مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أقباط يحملون “الخطاب الديني” السائد مسؤولية الاعتداءات ضدهم في مصر

مارة امام مكتبة تبيع مقتنيات وتحف مسيحية في احد شوارع شبرا في 11 نيسان/ابريل 2017 afp_tickers

لسنوات كان القبطي ميشيل فهمي يسمع بغضب خطيب المسجد المجاور لمنزله يدعو على المسيحيين بالسوء، وهو الآن يعتقد أن هذا “التحريض” سبب رئيسي في وجود انتحاريين مستعدين لمهاجمة الكنائس.

وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية “هجومي الكنيستين في مدينتي طنطا والاسكندرية” اللذين أوقعا الاحد 45 قتيلا في اسوأ اعتداءات منذ سنوات، كاشفاً أن انتحاريين اثنين نفذاهما فيما كان الاقباط يحتفلون بأحد السعف (الشعانين).

وقبل أربعة أشهر فجر انتحاري نفسه في كنيسة القديسين بطرس وبولس في القاهرة ما أسفر عن سقوط 29 قتيلا.

ويقول فهمي (50 عاما) الذي يدير مكتبة تبيع مقتنيات وتحف مسيحية في حي شبرا ذي الغالبية المسيحية إن خطب الجمعة “في المسجد تدعو بالسوء على المسيحيين وتحرض على العنف، الشباب يشحن بالكراهية ضدنا وينفذ ما يسمعه”.

ويضيف بأسي “بالطبع الاساءة الى المسيحيين في المساجد تضايقنا جميعا وينتج عنها إرهاب ضدنا”.

وتتراصف صلبان خشبية كبيرة في واجهة المتجر الزجاجية الضيقة جوار تماثيل متوسطة الحجم للمسيح والعذراء مريم.

ويتابع فهمي إن “المجتمع نفسه لا يعلم الصغار أننا (المسلمون والاقباط) أخوة وأحباء وابناء وطن واحد. التنشئة لها دور كبير”، فيما كان الحزن والوجوم يسيطر على وجوه المارة الأقباط الذين يتسوقون في صمت استعدادا لعيد القيامة الأسبوع المقبل.

وشكا عدد من الاقباط الذين تحدثوا لفرانس برس من أنهم يسمعون أدعية ضد المسيحيين عبر مكبرات الصوت في خطب الجمعة وفي القنوات الإسلامية الفضائية الخاصة التي تزايد عددها بعد الاطاحة بالرئيس الاسبق حسني مبارك في العام 2011.

ولكن السلطات المصرية أغلقت هذه القنوات وأوقفت بثها فور اطاحة الرئيس الاسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013.

وتحاول وزارة الاوقاف ضبط خطب الجمعة وتحدد سلفا المواضيع التي يتناولها الائمة في هذه الخطب الا انها لا تستطيع السيطرة على كل المساجد وخصوصا ما يسمى في مصر ب”الزوايا” وهي مساجد صغيرة تنشأ بجهود ذاتية في المناطق الشعبية خصوصا.

وفي متجر ملابس مجاور، لا تزال البائعة القبطية ليليان أنيس (23 عاما) تتذكر بحزن تعرضها للمضايقة في المدرسة.

وتقول “في المدرسة كان البعض يرفض الحديث معي لانني مسيحية. اتذكر ذلك جيدا وبالطبع كان ذلك يضايقني”.

وتعتبر ليليان ان المشكلة تبدأ في المدرسة “عندما يتم التفريق بين الاطفال في المدارس. هذا مسلم وذاك مسيحي”.

ودعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة الى “تجديد الخطاب الديني” معتبرا انه ينبغي مراجعته وتنقيته من الافكار المتطرفة التي تدعو الى العنف والتي تشكل مرجعية للفكر الجهادي.

ولكن معارضي السيسي يؤكدون ان هذه الدعوة ظلت حبرا على ورق ويدللون على ذلك بالعديد من الاحكام التي صدرت خلال العامين الاخيرين بتهمة ازدراء الدين الاسلامي.

وكان من أبرز من حوكموا بهذه التهمة أخيرا الباحث في الشؤون الاسلامية اسلام البحيري الذي قضت محكمة مصرية في نهاية كانون الاول/ديسمبر 2015 بحبسه سنة بعد سلسلة حلقات تلفزيونية قدم فيها تفسيرا للاسلام أغضب الازهر الذي اعتبره اساءة لتراث السلف.

وخرج البحيري من السجن نهاية العام الفائت بعفو رئاسي شمل كذلك 81 من الناشطين السياسيين الشباب.

– “غسيل ادمغة”-

بدأ الخطاب الديني التحريضي ضد المسيحيين في مصر في سبعينيات القرن الماضي حين سمح الرئيس الراحل أنور السادات للاسلاميين بممارسة النشاط السياسي مجددا لضرب معارضيه اليساريين في ذلك الحين.

وفي تسعينات القرن الماضي، تعرض الاقباط المصريون خصوصا في الصعيد (جنوب) لاعتداءات من قبل جماعات إسلامية مسلحة كانت تستهدف كذلك رجال الشرطة في ذلك الحين.

ويعتقد طالب الحقوق إبرام أنيس أن الإسلاميين الذين يمارسون العنف ضد الاقباط تعرضوا “لغسيل أدمغة نتيجة ما يسمعونه من تحريض ضد المسيحين في الخطاب الديني الإسلامي في كل مكان”.

ويتابع “أعرف أن الإسلام دين سلام وبريء من العنف لكن هذا ما يحدث في نهاية المطاف”، فيما كانت ترانيم كنسية تصدح من محل مجاور.

وتشكو قبطيات مثل ليليان من تعرضهن لمضايقات وتحرشات، مثل ألوف المصريات، لكن ذات طابع طائفي.

وهي تقول “أسير خائفة في الشارع. أخشى أن يضايقني أحد بأي كلمة أو فعل. لم يعد هناك أمان”.

وبالنسبة للعديد من المسيحيين فأن الحديث عن الوحدة الوطنية مجرد كلام لا يطبق.

وفي طنطا، كان البعض يهتف عقب تفجير الكنيسة “مسلم ومسيحي ايد واحدة”. وعلق مواطن قبطي رفض الافصاح عن اسمه “هذا شعار أجوف ولا معنى له لان الدولة سلبية”.

وتابع “هناك هجوم علينا في الفضائيات وهناك من يدعو الى عدم تهنئتنا في الاعياد باعتبار ان ذلك محرم في الاسلام ماذا فعلت الدولة لوقف ذلك؟”.

وكان هذا المواطن القبطي يشير الى مواقف بعض قيادات التيار السلفي الذين يرفضون قيام المسلمين بتهنئة الاقباط في أعيادهم.

وهناك توتر وقلق لدلى الأقباط من حدوث هجمات أخرى ضد كنائسهم.

وفيما كانت تمسك بيد ابنتها ماريا البالغة خمس سنوات، قالت الأم هالة بشرى باقتضاب “أنا خائفة على ابنتي. الوضع مقلق”.

ويقول أنيس، الشاب الذي يضع صليبا كبيرا حول رقبته “نحلم أن نعيش في مصر في أمان لا أكثر ولا أقل”.

وأضاف “لا نريد سوى أن نسير في الشوارع في أمان دون خوف من أن يتعرض لنا أحد او يضايقنا أحد”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية