مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا” الروسية .. ليست نهائية!

الرئيس الروسي لدى تسلمه أوراق آعتماد عباس خلف، السفير العراقي الجديد في موسكو، يوم 26 سبتمبر الماضي. Keystone

بصوت خفيض، لكنه واضح، نطقت باريس وموسكو ب"لا" لمشروع القرار الذي أعدته الولايات المتحدة وبريطانيا لعرضه على مجلس الأمن لتبرير الهجوم على العراق.

وقد كان الموقف الفرنسي الصريح عاملاً ساهم في تشجيع الكرملن على أن يمتنع لأول مرة منذ أحداث 11 سبتمبر عن الموافقة على كل طلبات الولايات المتحدة.

الـ”لا” الروسية لم تكن سهلة، إنما جاءت وليدة صراعات ما برحت مستمرة بين مراكز القوى في موسكو. فثمة مجموعة متنفذة كانت تدعو إلى الكف عن مناكفة واشنطن والشروع في مساومتها على تعويضات تقدمها مقابل سكوت روسيا عن حملة عسكرية ضد العراق.

وفي هذا السياق، ذُكر أن الولايات المتحدة عارضت مقايضة تتغاضى في إطارها عن عملية عسكرية روسية ضد المقاتلين الشيشانيين في الأراضي الجورجية مقابل أن تؤيد موسكو القرار المقترح في مجلس الأمن، أو على الأقل تمتنع عن إسقاطه باستخدام حق النقض (الفيتو).

كما عارضت واشنطن تقديم تعهدات بأن الحكومة العراقية التي سترث النظام الحالي، سوف تلتزم تسديد ديونٍ إلى روسيا قدرها سبعة مليارات دولار، وتمتنع عن إلغاء عقود كبرى وقعتها شركات النفط الروسية مع العراق.

وُطرحت الإغراءات السياسية والاقتصادية أثناء سلسلة مباحثات ولقاءات أجراها في موسكو أثناء عطلة نهاية الأسبوع الماضي نائب وزير الخارجية الأمريكي مارك جروسمان، لكنه أخفق في الحصول على الموافقة الروسية في ربع الساعة الأخير.

عودة المفتشين ..مفتاح الحل؟

والواضح أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يقتنع بحجج اللوبي الموالي للولايات المتحدة، ومال إلى المنطق الذي عرضته مجموعة نفوذ ثانية، التي اعتبرت أن توفير مظلة دولية لعمل يطيح بالنظام العراقي سيعني تغييرا جذريا في هيكلية العلاقات الدولية، ويطلق يد الولايات المتحدة لإجراء عمليات مماثلة في مناطق أخرى، وتحجيم دور الأمم المتحدة.

وإلى ذلك، فإن هذه المجموعة لا تميل إلى التصديق بوعود أمريكية في شأن تعويضات تقدم إلى موسكو وهي تؤكد أن الولايات المتحدة أخذت كل شئ ولم تعط شيئا في إطار ما يعرف بالحملة ضد الإرهاب، وقابلت التنازلات التي قدمتها موسكو بسلسلة إجراءات لاحتواء روسيا وقضم مواقعها في آسيا الوسطى والقوقاز.

علاوة على ذلك، فإن المعارضين لمسايرة الولايات المتحدة يشيرون إلى أهمية العراق كشريك إستراتيجي لروسيا، ويؤكدون أن بغداد عرضت على موسكو قائمة بزهاء سبعين مشروعا تصل كلفتها الإجمالية إلى أكثر من أربعين مليار دولار، على أن تنفذ بعد رفع العقوبات، إضافة إلى تعهد بتسديد ديونها كاملة.

خط الدفاع الأخير

وفي ضوء الاعتبارات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، بنت موسكو موقفا يتلخص في أن موافقة العراق على عودةٍ غير مشروطة للمفتشين غدت مفتاحاً أساسيا للحل. وخلاصة المنطق الروسي هو أن تغيير الأنظمة في بلدان العالم هو شأن يخص شعوب هذه البلدان.

إلا أنها، من جهة أخرى، شددت على ضرورة عودة المفتشين إلى العراق لكي يؤكدوا خلوه من أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي يفتح الطريق أمام رفع العقوبات. وفي حال العثور على مثل هذه الأسلحة فإن مجلس الأمن يمكن أن ينعقد ليتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

وهذا المنطق هو معارضة صريحة لمشيئة الولايات المتحدة التي تجاهر بأن الهدف النهائي هو إزاحة النظام العراقي وليس التخلص من أسلحة حقيقة كانت أم مزعومة. إلا أن الـ”لا” الروسية ليست نهائية، إذ أن الكرملن واقع في كماشة ضغوط محلية وخارجية.

ففي الداخل، ثمة حملة إعلامية واسعة معادية للعراق ومستنكرة لأي موقف مناوئة للولايات المتحدة. ومن الخارج، لن تكف واشنطن عن محاولات إعادة موسكو إلى بيت الطاعة. ولكن حتى هذه اللحظة يبدو أن الرئيس بوتين أعتبر الموقف من العراق خط دفاع أخير وقد يصبح الانسحاب منه بداية النهاية لروسيا كدولة كبرى.

جلال الماشطة – موسكو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية