مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“مبادرة جنيف” للضغط على إسرائيل؟

Keystone

كان من الملفت أن يلتقي وزير الخارجية الأمريكي - رغم احتجاجات تل أبيب - بالناشط الفلسطيني سـري نسيبة بعد أيام قليلة من اجتماعه بمهندسي مبادرة جنيف للسلام في الشرق الأوسط،

ويتساءل الكثيرون اليوم: هل يمكن أن تستخدم واشنطن مبادرة جنيف لممارسة “نوع من الضغط” على إسرائيل في لحظة ما؟

بعد أن أقامت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها احتجاجا على مجرد اجتماع وزير الخارجية الأمريكية كولن باول بمهندسي مبادرة جنيف للسلام في الشرق الأوسط، تساءل الكثيرون كيف يمكن إذن أن تمارس الولايات المتحدة أي ضغط على إسرائيل للمضي قدما في تنفيذ خريطة الطريق وهل يمكن أن تستخدم واشنطن “مبادرة جنيف” لممارسة نوع من الضغط على إسرائيل؟

وكانت سويس إنفو انتهزت فرصة زيارة وفدي التفاوض الفلسطيني والإسرائيلي للولايات المتحدة في بداية هذا الشهر وطرحت السؤال على الدكتور نبيل قسيس وزير التخطيط الفلسطيني وعضو فريق التفاوض غير الرسمي الذي توصل إلى مبادرة جنيف فقال: “نتمنى أن تستخدم الولايات المتحدة مبادرة جنيف للضغط على إسرائيل، ولكن ربما سيكون ذلك صعبا في سنة تجرى فيها انتخابات الرئاسة الأمريكية”

غير أن المفاوض الفلسطيني قال لسويس إنفو إن الإدارة الأمريكية أدركت بعد اجتماع الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي بوزير الخارجية كولن باول ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي إيليوت إبراهامز لمدة زادت على ساعة ونصف الساعة أنه وإن كانت مبادرة جنيف نتاجا لمفاوضات غير رسمية دامت حوالي عامين عقب مفاوضات طابا فإنها توفر إجابات لكل الأسئلة والقضايا التي تركتها خارطة الطريق بدون تحديد أو أسدلت عليها ستارا من الغموض مثل الحدود والأمن والقدس والمستوطنات واللاجئين الفلسطينيين.

كما أدركت الإدارة الأمريكية أن مبادرة جنيف لم تأت من فراغ وإنما استندت إلى خبرات مسؤولين سياسيين سابقين ومفاوضين من الجانبين ملمين تماما بطبيعة الصعوبات والهوة التي تفصل بين المواقف التفاوضية للجانبين، كما أنها جاءت مستندة إلى قراري مجلس الأمن الدولي رقمي 242 و194 وكذلك إلى المبادرة العربية التي وافق عليها مؤتمر القمة العربي في بيروت.

وقال الدكتور نبيل قسيس لسويس إنفو إن الإدارة الأمريكية أظهرت اهتماما بالتعرف على فحوى مبادرة جنيف واتسمت تعليقات المسئولين الأمريكيين عليها بأنها “عمل سياسي مفيد للغاية وينبغي مساندته”، كما وصفها الرئيس بوش بأنها عمل بناء، وجاءت الخلاصة على لسان وزير الخارجية كولن باول الذي أبلغ الوفدين بأن المبادرة مكملة لخريطة الطريق وليست متناقضة معها.

من يعلق الجرس؟

وإذا كانت حمى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تحول دون ممارسة الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل، فمن الذي سيتولى إذن حشد التأييد لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط نحو تسوية عادلة ونهائية تنهي الصراع الذي يعتبره عدد متزايد من المسؤولين والمشرعين الأمريكيين السبب الرئيسي في موجة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي؟

ربما يكون الأمل في أن تشرع حركة “السلام الآن” في الولايات المتحدة والتي تضم عددا كبيرا من اليهود الأمريكيين الساعين إلى التوصل إلى تسوية تنطوي على تقديم تنازلات متبادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في حشد التأييد داخل الكونجرس الأمريكي لمساندة روح مبادرة جنيف التي أظهرت قدرة مفاوضين غير رسميين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على التوصل إلى حلول وسط وشكل لما يمكن أن تكون عليه تسوية تحدد الوضع النهائي بما يضع حدا لذلك الصراع.

وتبدو بشائر ذلك الأمل في مسارعة النائبة الديمقراطية لويز كابس من ولاية كاليفورنيا إلى الإعلان عن مشروع قرار ستطرحه على مجلس النواب الأمريكي لمساندة مبادرة جنيف للسلام في الشرق الأوسط. وقالت إنه يتعين على الكونجرس تأييد جهود سلمية كتلك التي أسفرت عن مبادرة جنيف قبل أن يتم إزهاق المزيد من أرواح الفلسطينيين والإسرائيليين وقبل أن يتلاشى الأمل في إقامة سلام بين الطرفين.

كما قدمت عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية من كاليفورنيا دايان فاينستاين مشروع قرار مماثل إلى مجلس الشيوخ. غير أن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب النائب توماس ديلي من ولاية تكساس أصدر بيانا حذر فيه من مغبة تشجيع ما وصفه بخطط سلام غير رسمية وقال “إن تشجيع تلك الخطط أمر خطير يعطي الشرعية للإرهاب ولا عجب أن مبادرة جنيف حظيت بإعجاب رئيس السلطة الفلسطينية” على حد تعبيره.

هل تجسر أمريكا على الضغط؟

يرى الدكتور سامر شحاتة أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون أن لقاء وزير الخارجية الأمريكية بوفدي مفاوضي مبادرة جنيف من الفلسطينيين والإسرائيليين في واشنطن لا يخرج عن كونه تعبير خجول عن تبرم الولايات المتحدة من عدم تحرك إسرائيل لتنفيذ خريطة الطريق التي تحظى بتأييد المجتمع الدولي.

ويقول إن واشنطن في نفس الوقت كررت على لسان كل مسئول في البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية الإعلان عن التزامها برؤية الرئيس بوش وتنفيذها من خلال خريطة الطريق التي لم توفر أي حلول للقضايا العالقة في المفاوضات واقتصرت على سلسلة من العمليات الإجرائية.

وخلص الدكتور سامر شحاتة إلى أن الولايات المتحدة ورئيسها الساعي إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية لن يجسر على ممارسة أي ضغط على إسرائيل من خلال تبني مبادرة جنيف أو عن أي طريق آخر فقد تعلم من والده أن ممارسة ضغط مشروع على إسرائيل في سنة انتخابات الرئاسة الأمريكية كفيل بتسليم مفاتيح البيت الأبيض إلى مرشح الحزب الديمقراطي كما حدث في انتخابات نوفمبر عام 1991.

ويتفق الدكتور نبيل قسيس عضو وفد التفاوض الفلسطيني مع هذا التحليل وينبه إلى حقيقة أنه لن يكون بوسع خريطة الطريق ولا مبادرة جنيف إنهاء الصراع والتوصل إلى تسوية تقوم على أساس إقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل طالما واصلت إسرائيل ممارساتها الحالية وخاصة استمرارها في بناء الجدار العازل الذي يلتهم الأرض الفلسطينية.

ويختلف الوسيط الأمريكي السابق في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية دينيس روس مع فكرة أن واشنطن لم تستخدم مبادرة جنيف في توجيه رسالة غير مباشرة لإسرائيل. ويرى أن إشادة كولن باول بتلك المبادرة تنطوي على رسالة مفادها أنه يتعين على شارون التحرك بدبلوماسية سلام ومفاوضات خاصة به أمام ما أثبته المفاوضون الغير رسميين من قدرة على رسم ملامح الحل النهائي.

ويتفق معه في هذا التحليل السفير مارتن إنديك سفير الولايات المتحدة الأسبق في إسرائيل فيقول”إن موقف وزير الخارجية باول يعكس قلقا عميقا من أنه إذا استمرت إسرائيل في عدم التحرك للمضي قدما في تنفيذ رؤية الرئيس بوش لحل يستند إلى دولتين إحداهما للفلسطينيين والأخرى للإسرائيليين فإن احتمالات ذلك التصور ستذهب أدراج الرياح”.

غير أن السفير إنديك يرى أن الموقف الأمريكي المقتصر على “التأييد على استحياء” لمبادرة جنيف يشكل بديلا ضعيفا لما يتعين على الإدارة الأمريكية القيام به وهو التحرك لعمل شئ جدي.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية