مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“حياد سويسرا .. جريمة”

الحاخام إسرائيل سينغر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي أمام صورة لمدخل معسكر أوشفيتز للإبادة النازي Keystone

رفض رئيس المؤتمر اليهودي العالمي التراجع عن انتقاده لحياد سويسرا خلال الحرب العالمية الثانية، والذي وصفه بـ "الجريمة".

في المقابل، قال الحاخام إسرائيل سينغر إنه يمكنه تفهم أن سويسرا “لم يكن أمامها أي خيار أخر سوى الحياد”!

جاءت تصريحات رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إسرائيل سينغر الأخيرة في حوار أجرته معه صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ الأسبوعية، ونشرته في عددها الصادر يوم الأحد 14 فبراير.

وتأتي تصريحاته في واقع الأمر، في إطار ردود الفعل المتوالية، التي تعاقبت منذ أن ألقى الحاخام سينغر خطاباً في برلين الشهر الماضي، بمناسبة الذكرى الستين لتحرير معسكر أوشفيتز للإبادة النازي من طرف القوات السوفياتية، وشن فيه هجوماً على الحياد السويسري خلال فترة الحرب العالمية الثانية.

وكان السيد سينغر قد قال في خطابه إذاك: “إن التاريخ الحديث أظهر أن ألمانيا النازية تتحمل “مسؤولية خاصة لا يمكن غفرانها”، إلا أن على دولٍ أوروبية أخرى أن تواجه تاريخها”.

وأردف قائلاً: “النمسا كانت أول شريك طوعي في الجريمة لا أول ضحية، كما أن ليس كل الفرنسيين كانوا مؤيدين لديغول، والحياد السويسري كان جريمة في وجه الهولوكوست”.

ردود فعل قوية

ما أن ذاع خطاب السيد سينغر حتى توالت ردود الفعل داخل سويسرا قوية في نبرتها، وذلك وسط صمت رسمي ملحوظ.

فقد سارع السياسيون من أحزاب اليمين واليسار على حد السواء إلى إدانة ملاحظات رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، مشيرين إلى أن سويسرا لم ترسل أحداً قط إلى معسكرات الإبادة، وأنها وفرت ملاذاّ آمناَ للكثير من اللاجئين الهاربين من المحرقة النازية.

كما أرسل الاتحاد السويسري للجاليات اليهودية رسالة حادة اللهجة إلى الحاخام سينغر، أعتبر فيها أن استخدامه لكلمة “جريمة” يظل أمراً غير مقبول بالمرة.

ولفت الاتحاد في رسالته إلى أن سويسرا راجعت بجدية ماضيها، مضيفاً “خلال الحرب، لم تكن سويسرا كاملة في كل شئ، لكنك لا تستطيع أن تضع هذا البلد في نفس مستوى المتعاونين النمساويين والفرنسيين”.

تصميم على الموقف

على هذه الخلفية المشحونة، أجرت صحيفة NZZ الأسبوعية حوارها مع رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، الذي لم يتزحزح كثيراً عن موقفه، بل بدا مصمماً عليه، وأن أبدى ليونة أكثر في اختياره لكلماته.

فقد شدد الحاخام سينغر على أن السويسريين لم يتعلموا بصورة كاملة من درس التاريخ، “فلو كانوا فعلوا ذلك، لما استشاطوا غضباً من كلماتي”، على حد تعبيره.

كما أوضح السيد سينغر للصحيفة أنه تعرف على سويسرا خلال الحرب بفضل زوجته السويسرية، وأكمل قائلاً: “لم تكن سويسرا متورطة في الحرب كدول أخرى في أوروبا – لا يمكن مقارنتها بالجناة أو المتعاونين”.

لكنه أضاف قائلاً: “إنه لا يجب أن يخادع السويسريون أنفسهم تجاه تاريخهم خلال الحرب، لم يكن الأمر كما لو أن كل سويسري وقف شجاعاً على الحدود، حاملاً سلاحه، وساعياً لضمان عدم دخول النازيين البلاد”.

“الضمير السويسري”

تمثل انتقاد السيد سينغر الرئيسي لسويسرا في أنها لم تتخذ خطوات كافية لضمان استيعاب التجارب، التي تم استخلاصها من هذه الفترة التاريخية، في الضمير الشعبي.

وضرب مثلاً بالسيد كارل لوتز، وهو دبلوماسي سويسري عمل في المجر تمكن من إنقاذ حياة الآلاف من اليهود المجريين خلال فترة الأربعينات من القرن الماضي عندما منحهم جوازات سفر مزورة.

عمل لوتز في تلك الفترة بالتعاون مع الدبلوماسي السويدي راوول واللينبرج، الذي اتخذ نفس الإجراء، وأنقذ بذلك الآلاف من اليهود من المحرقة النازية.

ويتساءل السيد سينغر: “لماذا لا يعد لوتز واحداً من أعظم الأبطال في سويسرا؟ في السويد، كل طفل يعرف واللينبرج – على السويسريين أن يتعلموا كيف يميزوا أبطالهم الحقيقيين”.

“هناك مبرر لحساسية سويسرا”

وقد أقر السيد سينغر أن تقرير بيرجييه الصادر عام 2002 – والذي بحث بالتفصيل، وبتكليف من الحكومة السويسرية، دور الكنفدرالية خلال الحرب العالمية الثانية – أظهر أن سويسرا تعاملت مع ماضيها. بيد أنه أصر على أن سياسات اللجوء السويسرية آنذاك ساعدت النازيين على ارتكاب جرائمهم.

وقدم الحاخام سينغر أمثلة في هذا الصدد كدمغ السلطات السويسرية حرف “J” على جوازات سفر اليهود للتدليل على ديانتهم، وإعادة اللاجئين من على الحدود على أعقابهم.

رغم ذلك، عبرّ السيد سينغر عن تفهمه للضجة التي أثارتها تصريحاته في سويسرا، إذ قال: “سويسرا هي دولة صغيرة، والدول الصغيرة دائماً أكثر حساسية، مثلها في ذلك مثل اليهود – فهم يبالغون في الحيطة عندما يتعلق الأمر بسمعتهم”.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية