مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 واشنطن – بغداد: ماذا ستفعل موسكو؟

تحسن العلاقات الامريكية الروسية اصبح عبء على موسكو في التعامل مع الازمة بين العراق والولايات المتحدة Keystone

تتابع روسيا باهتمام وقلق كبيرين الاستعدادات لعملية امريكية محتملة لاجتياح العراق بهدف اسقاط نظام الرئيس صدام حسين. وتواجه موسكو مأزقا حقيقيا، اذ ان لها من جهة مصالح كبيرة في العراق، ومن جهة اخرى علاقات قوية مع واشنطن.

تثير طبول الحرب التي تقرعها الولايات المتحدة مهددة بغزو العراق، قلقا كبيرا في بغداد وموسكو معا. واذا كانت القيادة العراقية ما زالت تملك بعض الاوراق لتوظيفها في محاولة لشراء الوقت والسعي لتفادي الضربة او للاستعداد لها، فالكريملن يفقد يوما بعد يوم ادوات التأثير في الوضع ويبدو حائرا ومترددا.

فالقيادة الروسية لا ترغب في خسارة العراق اقتصاديا وسياسيا. لكنها بالتاكيد لا تريد تعكير صفو العلاقات الروسية الامريكية، التي لم تعد في سمائها سوى سحب قليلة، عراقية وايرانية في الاساس.

والى امد غير بعيد، كان الدبلوماسيون الروس في أحاديثهم الخاصة يؤكدون ان الكلام على خطط امريكية لتوجيه ضربة عسكرية مكثفة الى العراق، انما هو نوع من الحرب النفسية بهدف الضغط على بغداد وحصرها في علبة العقوبات والعزلة.

الا ان اللهجة تغيرت في موسكو في الايام الاخيرة، وخاصة بعد تسريب عدة روايات عن احتمالات الغزو والتي دعمها اخيرا الرئيس جورج بوش باعلانه الصريح عن نيته اطاحة النظام العراقي عسكريا.

وكان التخوف من تطور سريع قادم، احد الدوافع التي حدت بموسكو الى اتخاذ سلسلة من الاجراءات وعقد لقاءات في محاولات لمنع او تاجيل الضربة. واصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا مفاده ان المشكلة العراقية لا حل عسكريا لها، وان موسكو ترفض استخدام القوة رفضا مطلقا.

وقد حصلت روسيا على تاييد لموقفها من وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان، الذي زار موسكو للقاء نظيره الروسي ايغور ايفانوف، واكد الجانبان ان التسوية السياسية هي الحل الوحيد، لكنهما من جهة اخرى شددا على ضرورة عودة المفتشين الدوليين الى العراق.

ووردت تاكيدات مماثلة اثر قمة جمعت الرئيس فلاديمير بوتين بالعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، الذي قام بزيارة مفاجئة الى موسكو، ذُكر ان احد اهدافها هو تنسيق المواقف والتدخل لدى الامريكيين للعدول عن عمل عسكري، قالت موسكو انه سيؤدي الى عواقب كارثية.

جهل امريكي بحقيقة الاوضاع؟

ويرى المحللون الروس ان الامريكيين لا يعرفون حقيقة الاوضاع في العراق ولا يقدّرون ما سوف يترتب على الضربة عراقيا وعربيا واقليميا. وهم يشيرون الى ان العراق يختلف تماما عن افغانستان ولا يوجد فيه نظير لتحالف الشمال الذي حارب بالاشتراك مع الامريكيين او بالنيابة عنهم لاسقاط حركة طالبان.

وبالطبع، فان عين روسيا على مصالحها. فهي تخشى ان يؤدي تغيير النظام في بغداد الى وقف التبادل التجاري الذي يصل حاليا الى اكثر من الفي مليون دولار سنويا والى تعطيل برنامج التعاون الطويل الامد الذي سيوقع قريبا، ويتضمن مشاريع قيمتها الاجمالية اكثر من 60 مليار دولار، تنفذ في غضون عشر سنوات. ناهيك بان اندلاع الحرب سوف يُرجئ او يُلغي آمال موسكو في استعادة ديون على بغداد قيمتها 8 مليارات دولار.

وبهدف تفادي الضربة وما يترتب عليها من تكاليف باهضة، تعمل موسكو على اقناع بغداد بالموافقة على عودة مفتشي الامم المتحدة. وردا على حجج عراقية بان الضربة حتمية، وافقت بغداد ام لم توافق على التفتيش، يؤكد الخبراء الروس ان المهمة الاساسية تتمثل في خلط الاوراق على الامريكيين ونزع كل الذرائع منهم وجعلهم في عزلة عربية ودولية في حال اصروا على تنفيذ مخططات عسكرية.

مساعي روسية لدى واشنطن

وبالتوازي مع ذلك، تسعى روسيا لاقناع الولايات المتحدة بان العمل العسكري مفتوح على احتمالات عديدة، من بينها زعزعة الاستقرار الاقليمي وتعرض مواقع امريكا في المنطقة الى الخطر.

كما تحاول الدبلوماسية الروسية حشد راي عام دولي مناوئ للضربة المحتملة باعتبارها انتهاكا لاهم مبادئ القانون الدولي وانهاء لدور الامم المتحدة وتكريسا لواقع جديد، يفرض في اطاره الطرف القوي اراءه وتصوراته على سائر الاطراف في العالم.

الا ان هذا الموقف الروسي سيبقى في اطار البلاغة الدبلوماسية والدعائية ولن تترتب عليه أي اجراءات، اذا ما قررت الولايات المتحدة المضي قدما في تحقيق اغراضها المعلنة. فموسكو لن تفرط بعلاقاتها مع واشنطن من اجل بغداد ولن تقدم على أي خطوة يمكن ان تعرقل عمليا تنفيذ المخطط الامريكي.

وفي هذا السياق، سئل وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف عما اذا كان العراق سيكون سببا لهدم بنيان العلاقات بين موسكو والغرب فقال، ان بلاده سوف تتفادى مثل هذا التعقيد وفي حال كانت الضربة حتمية، فان روسيا سوف تتصرف في ضوء الوضع القائم.

وهذه رسالة الى واشنطن وبغداد ترسم بوضوح حدود الموقف الروسي المحصور بين المطرقة الامريكية والسندان العراقي.

جلال الماشطة – موسكو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية