مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“حل مشكلة اللاجئين بروح زمن العولمة”

برلمانيون وساسة وخبراء في القانون الانساني وعاملون في مجال رعاية اللاجئين اثناء نقاش في الجلسة الختامية للمؤتمر حول كيفية الاستفادة من قوانين حماية اللاجئين بالشكل الأمثل. swissinfo.ch

نظمت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالإشتراك مع الجمعية السويسرية لمساعدة اللاجئين مؤتمرا في برن لتدارس كيفية تطبيق المقترحات التي صادقت عليها عام 2002 الدول الموقعة على اتفاقية جنيف من أجل توفير حماية أفضل للاجئين.

وقد استعرض المشاركون وجهات النظر المختلفة، ولكن دون التوصل إلى حلول عملية واقعية.

تركزت المداخلات والنقاشات في “مؤتمر برن الأول” الذي استمر على مدى يومين (12 و 13 أكتوبر)، على مختلف الحيثيات التي تحيط قضايا اللاجئين في أوروبا وسويسرا أو ترتبط بها.

ودارت المناقشات – التي احتدت في بعض الأحيان – حول خمس محاور رئيسية هي: وضع اتفاقية جنيف لرعاية اللاجئين التي تعود إلى عام 1951 ومدى فعاليتها في الأوقات الراهنة وكيفية تطبيق المقترحات التي تم إدخالها في عام 2002 ووافقت عليها الدول الموقعة على اتفاقية جنيف لحماية اللاجئين، والثاني حول تقييم الحماية القانونية لطالبي حق اللجوء وكيفية تقليص سوء استغلال تلك الخدمة إلى الحد الأدنى مع تعميم الفائدة المرجوة منها إلى الحد الأقصى، في حين تطرق المحور الثالث إلى ما يمكن أن تضيفه سويسرا إلى قوانين اللجوء الخاصة بها بما يتماشى مع الوضع الراهن.

وفيما تطرق المحور الرابع إلى مسألة حماية طالبي اللجوء من سوء استغلال عصابات الجريمة المنظمة، تناول المحور الخامس والأخير كيفية توحيد معايير التعامل مع ملف الهجرة واللجوء بين سويسرا والاتحاد الأوروبي.

وقد اعتبرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن المشاكل الحالية التي يعاني منها طالبو اللجوء تكاد تتلخص في أن القوانين الدولية السارية الآن في الاتحاد الأوربي وسويسرا لا تتفاعل مع الواقع الشديد التغير الذي يطرأ على ملف الراغبين في التوجه إلى أوروبا.

فالإجراءات المتبعة في المطارات وعلى نقاط الحدود تتم بسرعة كبيرة، ولا تسمح بتقديم الاستشارات القانونية بالشكل الذي يساعد طالبي حق اللجوء في الحصول على حقوقهم وتوضيح أوضاعهم، كما أن المنظمات الإنسانية الدولية المعنية لا تتمكن من القيام بعملها بشكل جيد لرعايتهم إلا في الحالات المَرَضية أو فيما يتعلق بالرعاية الصحية فحسب.

في الوقت نفسه، لا تعالج القوانين الحالية مشكلة انتشار عصابات الإتجار في البشر وتهريب الأطفال، كما أن عدم وجود تعاون دولي حقيقي يعرقل وضع آليات ومعايير منطقية في التعامل مع تلك المشاكل، بصورة عقلانية، بحيث لا يتضرر منه أحد، أو على الأقل تنجم عنه أقل الأضرار.

وقد وجه خبراء المفوضية السامية لحقوق الإنسان بعض اللوم إلى سويسرا لعدم تعاونها مع دول الاتحاد الأوروبي في هذا المجال، وبشكل يتواكب مع حجم المشكلة بشكل عام، ويرجع هذا إلى عدم التحاق سويسرا حتى اليوم بمعاهدة دبلن التي ستعرض على تصويت الناخبين في موفى شهر نوفمبر المقبل.

لاجئون أم مهاجرون؟

ولوحظ في مداخلات الحاضرين، الذين بلغ عددهم حوالي 150 شخص، من خبراء في القانون الدولي والعاملين في الحقل الإنساني ومجالات التنمية وبرلمانيين وسياسيين من سويسرا وأوروبا، تبدل استعمال كلمة “مهاجرين” مع “لاجئين” أكثر من مرة، في تعبير على أن الظاهرة التي تشهدها أوروبا الآن من تدفق أعداد غفيرة من الراغبين في الاستقرار في القارة، هم خليط من الباحثين عن الأمن والاستقرار، والراغبين في الحصول على لقمة عيش، أي خليط من اللاجئين الفارين من القمع السياسي والحروب والكوارث الإنسانية، والهاربين من شظف العيش وقلة الرزق في أوطانهم.

هذا المزيج من الوافدين على القارة الأوروبية هو الذي جعل الخبراء يختلفون في تحديد أسلوب التعامل معهم؛ فمن ناحية، اتضح أن الساسة المسؤولين وصناع القرار، لا يرحبون بمن وُصفوا بـ”المهاجرين عنوة” أو الباحثين عن موطن عمل وإقامة “دخولا من بوابة البحث عن حق اللجوء”، على اعتبار أن المساعدات التي تقدمها دول القارة موجهة للمتضررين من الحروب والكوارث الإنسانية، وليست مخصصة للباحثين عن الهجرة.

على العكس من ذلك، ينظر العاملون في الجمعيات والمنظمات الإنسانية إلى المشكلة من زاوية أخرى، ويؤكدون بأن أوروبا أصبحت اليوم في مواجهة تيار بشري يجب التعامل معه بشكل إنساني، بغض النظر عن “الأهداف المبيتة” للوافدين الجدد.

وفي سياق المناقشات، ارتفعت أصوات منتقدة لمؤيدي فكرة إقامة معسكرات خارج حدود الاتحاد الأوروبي لاستقبال طالبي اللجوء والبت في ملفاتهم هناك، أشارت إحدى المشاركات من الاتحاد الأوربي إلى أن التجربة الأسترالية في معاملة طالبي اللجوء عن بعد لم تثر كل تلك الانتقادات الموجهة إلى فكرة المشروع الأوروبي.

الرأي العام بين نارين

ولا يمكن بالطبع الحديث عن مشكلة التعامل مع ملف اللاجئين أو الراغبين في الهجرة دون التطرق إلى الرأي العام في البلدان الأوروبية وفي سويسرا الذي أخذ حيزا مهما في المناقشات التي تناولت بالخصوص كيفية تأثير بعض التيارات السياسية اليمينية على توجهات الشارع.

في هذا السياق، أشار متدخلون إلى أن الأفكار التي تروجها التيارات اليمينية والأوساط المناهضة للأجانب عموما يمكن أن تعرقل (بل تتعارض) مع جهود الحكومات الأوروبية بما فيها سويسرا لتشجيع اندماج المهاجرين إليها أو المقيمين فيها منذ سنين طويلة.

السيدة مونيكا شتوكر، عضوة مجلس الشيوخ في مدينة زيورخ ورئيسة الجهاز الاجتماعي فيها، رأت مثلا أن الرأي العام السويسري “يتأثر بالازدواجية في الحديث عن الجانب الإنساني في التعامل مع المتضررين من الكوارث، والدعاوى المنطلقة بالتعامل بشكل آخر مع الباحثين عن الحماية في سويسرا، والنتيجة هي خوف الرأي العام الذي ينعكس سلبيا في تعاطي المجتمع مع طالبي حق اللجوء” حسب قولها.

ونوهت السيدة شتوكر إلى أن هذه الظاهرة “لا تقتصر على سويسرا فقط، بل تشمل مجتمعات أوروبية مختلفة، كما رأت فيها “تحولا عنصريا يهدد كل مساعي الاندماج التي تدعو إليها سويسرا وأوروبا على حد سواء”.

في المقابل، اعتبر السيد يورغ شيرتنلايب، الخبير القانوني في المؤسسة السويسرية لدعم اللاجئين أن “المشكلة تبدأ في البلدان الأصلية التي يتدفق منها المهاجرون واللاجئون وأن الحل يبدأ أيضا من حيث تبدأ المشكلة، وذلك بالتشديد على دعم الديموقراطية في تلك الدول واحترام حقوق الانسان فيها، بالتزامن مع المشاريع التنموية التي تقدمها سويسرا وأوروبا.”

“علاج يتماشى مع روح العولمة”

من جانب آخر، حرص السيد أورس هادورن مدير المكتب الفدرالي لشؤون اللاجئين على تذكير المشاركين في المؤتمر بأن سويسرا تسدد أكبر مبالغ على مستوى العالم لدعم اللاجئين العائدين إلى بلدانهم، وأن الكنفدرالية رائدة في مشاريع إعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الحروب والكوارث الطبيعية.

وقد انتهى المؤتمر بتجميع الملاحظات الهامة التي سجلها المتداخلون، مثل اقتراح السيدة شتوكر بـ “تحسين قوانين اللجوء بما يفيد مصلحة المتضررين من الكوارث والحروب، مع المنطقية في التعامل مع المشاكل التي يعاني منها اللاجئون في المجتمعات الأوروبية”، والتأكيد على أن “عزل أوروبا في ستار حديدي في زمن العولمة أمر غير واقعي تماما”.

كما سجلت نصيحة السيد اورس هادورن مدير المكتب الفدرالي لشؤون اللاجئين الداعية إلى “بذل المزيد من الجهود في برامج الاندماج سواء على الصعيد الأوروبي أو السويسري”، والتعامل مع قضايا الهجرة عموما بما “يتماشى مع روح زمن العولمة”.

أخيرا، دعا السيد فيرنر بلاتر من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى ضرورة طرح كل تلك الأفكار أمام مجموعة عمل تلتقي من حين إلى آخر لدراسة كيفية تحويلها إلى خطوات عملية ترتبط بالواقع، ولكنه نبه إلى وجود حقائق هامة “لا يجب أن تغيب عن أذهان العاملين في هذا المجال” سواء كانوا من المسؤولين الرسميين أو من العاملين ضمن هيئات المساعدة الانسانية.

وتتلخص هذه الحقائق – حسب تعبيره – في أن “هناك بشرا يحتاجون إلى مساعدة، وأن هناك دولا لا تحترم حقوق الانسان، وأن التحرك يجب أن يكون في إطار الشرعية الدولية والقانون الانساني”، وقال السيد بلاتر مختتما أشغال المؤتمر: “إذا غاب الحوار فلن نحل المشكلة، وسيدفع اللاجئون الثمن”.

تامر أبو العينين – برن – سويس انفو

يطالب الخبراء بتوزيع مسؤوليات رعاية طالبي حق اللجوء بشكل متوازن على الحكومات الأوروبية، بحيث تشارك جيمعها في القضاء على الثغرات الموجودة في القوانين الراهنة.
اتفقت آراء خبراء القانون والعاملين في الحقل الانساني على ان الخلط بين اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية، يعوق تقديم الدعم اللازم للفارين من الحروب والكوارث الانسانية والطبيعية.

تحت عنوان “مؤتمر برن الأول – أجندة حماية طالبي حق اللجوء وتطبيقها في سويسرا” بنتظيم من المفوضية السامية لشوؤن اللاجئين والهيئة السويسرية لمساعدة اللاجئين، ناقش قرابة 150 خبير أهم المشاكل التي يتعرض لها اللاجئين في سويسرا وأوروبا، ورأوا بأن الحل يجب أن يكون في عدة اتجاهات ، في مقدمتها توفير المويد من الحماية للباحثين عن الأمن والاستقرار.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية