مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اليونسكو تستنكر تدمير اثار نمرود الاشورية وتصفها بانها “جريمة حرب”

صورة ارشيف بتاريخ 17 تموز/يوليو 2001 تظهر عمالا ينظفون موقعا اثريا في نمرود (30 كلم جنوب شرب الموصل) afp_tickers

ينتظر علماء الاثار تبيان حجم الدمار الذي لحق بمدينة نمرود الاثرية الاشورية في شمال العراق، والتي اعلنت الحكومة العراقية الخميس ان تنظيم الدولة الاسلامية قام بـ “تجريفها”، في ما اعتبرته الامم المتحدة “جريمة حرب”.

وقالت وزارة السياحة والآثار العراقية ان التنظيم الذي يسيطر على مناطق واسعة من البلاد منذ حزيران/يونيو، قام بتجريف المدينة الاثرية التي يعود تاريخها الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، بعد ايام من نشره شريطا يظهر قيامه بتدمير آثار في مدينة الموصل (شمال)، والتي احرق كذلك مكتبتها.

وقال مسؤولون عراقيون في مجال الاثار، ان الجهاديين استقدموا نهاية الاسبوع الماضي شاحنات الى نمرود المجاورة لنهر دجلة، على مسافة ثلاثين كلم جنوب شرق الموصل، كبرى مدن شمال البلاد واولى المناطق التي سيطر عليها التنظيم في هجوم حزيران/يونيو.

وقال مسؤول رفض كشف اسمه “حتى الآن، لا نعرف حجم التدمير في الموقع”.

ونمرود هي احدث ضحية في سلسلة من عمليات تدمير ينفذها الجهاديون بحق التراث العراقي العائد الى قرون مضت، لا سيما في الموصل.

وقال عبد الامير حمداني، وهو عالم آثار عراقي في جامعة ستوني بروك الاميركية، لوكالة فرانس برس “انا فعلا محطم، الامر مجرد وقت فنحن ننتظر شريط الفيديو، الامر محزن”.

وتعد اثار نمرود درة الحضارة الآشورية. ويضم موقعها نقوشا مذهلة وتماثيل ضخمة لثيران مجنحة.

ومن أبرز الآثار التي عثر عليها في الموقع “كنز نمرود” الذي اكتشف في 1988، وهو عبارة عن 613 قطعة من الاحجار الكريمة والمجوهرات المصنوعة من الذهب. ووصف العديد من علماء الآثار هذا الاكتشاف، بانه الاهم منذ اكتشاف قبر الفرعون توت عنخ آمون في العام 1923.

ونقل هذا الكنز من الموقع قبل اعوام طويلة.

وقال حمداني “آسف للقول ان الجميع كان يتوقع هذا الامر. خطتهم (الجهاديون) هي تدمير التراث العراقي، موقعا بعد آخر”.

وتابع “مدينة الحضر بالتأكيد ستكون التالية”، في اشارة الى المدينة التاريخية وسط صحراء نينوى، ويعود تاريخها لالفي عام قبل الميلاد.

والمدينة مدرجة على لائحة منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونيسكو” للتراث العالمي.

واستنكرت المديرة العامة ايرينا بوكوفا الجمعة تدمير آثار نمرود.

وقالت “لا يمكننا البقاء صامتين”، مؤكدة ان “التدمير المتعمد للتراث الثقافي يشكل جريمة حرب”.

واكدت “رفع المسالة الى مجلس الامن الدولي والمدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية”، داعية “مجمل الاسرة الدولية (الى) توحيد جهودها” من اجل “وقف هذه الكارثة”.

واعتبرت ان “التطهير الثقافي الجاري في العراق لا يوفر شيئا ولا احد، يستهدف الحياة البشرية والاقليات ويترافق مع التدمير المنهجي للتراث البشري الذي يعود الى الاف السنين”.

ودعت “كل المسؤولين السياسيين والدينيين في المنطقة الى الوقوف في وجه هذه الهمجية الجديدة”.

وابدى العراقيون حسرة على رؤية تراث بلادهم يدمر شيئا فشيئا.

وقال الكاتب والشاعر ابراهيم داوود “بعدما قتلوا (الجهاديون) النفس البشرية، بدأوا بقتل الحضارة وازالتها”.

اما المرجع الشيعي الاعلى اية الله علي السيستاني فاعتبر ان تدمير الآثار دليل على “وحشية” التنظيم المتطرف.

وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل السيستاني، في خطبة صلاة الجمعة في الصحن الحسيني ان الجهاديين يدللون بذلك “على مدى وحشيتهم وهمجيتهم وعدائهم للشعب العراقي العظيم، لا لحاضره فقط بل حتى لتاريخه وحضارته”.

وبرر الجهاديون تدمير آثار الموصل بانها اصنام، مقارنين بين ما قاموا بها، وما قام به النبي محمد يوم فتح مكة قبل قرابة 1400 عام. الا ان مختصين يشيرون الى ان الجهاديين يهربون الاثار لتمويل نشاطاتهم.

وقال ستيوارت غيبسون، خبير المتاحف في اليونيسكو، ان تاثير المجتمع الدولي محدود على تنظيم الدولة الاسلامية.

واوضح “طالبنا مرارا شعوب المنطقة بان تدرك القيمة غير القابلة للتعويض والحاجة الثقافية لحماية لتراثهم الثقافي”.

اضاف “اليوم للاسف، الناس في المنطقة مرهقون ومرعوبون. وما على الباقي منهم سوى التطلع من الخارج بيأس مطلق”.

وسبق لعناصر تنظيم الدولة الاسلامية ان دمروا العديد من المواقع الاثرية في مدينة الموصل التي تعد من اقدم المدن في الشرق الاوسط.

ونقل العديد من آثار نمرود من الموقع الاثري متاحف عدة بينها متحفا الموصل وبغداد، اضافة الى متاحف في باريس ولندن وغيرها. الا ان ابرز القطع لا سيما التماثيل الآشورية الضخمة للثيران المجنحة بقيت مكانها.

ورغم دعوة اليونيسكو الى اتخاذ اجراءات اكثر صرامة لحماية المواقع الاثرية، الا غالبية هذه المواقع في شمال العراق تقع في مناطق خاضعة بشكل كامل لسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية، دون تواجد قوات عراقية.

وتمكنت القوات العراقية والكردية في الاسابيع الاخيرة من استعادة بعض المناطق بدعم من ضربات جوية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، الا ان التنظيم لا يزال يسيطر على مدن رئيسية، منها الموصل وتكريت والفلوجة (غرب بغداد).

وبدأ نحو 30 الف عنصر من القوات العراقية وفصائل شيعية مسلحة وبعض العشائر السنية الاثنين، عملية واسعة لاستعادة تكريت ومناطق محيطة بها، في هجوم هو الاوسع ضد التنظيم المتطرف.

والجمعة، افادت مصادر عراقية عن معارك بين القوات الامنية وتنظيم الدولة الاسلامية في قضاء الدور جنوب تكريت، الذي دخلته القوات اليوم.

وقال محافظ صلاح الدين رائد الجبوري ان القوات الامنية سيطرت على الشارع الرئيسي في بلدة الدور، مركز القضاء، في حين اشار ضابط برتبة لواء في الجيش الى ان البلدة تشهد معارك.

واثار الهجوم مخاوف من عمليات انتقامية بحق سكان هذه المناطق ذات الغالبية السنية، لاتهام البعض منهم بالتعاون مع التنظيم او المشاركة في عمليات قتل جماعية طالت شيعة.

ودعا السيستاني في خطبة الجمعة، مقاتلي الفصائل، الى حماية السكان.

وقال الكربلائي “ينبغي عليكم جميعا ضبط النفس وعدم الخضوع للانفعال النفسي لفقد حبيب لكم او عزيز عليكم، خصوصا ما يتعلق بالعائلات التي يتترس بها العدو ممن لم يقاتلوكم لاسيما من المستضعفين (…) بل كونوا لهم حماة”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية