مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“حكمة ورزانة” في المغرب الاقصى

السلطات المغربية حظرت اي تحرك شعبي في الشارع Keystone

لم تصل الحرب الامريكية ضد افغانستان الى المغرب حتى الان. فهدير الطائرات القاذفة وأصوات الصواريخ المتساقطة على سماء كابول وقندهار وجلال اباد لم يسمع صداها بعد في المدن المغربية، وان كانت العيون المغربية ترى كل ما يجري والاذان تسمع حتى دبيب النمل في هذه الحرب الجديدة التي يشنها الغرب على دولة اسلامية.

التقدم التكنولوجي جعل الحرب في اقصى شرق العالم الاسلامي تعاش لحظة بلحظة في اقصى غربه. لكن مرت اربعة ايام ولم يظهر الشارع المغربي رد فعل، والقوى السياسية بمختلف تيارتها تكتفي بما تقوله صحفها ومسؤولوها حذرون في التعبير، وان كانت فيه الادانة واضحة للحرب التي اندلعت يوم الاحد الماضي، ولا احد يعرف نهايتها.

هل هي الطبيعة المغربية في التعاطي مع الحدث السياسي، قليل من العاطفة كثير من العقلانية وحذر في التعبير؟ ام طبيعة الاطراف المتصارعة مباشرة، الولايات المتحدة وطالبان واسامة بن لادن؟

حين توالت الهجمات على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر، امتزجت مشاعر حزن على ابرياء سقطوا، وارتياح لوصول الحرب الى البيت الامريكي وليذوق المواطن هناك ما يذوقه العرب والمسلمون على مدى عقود طويلة. وكان التحرك الرسمي في حينه سريعا للالتفاف على هذا الارتياح وخوفا من ظهوره منظما في الشارع او القاعات المغلقة او في بيان تصدره هذه الجهة او تلك.

واذا كانت الاسابيع التي تلت الهجمات عرفت تصعيدا في الموقف الرسمي المتضامن مع الولايات المتحدة توج بصلاة كنيسة سان بيير بالرباط ، فإن المواقف الحزبية والشعبية اتسمت بالترقب لما ستنتجه التحركات الامريكية.

وقبل ان تندلع الحرب ضد افغانستان، كانت القوى السياسية، خاصة الاسلامية منها، تؤكد على ان الهجمات كانت نتيجة طبيعية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة ومواقفها الداعمة للظلم في العالم وتحذر من الحرب وتعلن ان التضامن مع الابرياء ضحايا الهجمات على نيويورك وواشنطن سينقلب الى تضامن مع ضحايا الحرب التي تعد لها الولايات المتحدة والتحالف الغربي.

صلاة على الضحايا وصمت…

وكانت فتوى العلماء بتحريم التعاون مع الولايات المتحدة والدخول في حلفها في أي حرب ضد دولة عربية او اسلامية وعدم جواز الصلاة التي اداها كبار المسؤولين على ضحايا الهجمات، وهي فتوى اثارت خوف السلطة من ان تتحول الى فعل في الشارع.

هذه الحرب هي حرب على شعب مسلم فقير تمزقه سلسلة حروب على مدى ربع قرن، وتشنها الولايات المتحدة الحامي والداعم لكل من عادى العرب والمسلمين. لكن المغاربة لازالوا هادئين. قال المغرب رسميا، ان الحرب باتت امرا واقعا لكنها يجب ان تتسم بالحكمة والرزانة وان تكون ذات اهداف دقيقة ومحددة. وحزبيا لم تصدر اية قوة سياسية موقفا، ومن تحدث من مسؤوليها، اكد ادانة الحرب والتعاطف مع افغانستان.

ويبقى موقف التيارات الاصولية محور الاهتمام والترقب، فهذه التيارات التي لم تتوان في التحرك السريع، رغم حجمها في تلك المرحلة للمساهمة في الحرب الافغانية ضد الغزو السوفياتي عام 1979، وحضورها المكثف في تظاهرات التضامن مع العراق وفلسطين وتشكيل اكثر من هيئة وجمعية للتضامن ودعم البوسنة والهرسك والشيشان وكوسوفو، تظهر نفسها وعلى ارض الواقع وكأنها غير معنية الا من بعيد بالحرب الامريكية ضد افغانستان وتحاول قدر الامكان اظهار حضاريتها في عدم الانجرار في مواجهات ليست طرفا فيها.

لا احد من هذه التيارات يريد ارتباطا مع الطالبان او بن لادن، لانه يغلق بابا للحوار فتح مع الولايات المتحدة واوروبا عبر قنوات متعددة وهو حوار يشكل بيدها ورقة ضغط قوية على السلطة التي لم تمنحها الشرعية القانونية حتى الان، لذلك لا بيانات بإسمها صدرت ولا تجمعات تضامن دعي اليها ولا انصارها في الجامعات حيث لهم الثقل الرئيسي المنظم احتشدوا ليدينوا الحرب على شعب مسلم.

هل يطول الحال المغربي على ما هو عليه؟ المسألة مرتبطة بتطورات الحرب وما ستؤول اليه والجغرافيا التي ستمتد اليها.


محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية