مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المستوطنون اليهود المتزمتون على هامش الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي

صورة من مستوطنة بيتار عيليت في الضفة الغربية المحتلة التقطت في 14 شباط/فبراير 2018 afp_tickers

في شوارع مستوطنة بيتار عيليت، يرتدي غالبية الرجال بدلات سود وقمصانا بيض، وهي صورة مألوفة في أحياء اليهود المتزمتين في القدس لكنها تزداد انتشارا في المستوطنات مع انتقال المزيد من المتشددين للعيش في الضفة الغربية المحتلة.

وتشهد بيتار عيليت تطورا ديمغرافيا يثير التساؤلات حول الهوية المستقبلية للدولة العبرية، بعد 70 عاما على انشائها.

ومع اكثر من 56 ألف مستوطن فيها، تعد بيتار عيليت من المستوطنات الاكثر اكتظاظا في الضفة الغربية المحتلة والمقامة فوق جزء من الاراضي الفلسطينية التي يحتلها الجيش الاسرائيلي منذ خمسين عاما.

والغالبية العظمى من سكان المستوطنة من اليهود المتزمتين الذين يطبقون الشريعة اليهودية بشكل صارم في حياتهم اليومية. وتغطي النساء منهن رؤوسهن ويرتدين ملابس طويلة.

ولا يوجد في المستوطنة دار للسينما، وتتوقف حركة المرور دائما أيام السبت، بينما ينتشر الاطفال في كل مكان، ما يذكر بنزعة اليهود المتشددين الى تكوين عائلات كبيرة، وهو ما يظهر جليا في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة.

أقيمت المستوطنة في الثمانينات على اراض تابعة لقرية حوسان الفلسطينية، وهي مثل مستوطنة موديعين عيليت القريبة من رام الله وتضم أكثر من 70 الف مستوطن، إذ تختلفان عن سائر المستوطنات التي يعد سكانها علمانيون ولديهم قناعات أيدلوجية.

ويشكل اليهود المتزمتون نحو 10% من سكان إسرائيل، غير أنهم يشكلون حاليا ثلث المستوطنين.

ويقول الموقع الالكتروني لبلدية المستوطنة “رغم وضعنا الجغرافي، يواصل عدد سكان بيتار عيليت الارتفاع”.

– أزمة إسكان-

وتشير ارقام صادرة عن البلدية إلى ان 40 طفلا يولدون أسبوعيا في المعدل فيها، ما يعني ألفي طفل سنويا، وهو أعلى معدل بين الإسرائيليين.

وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو مازحا خلال زيارته للمستوطنة العام الماضي، انه في حال استمر معدل المواليد هذا، قد تصبح القدس حيا تابعا لمستوطنة بيتار عيليت.

وبعد خمسين عاما على بدء الاستيطان في الاراضي المحتلة، يختار اليهود المتزمتون العيش في المستوطنة لأهداف دينية تتعلق “باعمار ارض اسرائيل الكبرى” مثلما يفعل المستوطنون القوميون لأسباب ايديولوجية، في ما يعد مخالفة صريحة للقانون الدولي.

ويقول المتحدث باسم بلدية المستوطنة موشيه غلاسنير ان “سبب انتقال الناس للسكن هنا هو ازمة الاسكان”، موضحا ان المستوطنة ليست “الخيار الأول” للعائلات المتزمتة. وهنا تتضافر الاعتبارات الاقتصادية مع الأسباب الدينية والاجتماعية.

ويقول بنيامين كلوغير (45 عاما)، وهو عامل مجتمعي يقيم في المستوطنة منذ سبع سنوات، انه اختار العيش في المستوطنة فقط لأنه يرغب “في العيش في وسط توراتي. هذا المكان مثالي للعيش ان كنت يهوديا متدينا”.

ويعتبر المجتمع الدولي كل المستوطنات غير قانونية، سواء أنشئت بموافقة الحكومة الإسرائيلية أو لا، وأنّها تشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق السلام.

– “صورة مختلفة” –

ويؤدي البناء الاستيطاني وتوسيع المستوطنات القائمة إلى قضم مساحات جديدة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمعن في تقطيع أوصالها ويهدد فرص إقامة دولة اراضيها متواصلة.

يزيد عدد المستوطنين عن 600 ألف بينهم 400 ألف في الضفة الغربية، والباقون في القدس الشرقية المحتلة. ويعد وجودهم مصدر احتكاك وتوتر مستمر مع 2,6 مليون فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين منذ 1967.

ويدعي المستوطنون في بيتار عيليت انهم يرتبطون بعلاقات “سلمية” مع الفلسطينيين في القرى المجاورة. بينما يقول المتحدث باسم البلدية ان الشبان الفلسطينيين يرشقون الحجارة بشكل متكرر على السيارات الاسرائيلية قرب المستوطنة.

غير ان يورام كوهين، وهو صاحب بقالة يقيم منذ 18 عاما في المستوطنة، يؤكد ان العلاقات جيدة مع الفلسطينيين الذين يأتون للعمل في بقالته.

ويوضح “يكفي فقط المجيء الى هنا لترى كيف نعمل سويا لرؤية ان الامر مختلف عن الصورة المعتادة في المستوطنات”.

وبحسب المتحدث باسم البلدية، يحضر 1500 فلسطيني للعمل يوميا في بيتار عيليت دون أي اشكال.

ويرى نداف شارغاي، الباحث في مركز القدس للشؤون العامة ان زيادة تمثيل اليهود المتزمتين بين المستوطنين، تجسيد لحلم مؤسسي حركة الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ويقول “عندما اسس العقائديون مستوطنات في تلك الاراضي (الفلسطينية)، كانوا يأملون ان يمثل السكان الذين يحضرون للعيش فيها كافة الاتجاهات في المجتمع (الاسرائيلي)، وهذا ما يحدث”.

وفيما تعد بيتار عيليت بين المستوطنات التي يستحيل ان تخليها اسرائيل، تشير حاغيت اوفران من حركة السلام الآن الاسرائيلية المناهضة للاستيطان، إلى ان اليهود المتزمتين لا يحتمل أن يعترضوا على تحقيق السلام مع الفلسطينيين.

وتوضح أوفران ان “دوافعهم مختلفة، وهناك فرصة قوية انه في حال التوصل الى اتفاق السلام، فأنهم سيبقون هناك ونتيجة لذلك فأنهم لا يهتمون بمسألة “بتقسيم الاراضي على عكس المستوطنين العقائديين”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية