مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“من أجل سويسرا حديثة”

صدر الكتاب الأحمر قبل 4 أيام من التئام الحزب الاشتراكي لإعادة النظر في برنامجه الاقتصادي يوم السبت 26 فبراير 2005. swissinfo.ch

هذا هو عنوان المؤلف الذي أصدرته مؤخرا شخصيتان بارزتان من تيار الوسط في الحزب الاشتراكي السويسري تقترحان فيه "خطة إصلاحات عملية" للخروج من الركود الاقتصادي.

ويدعو الكتاب الذي يهدف إلى كسر صمت الاشتراكيين أمام الاقتراحات اليمينية المتتالية إلى انسحاب الدولة من “الأماكن التي لم يعد من الضروري تواجدها فيه”.

المؤلفان هما سيمونيتا سوماروغا، النائبة في مجلس الشيوخ، ورودولف سترام، مراقب الأسعار في الكنفدرالية. كلاهما من كانتون برن، وكلاهما ينتميان لتيار الوسط في الحزب الاشتراكي، وكلاهما يعتقدان أن الأحزاب اليسارية السويسرية -وعلى رأسها الحزب الاشتراكي- تتحمل مسؤولية تحديث سويسرا.

كتابهما الأحمر بعنوان “من أجل سويسرا حديثة” يتضمن ما وصفاه بـ”خطة إصلاحات عملية” للنهوض باقتصاد البلاد. خطة تجرأت على كسر جملة من المحرمات، إذ لم تتردد في دعوة الأحزاب اليسارية إلى الالتزام من أجل تحرير ما تبقى من قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية في يـد الدولة، مشددة على أن خلق فرص عمل تستحق كسر الاحتكار. وتدعو الخطة أيضا إلى عدم استفادة المسنين فقط من أهم المجهودات في المجال الاجتماعي وإلى اعتماد إصلاحات في المجال الضريبي بالتعاون مع الأحزاب اليمينية.

ويبدو أن المؤلف الذي صدر قبل أربعة أيام فقط من التئام الحزب الاشتراكي السويسري لإعادة النظر في برنامجه الاقتصادي سيثير نقاشات واسعة في صفوف الأسرة الاشتراكية.

يذكر أن المواضيع الاقتصادية بوجه التحديد غالبا ما تسلط الأضواء على مواقع الانشقاق داخل الحزب الاشتراكي. فمن جهة، هنالك جناح “يساري” قريب من النقابات يعتبر الدفاع عن المكتسبات والإبقاء على قطاع عام قوي من أهم الأولويات. من جهة أخرى، هنالك جناح “وسطي” أو “إصلاحي” يدعم سياسة أكثر ليبرالية.

وقد بلغت المواجهة بين الجناحين أشدها عام 2002 لدى تصويت الشعب السويسري على تحرير قطاع الكهرباء. الناخبون اقتنعوا بمبررات جناح اليسار ورفضوا القانون الجديد الذي كان يدعمه بحماس مؤلفا الكتاب الجديد سوماروغا وسترام.

عشرة مجالات

وقد عرض المؤلفان يوم الثلاثاء 22 فبراير الجاري في العاصمة الفدرالية برن مضمون كتابهما “من أجل سويسرا حديثة” الذي يقترحان فيه تحليلا للمشاكل والآفاق المستقبلية في 10 مجالات من أبرزها الدولة، الضرائب، التأمينات على العجز والشيخوخة، النمو، الفقر، الهجرة والتكوين.

من أجل سويسرا حديثة، يدعو كاتبا المؤلف إلى “انسحاب الدولة من الأماكن التي لم يعد ضروريا تواجدها فيه”. في المقابل، يأملان أن ترتفع النفقات العامة الخاصة بالتكوين الجامعي أو المهني بنسبة 30% على الأقل بحلول عام 2010.

ومن جملة مقترحات الإصلاح الواردة في الكتاب الأحمر تمويل التأمين على العجز والشيخوخة (AVS) برفع الضريبة على القيمة المضافة في على ثلاث مراحل وبثلاث نقاط بحلول عام 2030.

وفي مجال الضرائب، تقترح “خطة الإصلاح العملية” السماح فقط بعدم احتساب النفقات الخاصة بتربية الأطفال كدخل خاضع للرسوم الضريبية. كما تدعو إلى تبديل الضرائب على الثروة بضريبة فدرالية على الميراث الذي تتجاوز قيمته مليون فرنك.

أما فيما يتعلق بالهجرة، فيطالب المؤلفان بإدماج أفضل للأجانب. ويحثان في هذا الإطار على توفير الدروس اللغوية ونقل “أسس القانون المدني” و”القيم الليبرالية والإنسانية” للوافدين على الكنفدرالية. كما لم يغفلان الإشارة إلى ضرورة تحريك مسألة تسهيل منح إجراءات الجنسية للأجانب.

“مشروع مضاد”

ويتناول كاتبا المؤلف بموازاة مع ذلك الصعوبة التي تواجهها الأحزاب السياسية في إيجاد حلول مشتركة وتجاوز الإنسداد الإيديولوجي. وأعربا في هذا السياق عن قناعتهما بأنه يوجد في كل حزب قوى مستعدة للتغيير وأخرى تفرمل أي تغيير. وحاولا في كتابهما الذي جاء في أكثر من 200 صفحة إظهار المحاور التي تتطلب الإصلاح سواء من قبل الأحزاب اليمينية أو اليسارية.

النائبة سيمونيتا سوماروغا شددت أثناء تقديم المؤلف في برن على أن خطة الإصلاحات المقترحة تُطور وجهة نظر يسارية برؤية اجتماعية وبيئية. وأوضحت أن الكتاب هو بمثابة مشروع مضاد للمقترحات الليبرالية للغاية التي يتم الترويج لها من قبل عدد من مراكز البحث الفكرية مثل مؤسسة “المستقبل السويسري”.

من ناحيته، أعرب رودولف سترام أمام الصحفيين في برن عن استيائه من سلبية الأحزاب اليسارية إزاء ما وصفة بـ”هذا الهجوم الفكري”.

مجرد صدفة؟

نشر “خطة الإصلاحات العملية” للاقتصاد السويسري جاء قبل أيام قليلة من انطلاق عملية تجديد البرنامج الاقتصادي للحزب الاشتراكي السويسري الذي سيجتمع يوم السبت 26 فبراير في برن بحضور زهاء 100 مشارك. ويفترض أن يتم تسليم المقترحات التي ستُطرح خلال الأشهر القادمة لجمعية نواب الحزب الاشتراكي في يونيو من عام 2006.

وقد أكدت السيدة سوماروغا والمتحدث باسم الحزب جون فيليب جانري أن موعد صدور المؤلف الجديد قبل أربعة أيام فقط من انعقاد الاجتماع الكبير للحزب الاشتراكي مجرد صدفة. وبررا ذلك بالتنويه إلى أن كتاب “من أجل سويسرا حديثة” لا يستهدف الحزب الاشتراكي بمفرده، خلافا لـ”منشور غورتن” (Le Manifeste de Gurten) الذي نـُشر عام 2001 من قبل أربعة اشتراكيين من كانتون برن -من بينهم سيمونيتا سوماروغا- والذي أثار جدلا واسعا بين الاشتراكيين أنفسهم.

الكتاب الجديد يسعى إذن، حسب مؤلفيه، إلى أن يكون إسهاما في المناقشات القادمة حول البرنامج الاقتصادي. وتعتزم النائبة سوماروغا المشاركة في مجموعات عمل مختلفة لذلك الغرض.

الأجواء هدأت..

المتحدث باسم الحزب الاشتراكي لا يخشى احتدام المواجهة من جديد بين “جناح الوسط” و”جناح اليسار” في الحزب إذ قال في تصريح لـوكالة الأنباء السويسرية “الأجواء أصبحت بناءة أكثر بكثير من السنوات الماضية”، مضيفا أن الضغط الذي يمارسه حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد في مجال فرض الإصلاحات الاقتصادية يعزز ضرورة تقديم “مشروع بديل ذي مصداقية”.

لكن هذه المهمة لا تبدو يسيرة. النائبة سوزان لويتنيغير أوبرهولزر من مكتب إعلام الحزب الاشتراكي دعت إلى إجراء “نقاش واسع” وإلى عرض الخلافات الداخلية للحزب بشكل مفتوح. في المقابل، أوضحت أنه “لا يجب على الاشتراكيين التردد لمدة عشر سنوات إضافية”.

سويس انفو مع الوكالات

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية