مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

” بيروت بيروتان، والعولمة عولمتان..”

العولمة ما لها وما عليها محور جدل طويل بين مؤيد ومناهض، لكن بيروت وضعت المناهضين في إطارين WTO

حمى اللقاءات والاجتماعات الكثيفة التي تشهدها بيروت حاليا، وتستهدف تحويلها الى عاصمة من عواصم مناهضة العولمة، جنبا الى جنب مع سياتل وواشنطن في الولايات المتحدة وكيبك في كندا وبورتوأليغري في البرازيل وجنوى في إيطاليا، فأسفرت عن ولادة تيارين أثنين عريضين ومتعارضين : الاول " راديكالي" رافض كليا لظاهرة العولمة، والثاني " إصلاحي " يدعو إلى " أنسنتها " وإدخال تعديلات إصلاحية على توجهاتها الاجتماعية.

ومعروف أن قرار جعل بيروت منطلقا لمناهضة العولمة، جاء من قبل منظمات دولية عقدت اجتماعات مؤخرا في الولايات المتحدة وفرنسا، ووقع اختيارها على العاصمة اللبنانية بسبب الحريات النسبية التي تتمتع بها، من جهة، ولصعوبة التحرك في القاهرة المندمجة في ظروف العولمة، أوفي الدوحة بقطر حيث سيعقد الاجتماع الرابع لمنظمة التجارة العامية بين 9 و13 نوفمبر \ تشرين الثاني، من جهة اخرى.

وينتظر أن يتدفق على بيروت خلال الشهر المقبل، أكثر من 3000 شخص من الناشطين ضد العولمة من كل انحاء العالم، معظمهم من الولايات المتحدة واوروبا. وكان قد سبقهم الى الحضور العديد من المواطنين اللبنانيين وبعض المواطنين العرب المهاجرين، خاصة من باريس.

المجموعة ” الراديكالية ” تبلورت يوم السادس من سبتمبر أيلول، حين أعلنت عن العمل لتأسيس ” تجمع عربي لمناهضة العولمة “، سيبدأ التحضير فورا لعقد مؤتمر عربي- دولي في بيروت. وقد تقرر عقد هذا المؤتمر في 25 اكتوبر\ تشرين الاول. لكن ثمة اقتراحا الان بارجائه الى اول نوفمبر، كي لا يتضارب مع مؤتمر ” راديكالي ” آخر سيعقد في القاهرة في 23 أكتوبر \ تشرين الاول بمبادرة من المفكر والاقتصادي المصري سمير امين.

يضم التجمع العربي فعاليات لبنانية وفلسطينية وتونسية. وهذه الاخيرة يمّثلها امية الصديق ومنصف فدوار بأسم ” لجنة النضالات المدنية والسياسية ” في تونس ” و” جمعية حقوق الانسان الفرنسية ” التي تقول انها تتحدث بلسان العديد من الجمعيات المغربية والتونسية والجزائرية. هذا اضافة الى أكثر من 30 ناشطا وناشطة من 30 جمعية ونقابة.

مطالب أم مقترحات؟

وتلخّص ميرفت ابوخليل، أبرز الناشطين في المجموعة الراديكالية،
لـ” سويس انفو” ، منطلقات واهداف ” التجمع العربي المناهض للعولمة “،
كالآتي :
– عدم القبول بمجرد ادخال تعديلات على العولمة لجعلها مقبولة، وانما مواجهتها ورفضها بالكامل. وهذا يمكن ان يتم من خلال رفض هيمنة السوق على كل قطاعات المجتمع كآلية وحيدة للتنمية والنمو، لاسيما في الميادين التي تطال حياة الناس ( الغذاء، والمياه والكهرباء، وخدمات التعليم والصحة والوراثة الجينية وشروط العمل.. الخ )

– عدم الاكتفاء بالعموميات، والسعي الى ربط مشروع العولمة بالواقع العربي، بما في ذلك مشكلتي فلسطين والعراق ومعركة الحريات. وهذا يجب ان يتم في اطار تعيين الموقع الذي يحتله الوطن العربي في منظومة العولمة، بأعتبارها الشكل الراهن من أشكال المركزة الشديدة لرأس المال العالمي، وهنا ثمة تركيز خاص على اسرائيل، بصفتها نقطة تقاطع مكثفة لجملة المصالح والعلاقات المرتبطة بالهيمنة الغربية وبالتاريخ الخاص للغرب، سيما منها تلك التي اشارت اليها مباديء الشراكة الاوروبية المتوسطية التي اكدت على موقع إسرائيل كرأس حربة للعولمة.

نقل المواجهة من النخب والجمعيات الخيرية الى القاعدة الشعبية،
والعمل على بلورة خطاب عربي متميز يساهم في اطلاق حركة عربية مناهضة للعولمة.
وشددّت ابوخليل على ما أسمته ” ضرورة الابتعاد عن عملية انتاج النخب المرتبطة بمراكز تعميم العولمة ” ، لان تلك النخب، برأيها، ” بعيدة كل البعد عن الشرائح الاجتماعية المتضررة من سياسات العولمة “.

وتوضح مصادر متابعة ان هذه النقطة الاخيرة هي ادانة مباشرة للمجموعة ” الاصلاحية ” المنافسة التي يرئسها زياد عبد الصمد ، خريج الجامعة الاميركية في بيروت والمدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية ( نحو45 منظمة ).

وسبق لهذه المجموعة، التي تبدواكثر تنظيما، وتطلق على نفسها اسم” اللقاء اللبناني حول منظمة التجارة العالمية “، الاعلان في 27 يوليو\ تموز الماضي عن تأسيس ” المنتدى العالمي في لبنان “، تمهيدا لعقد مؤتمر مواز ايضا لاجتماع الدوحة. وهذا بدعم من العديد من المنظمات الدولية بينها منظمة “ public citizen “ الاميركية، وحركة ” اصدقاء الارض ” البريطانية، ومنظمة ” اتاك ” الفرنسية.

ويشرح عبد الصمد طبيعة هذا التجمع واهدافه بالقول : ” تنضوي في الحركة الدولية المناهضة للعولمة اطر وتجمعات نقابية وعمالية وبيئية وثقافية ونسائية وسياسية، وهي تهدف من خلال تنظيم الحملات الشعبية والتظاهرات الحاشدة الى مقاومة الدعوة الى اطلاق اجتماعات جديدة للمفاوضات التجارية في قطر “.

ويضيف ان حركته ” تستهدف تصويب آليات التجارة العالمية، واعطائها مضمونا تنمويا. كما تهدف الى المطالبة بآليات عادلة ومتكافئة تسمح باعادة توظيف عادل للثروات والحصص من التجارة الدولية “.

وهكذا، فأن ” اللقاء اللبناني حول منظمة التجارة العالمية ” لا يرفض العولمة بما هي كذلك، بل يدعوفقط الى ” تصويبها ” واصلاح مسارها الاجتماعي.

وهذا ما يضعه على طرف نقيض مع الحركة ” الراديكالية “. وهذا ايضاما أفشل كل المحاولات لتنسيق الجهود بين المجموعتين خلال انعقاد مؤتمر قطر العتيد.

لمسات لبنانية على المنتدى

ويبدو أيضا ان هذه الخلافات لها جذور سياسية محلية لبنانية مباشرة. فحركة عبد الصمد زارت رئيس الجمهورية، وتقيم علاقات ( كما يقال ) مع وزير المال اللبناني فؤاد السنيورة المتهم بانه ” وكيل ” العولمة في لبنان ، ومع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، حليف رئيس الوزراء اللبناني الملياردير رفيق الحريري، المتهم هوالاخر الان بانه يقوم بتنفيذ شروط مؤسسات العولمة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

وعبد الصمد لا ينفي هذه الصلات. لكنه يقول ان هدفها هو” التأثير على اصحاب القرار اللبنانيين “. وهويّوزع عليهم دوريا نصوصا ودراسات توضح خطورة تجاهل الابعاد الاجتماعية في منظمة التجارة العالمية.

على اي حال، لا يبدوان هذه الخلافات ستؤثر كثيرا على الخطط التي تعدها اطراف لبنانية وعربية عديدة لتحويل بيروت الى عاصمة لمناهضة العولمة، خاصة حين يأتيها ” المدد الخارجي ” من نشطاء مناهضة العولمة في العالم. وهكذا فبدلا من تظاهرات ذات لون سياسي أوايديولوجي واحد، ستكون هناك تظاهرات من مختلف الالوان. وبدلا من مؤتمر بورتواليغري واحد سيكون هناك اثنين.

وفي خضم هذه ” الفوضى الديموقراطية “، ثمة ظواهر طريفة تقوم بها منظمات شبابية لبنانية صغيرة، مثل جمعية التنمية الاجتماعية الخيرية التي يرئسها أيمن الجلاد ( صاحب شركة تجارية ) ولانا الخليل ( ماركسية مقيمة في نيويورك ) اللذين اطلقا حملة تحت عنوان ” فلنعد تشكيل الاقتصاد العالمي ” ؛ ومجموعة العمل القاعدي ” المطالبة باغلاق منظمة التجارة العالمية لا اصلاحها، وغيرهما الكثير من الحركات التي لا يتجاوز عدد اعضائها اصابع اليد.

بيد ان النشاطات التي تقوم بها هذه المجموعات الصغيرة مثيرة وتستقطب بعض الاهتمام الشعبي. فهي أقامت، مثلا، حفلة موسيقية أحيتها فرقة” شحاذين يا بلدنا ” في موقف عمومي للسيارات، وعرضت منحوتات ولوحات و” أشجار عولمة ” امام دور السينما والمقاهي.

والارجح ان هذه مثل هذه الحركات ستشهد في الايام المقبلة نجاحات شعبية أخرى ربما تتفوق على تلك التي تمّني النفس بها الحركات السياسية الكبرى، لان الناس العاديين، كما يقول الطالب الناشط طارق مراد، لا يعرفون أصلا معنى العولمة، فكيف بالتفريق بين ” الرايكاليين ” والاصلاحيين ” فيها ؟ !.

سعد محيو- بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية