنة. وهي في ورطة اذا ما قبلت توجهات السلطة الوطنية، لان هذا لن يعني فقط زج المئات من اعضائها في السجون، بل ايضا تجريدها من كل اسلحتها السياسية والعسكرية وحتى ايضا الاجتماعية – الثقافية.

وهذه المسألة الاخيرة، اي المواقع الاجتماعية – الثقافية، بالغة الخطورة بالنسبة لحماس. اذ ان استكمال الخطوات الاميركية الخاصة بقطع صنابير الدعم المالي عنها في الولايات المتحدة، بعمليات ضغط لوقف تبرعات المواطنين الخليجيين وفلسطينيي الخليج لها، سينسف دعائم “دولة الرعاية الاجتماعية” التي اقامتها حماس واكسبتها (اضافة الى المقاومة) شعبية نصف المجتمع الفلسطيني.

ثم ان الضغوط عليها هذه المرة تختلف عن كل سابقاتها. ففي عام 1996، وفي اعقاب عمليات انتحارية مماثلة لتلك التي نفذتها مؤخرا، قبلت الحركة اجراءات القمع كثمن لا بد منه للحفاظ على الوحدة الوطنية. اما الان فأن الشروط الاميركية والاسرائيلية تطالب برأس حماس نفسه، كثمن وحيد وككبش فداش أوحد لعدم دحرجة رأس عرفات والكيان الفلسطيني.

حزب الله تحت عباءة الوئام الامريكي الايراني

وتخلص المصادر المقربة من حزب الله الى القول : “لقد دخلنا جميعا في نفق محفوف بالمفاجآت. واخطر هذه المفاجآت ان احدا لا يرى نورا ما في آخر هذا النفق”. هل مخاوف حزب الله في محلها؟

“سويس انفو” طرحت هذا السؤال على مسؤول حكومي لبناني بارز ( طلب عدم الكشف عن اسمه)، فأجاب : “القلق موجود بالطبع. لكني اعتقد ان الولايات المتحدة لن تسمح، في هذه المرحلة على الاقل، بتوجيه الضربات الى حزب الله او الى سوريا ولبنان، لان هذا سينسف “حلفها” الوليد مع ايران.

وكما هو معروف، واشنطن تحتاج الان واكثر من اي وقت مضى الى التغطية الايرانية لحربها ضد الارهاب، خاصة بعد ان بدأت هذه الحرب تنتقل من افغانستان الى مناطق اخرى في الشرق الاوسط “. وما هي هذه المناطق؟

يجيب المسؤول بلا تردد انه يرجّح اليمن والسودان والصومال، ثم العراق. تحليل معقول؟ يبدو ان الامر كذلك. فحزب الله يعيش بالفعل الان تحت عباءة الوئام الاميركي – الايراني. لكن هذه المعقولية يمكن ان تتداعى اذا ما أفاد ارئيل شارون من الضوء الاخضر الدولي المتاح له حاليا لخوض الحرب ضد الحركات الاصولية الاسلامية، بأفتعال مشكلة كبرى ما مع حزب الله أو سوريا او لبنان. وحينها قد تتطاير كل الاوراق في الهواء.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية