مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“هزيمة الإسلاميين” زلزال الانتخابات الأردنية

رئيس الوزراء الأردني الجديد نادر الذهبي يُصافح الملك عبد الله الثاني بعد أداء أعضاء حكومته الجديدة اليمين الدستورية في عمان يوم 25 نوفمبر 2007 Keystone

لم يكد ينتهي المشهد الانتخابي الأردني بهزيمة شديدة للإسلاميين صدمت خصومهم قبل أنصارهم، حتى تقدّم رئيس الوزراء باستقالته، وعهد الملك الأردني لنادر الذهبي، وهو شخصية اقتصادية كان مسؤولاً عن منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، بتشكيل الحكومة الجديدة التي أعلن الملك أنّ الاقتصاد هو عنوانها الرئيس.

وعلى الرغم من وجود برلمان جديد وحكومة جديدة إلاّ أنّ التفاؤل بأفاق سياسية جديدة مختلفة عن الواقع الراهن هو تفاؤل محدود إلى أبعد الدرجات.

فعلى الصعيد النيابي، لم تؤدِّ خسارة الإخوان إلى بروز قِـوى سياسية جديدة تملأ الفراغ، بقدر ما حجبت عن مجلس النواب القوة الوحيدة القادرة على تشكيل خطاب معارض بديل.

وعلى صعيد الحكومة، فهذه ليست المرة الأولى التي يُعهَـد فيها لشخصية محسوبة على التكنوقراط بتشكيل حكومة، فقد جاءت الحكومة السابقة بعد “حكومة تكنوقراطية” ضعيفة لم تصمُـد كثيراً، وكانت مَـثار نقد شديد من السياسيين والمراقبين.

ربّـما السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستكون حكومة “تكنوقراطية” وبرلمان مُـوالٍ، قادرين على تمرير سياسات اقتصادية تقوم على تحرير أسعار المشتقات النفطية، ما سينعكس سلباً على حالة التضخم والغلاء الذي تعاني منه شرائح واسعة من المجتمع وما دفع إلى تأجيل استحقاق رفع الأسعار في أغسطس العام الحالي إلى مارس من العام القادم، نتيجة تقارير أمنية حذّرت من ردود فعل شعبية عنيفة؟ سؤال يرسم الإجابة في الأيام القادمة..

لماذا خسر الإخوان؟

أسوأ التقديرات المتداولة، حتى الرسمية، كانت تتوقع أن يحصد الإخوان المسلمون بين 10-12 مقعداً، أمّا أن تكون نتيجتهم ستة مقاعد فقط من أصل (110) مقاعد في البرلمان، فإنّ هذه النتيجة تطرح تساؤلات عديدة وتدفع إلى التحليل والتفسير، بخاصة أنها من أسوإ النتائج التي يحصل عليها الإسلاميون الأردنيون منذ بدء مشاركتهم في الحياة النيابية، حيث كان عدد مقاعدهم في برلمان عام 1954 أربعة مقاعد من أصل أربعين مقعداً، أي بنسبة أفضل من النسبة الحالية، في ذروة المدّ الأيديولوجي القومي واليساري في العالم العربي!

الإسلاميون سارعوا عبر مؤتمر صحفي عقده جميل، أبو بكر نائب المراقب العام للإخوان المسلمين، بعد الانتخابات بساعات قليلة، بتحميل الحكومة مسؤولية هذه النتيجة واتّـهامها بالتزوير والسماح بالتلاعب في العديد من الدوائر لصالح مرشحين منافسين للإسلاميين.

وقد قلّل الإخوان من تأثير الأزمة الداخلية التي عصفت بالجماعة (على أعتاب الانتخابات) على نتائجهم، مُـصرّين أنّ شعبيتهم لم تتراجع بصورة واضحة.

فالدكتور رحيل غرايبة، نائب الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي وأحد أبرز القيادات المعتدلة في جماعة الإخوان، يقلِّـل من دور الأزمة الداخلية ويرى أنّها يمكن أن تفسّـر تراجع الإخوان بنسبة ضئيلة، لكن ما حدث هو قرار سياسي بإعادة هيكلة الحضور السياسي لجماعة الإخوان أولاً، وبتقديمهم وكأنهم جماعة ضعيفة في الشارع لا يمثلونه، بخاصة في المدن الكبرى التي كانت بمثابة معاقل سياسية لهم في السنوات السابقة.

ويعترف غرايبة، وهو من رموز المعتدلين في الإخوان، أنّ “الحكومة قد خدعتهم في الانتخابات النيابية وأنّ مصيدة نُصِـبت للإخوان في الانتخابات البلدية نجوا منها بإعلان الانسحاب، لكنهم وقعوا فيها في الانتخابات النيابية عندما صدّقوا وعود الحكومة بانتخابات نزيهة”.

المحلل السياسي عريب الرنتاوي ومدير مركز القدس للدراسات، يختلف مع غرايبة في إلقاء الكرة في ملعب الحكومة فقط، ومع تأكيد الرنتاوي على الدور الحكومي، إلاّ أنه يرى أنّ هنالك تراجعاً ملموساً في شعبية “الصحوة الإسلامية” إقليمياً لصالح “الصحوات العشائرية” من إقليم وزيرستان في باكستان إلى الأنبار في العراق وصولاً إلى غزة في فلسطين.

غير أنّ الرنتاوي يتّـفق مع غرايبة أنّ الانتخابات البلدية والنيابية كانت بمثابة “كمائن حكومية” للإسلاميين، وكان الهدف الاستراتيجي منها، الذي رسمه د. معروف البخيت، رئيس الوزراء الذي استقال عقب الانتخابات، هو الفصل بين الإسلاميين وبين المخيمات الفلسطينية، ليس فقط بإضعاف الإسلاميين سياسيا، بل بالمساعدة على انتشار ظواهر أخرى مناقِـضة للصحوة الإسلامية، ويرى الرنتاوي أنّ هذا ما يُـفسر “ظاهرة بيع ونقل الأصوات بالجملة والآلاف من المخيمات لصالح شخصيات ثرية فازت في الانتخابات النيابية على حساب الإسلاميين باستخدام “المال الانتخابي” وبواسطة أصوات “المخيمات الفلسطينية”، ما يعكس تحوّلات اجتماعية وسياسية كبيرة في المخيمات، لكنها في الوقت نفسه تمثل إستراتيجية حكومية مقصودة”!

مجلس نيابي بلا معارضة سياسية!

حديث الرنتاوي عن رؤوس الأموال يقود إلى تركيبة المجلس النيابي الجديد، ما يدفع إلى تحليل مكوناته الرئيسية، فلقد بات واضحاً أنّ “الزعامات التقليدية” حافظت على وجودها وتعززت بالقوة العشائرية، التي أثبتت وجودها مرّة أخرى.

أمّا العنصر الجديد، فهم الأثرياء، الذين لا يعرف لهم رصيد سياسي سابق ولا عمل في المجال الحزبي والعام، بقدر ما يعزو كثير من المحللين نجاحهم إلى “المال الانتخابي”، الذي كان العنوان الفرعي في الانتخابات النيابية الحالية، بالإضافة إلى العنوان الإخواني.

فهد الخيطان، المحلل والمراقب السياسي، لا يعتقد أن “كتلة الممانعة” للسياسات الاقتصادية ستختفي في المجلس القادم، بل ستبقى هذه الكُـتلة حاضرة وتحاول الوقوف في وجه الخصخصة وتخلّـي الدولة عن دورها الاقتصادي، لكن الخيطان يتوقع أن يتقوى التيار البرلماني، الذي يؤيِّـد السياسات الاقتصادية ويدعم الحكومة في هذا المجال، في المقابل، سيبقى موقع “المعارضة السياسية”، الذي تركه الإخوان شاغراً، دون أن يجد من يملؤه.

حكومة تكنوقراطية: هل هي الحل؟

بعد ساعات من الانتخابات النيابية، تمّ الإعلان عن استقالة معروف البخيت، رئيس الوزراء وتكليف نادر الذهبي، شخصية اقتصادية، بتشكيل الحكومة الجديدة.

والملفت، أنّ اسم الرئيس الجديد لم يكُـن ضمن بورصة الأسماء المقترحة ولا المتوقعة، وهو شقيق مدير المخابرات العامة محمد الذهبي. ولعلّ السؤال الأهم في سياق التأكيد، أنّ التحدي الاقتصادي هو التحدّي الأخطر والأهم في الأيام القادمة، هل يكفي أن يكون رئيس الوزراء شخصية اقتصادية أم لابد من توافر درجة عالية من الكفاءة السياسية للتعامل مع تداعيات الملف الاقتصادي سياسياً وأمنياً؟

يُـجيب على السؤال السابق د. إبراهيم سيف، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، بالقول: “لا يوجد خلاف أنّ الملف الاقتصادي هو العِـبء الحقيقي الكبير أمام الحكومة القادمة”، ويضيف “هنالك استحقاقات اقتصادية كبيرة، بدءاً من رفع المحروقات وتخفيض العجز في الموازنة من خلال زيادة العبء الضريبي، وجميعها ملامح لسياسة اقتصادية ستؤثر سلباً على قطاعات واسعة، لكن هامش المناورة فيها ضعيف، نظراً لارتفاع عجز الموازنة ووصوله إلى مرحلة حرجة ولعدم القدرة الحكومة على تحمّـل أعباء الدعم للسلع الرئيسية”.

ويرى سيف أنّ الملف الاقتصادي له أبعاد سياسية كبيرة، وإذا كان المطلوب وجود شخصية اقتصادية، فلابد أن تمتلك كفاءة سياسية أو أن يكون في التركيبة الحكومية سياسيون مخضرمون قادرون على التعامل مع التفاعل الشعبي مع السياسات القادمة.

إلاّ أنّ مراقبين يرون أن تركيبة الحكومة الجديدة ضعيفة سياسياً، لا تتضمن شخصيات من طراز قوي، ويحيل آخرون إلى عملية تقاسم أدوار محتملة بين “الشقيقين الذهبيين”، في حين يتولى رئيس الوزراء نادر الذهبي إدارة الدفة الاقتصادية، بينما يقوم شقيقه محمد الذهبي (والمؤسسة الأمنية) بالتعامل مع التداعيات السياسية والأمنية المتوقعة.

من الواضح أنّ البرلمان الجديد والحكومة الجديدة بهذا المضمون السياسي الضعيف يُبقيان الشأن السياسي بصورة كبيرة في عُـهدة “المقاربة الأمنية”، وهي وإن أجلت استحقاقات المعارضة السياسية المشروعة، فإنّها تفتح الباب على مصراعيه للمعارضة الراديكالية، سواء جاءت على صيغة احتجاجات شعبية ضد السياسات الاقتصادية أم حركات راديكالية إسلامية!

عمان – محمد أبو رمان

أثارت قضية مراقبة الانتخابات من قبل مؤسسات المجتمع المدني جدالاً واسعاً بين الحكومة وبين المراقبين وممثلي هذه المنظمات، وقد تشكل ما يسمى بـ ‘التحالف الأردني لمنظمات المجتمع المدني’ والذي أعلن عن استعداده لمراقبة الانتخابات النيابية، إلاّ أنّ هذا التحالف عاد وأصدر بياناً أكد فيه استنكافه عن المراقبة لاختلافه مع الحكومة في آليات الرقابة وحدودها.

وتضمن البيان، على الرغم من أن التحالف الأردني لمنظمات المجتمع المدني قد كان أول المبادرين لتأسيس فريق خاص بمراقبة الانتخابات من منظمات المجتمع المدني ونظم عشرة دورات شارك فيها قرابة (250) مراقب ومراقبة من مختلف محافظات المملكة، وقام بذلك تطوعاً دون تمويل من أية جهة كانت حرصاً على استقلالية الفريق وحياديته. ومع ذلك فقد قرر التحالف الأردني لمنظمات المجتمع المدنين مع الأسف الشديد، عدم القيام بمراقبة الانتخابات وفقاً لمفهوم الحكومة الذي يقصرها على المتابعة’.

في المقابل أصرّ المركز الوطني لحقوق الإنسان على مراقبة الانتخابات مع عدم موافقته لحدود المراقبة التي سمحت بها الحكومة والتي تسمح له بالوقوف على ‘أبواب قاعات الاقتراع’، ولا تسمح له بحضور ‘عملية جمع الأصوات النهائية’، وأصدر المركز بياناً، في 18 نوفمبر، أكد فيه أنه سيراقب الانتخابات بكافة الوسائل التي يتيحها له قانونه، وسيتلقى شكاوى المواطنين وأسئلتهم وأنه قد أعد (150) مندوباً لمراقبة الانتخابات.

وأصدر المركز الوطني بياناً في يوم الانتخابات، أشار فيه أن مندوبيه يتولون مراقبة عملية الانتخابات وأن العديد من الشكاوى بدأت بالوصول إلى المركز وأنه سيتولى دراستها لإصدار تقريره النهائي حول مجريات العملية الانتخابية.

وتجدر الإشارة أنّ المركز الوطني لحقوق الإنسان هو مؤسسة حكومية تأسست عام 2002 لمراقبة القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، وقد عهد الملك بإدارته إلى رئيس الوزراء الأسبق د. أحمد عبيدات، وتمكن المركز من خلال الفترة السابقة المحدودة من إثبات حياديته وموضوعيته بإصدار العديد من التقارير الدورية والخاصة حول حالة حقوق الإنسان في البلاد، وكان التقرير الذي أصدره حول الانتخابات البلدية قد أثار جدلاً واسعاً، بخاصة أنه أكد على حصول تجاوزات كبيرة في تلك الانتخابات، ما أكّد على رواية جماعة الإخوان المسلمين.

والجميع لا زال ينتظر تقرير المركز الوطني حول الانتخابات النيابية لتأكيد، إما رواية الحكومة أو جماعة الإخوان المسلمين حول مجريات العملية الانتخابية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية