مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد عام على مقتل بائع سمك سحقا في عربة قمامة في شمال المغرب التفاعلات مستمرة

متظاهرون في شمال المغرب يرفعون لافتات وشعارات خارج محكمة الدار البيضاء تنادي بالافراج عن ابرز قادة الاحتجاج ناصر الزفزافي في 24 تشرين الاول/اكتوبر 2017. afp_tickers

كان لمقتل بائع سمك في الحسيمة سحقا داخل شاحنة لجمع النفايات في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2016 وقع الصدمة في المغرب وتلته أشهر طويلة من التظاهرات وموجة توقيفات، وصولا الى إقالة عدد من المسؤولين الكبار على خلفية هذه القضية.

وبالتوازي مع بدء محاكمة ناصر الزفزافي، أحد ابرز قادة حركة الاحتجاج في شمال المغرب أو “حراك الريف”، أقال العاهل المغربي محمد السادس هذا الاسبوع عددا من الوزراء وكبار المسؤولين بعد تقرير كشف تأخيرا في إنجاز مشاريع تنموية في الحسيمة حيث حصل الحادث والجزء الاكبر من الاحتجاجات.

وبعد ان كانت وسائل الاعلام المغربية تتحدث اثناء التظاهرات التي شهدتها منطقة شمال المغرب عن “زلزال اجتماعي”، باتت اليوم تتحدث عن “زلزال سياسي” و”عهد جديد” يقوم على مبدأ المساءلة والمحاسبة.

ولم يكن احد يتوقع كل هذه التطورات حين لقي بائع السمك محسن فكري (31 عاما) مصرعه في 28 تشرين الاول/اكتوبر 2016 طحنا في عربة جمع نفايات حين كان يحاول التصدي لمصادرة بضاعته من السمك المحظور صيده.

وأثارت صور ومشاهد موته التي تم تداولها بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، غضبا وسخطا كبيرين، وشارك آلاف الاشخاص في تشييع جنازة “شهيد” لقمة العيش.

ونظمت تظاهرات اثر ذلك للمطالبة بالعدالة والحقيقة. وامتدت في الحسيمة لتشمل مطالب اجتماعية واقتصادية. ويعتبر سكان منطقة شمال المغرب منطقتهم مهمشة تاريخيا، ونددت التظاهرات بضعف التنمية.

ويقول الباحث المتخصص في شؤون المغرب بيار فيرميرن “ليست هناك جامعات. هناك بنى تحتية مدرسية لكن نسبة النجاح كارثية، كما يعاني المستشفى من نقائص. وكل المؤشرات سلبية على مستوى الخدمات العامة الاساسية”.

– دولة “فساد” –

ومع مرور الزمن إثر واقعة وفاة البائع، تزايدت حدة الاحتجاجات دون اي رد فعل رسمي. وكان المغرب حينها في أوج أزمة حكومية، وكانت الاولوية الكبرى للقصر الملكي حينها انضمام المملكة مجددا الى الاتحاد الافريقي، وهو ما تم رسميا في كانون الثاني/يناير 2017.

ويقول المحلل السياسي عزيز شهير ان السلطة “راهنت على تلاشي الغضب بمرور الزمن لكن بعد ستة اشهر كانت حركة الاحتجاج لا تزال قائمة مستفيدة من حاضنة اجتماعية”.

في الاثناء، برز ناصر الزفزافي، وهو عاطل عن العمل في التاسعة والثلاثين من العمر، كوجه لحركة الاحتجاج وتولى مع مجموعة من قادة الحراك توجيه ايقاع التحركات الاحتجاجية وتعبئة الجماهير للتنديد بدولة “فساد”.

وجاء اول رد فعل من السلطات في نيسان/ابريل 2017 حين زار وزير الداخلية المنطقة ثم في ايار/مايو حين زارتها مجموعة من الوزراء لتسريع مشاريع بنى تحتية ودفع اقتصاد المنطقة.

لكن المحتجين ظلوا يشكون في الانجاز خصوصا ان الخطاب السياسي الرسمي لا مصداقية له في المنطقة.

وفي أيار/مايو، تم توقيف قادة الحركة الاحتجاجية في حملة استهدفت مئة شخص.

ويرى شهير ان “القمع أظهر حدود النظام وأسهم في ضرب مصداقية المحاولات المتقطعة لاضفاء الديمقراطية وتنمية حقوق الانسان ودولة القانون”.

وتواصلت التظاهرات في حزيران/يونيو مع صدامات متواترة مع قوات الامن. ومع تكاثر الاعتقالات، شهدت حركة الاحتجاج انحسارا وباتت التجمعات نادرة. لكن التعبئة مستمرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع مطلب بات هو الاول: الافراج عن المعتقلين.

-“زلزال سياسي”-

وفي نهاية تموز/يوليو، اصدر العاهل المغربي عفوا عن 40 من الموقوفين. وتحدث للمرة الاولى عن احتجاجات شمال المغرب التي قال انها كشفت غيابا غير مسبوق للمسؤولية، وأشار الى احزاب لا قواعد لها ولا تقوم بدورها.

وتطرق الملك مجددا الى الموضوع في تشرين الاول/اكتوبر الحالي حين القى ما اعتبرته الصحافة المحلية “خطاب الزلزال السياسي”. واعتبر فيه ان “النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية”.

ودعا الملك “الحكومة والبرلمان ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، كل في مجال اختصاصه، لإعادة النظر في نموذجنا التنموي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد”.

وقال “ما فتئنا ندعو لتسريع التطبيق الكامل للجهوية المتقدمة، لما تحمله من حلول وإجابات للمطالب الاجتماعية والتنموية، بمختلف جهات المملكة”.

وأكد العاهل المغربي “أن التقدم الذي يعرفه المغرب لا يشمل مع الأسف كل المواطنين وخاصة شبابنا الذي يمثل أكثر من ثلث السكان”.

وبعد هذا الخطاب بايام قليلة، اعلن القصر الملكي عن عقوبات تمثلت بإقالة وزراء ومسؤولين كبار.

ويقول الصحافي والباحث عبد الله الترابي “انها المرة الاولى التي يحصل فيها هذا خلال 18 عاما من الحكم. سبق ان حصلت إقالات، لكن ليس على هذا النطاق الواسع. وشملت العقوبات مسؤولين من النظام القائم (..) وهذه إشارة سياسية قوية”.

ويرى فيرميرن ان “هذا يدل على إدراك لضرورة التحرك”، لكن “المطالب الاجتماعية تبقى ملحة ولن يؤدي تغيير الوزراء الى تسوية كافة المشاكل”.

ويتابع “المتظاهرون لديهم مطالب اخرى ايضا، هم يطلبون الافراج عن المساجين”.

ودعت لجنة مساندة الحراك الاجتماعي الى التظاهر السبت في كل أنحاء المملكة إحياء لذكرى وفاة محسن فكري وللمطالبة بالافراج عن المعتقلين.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية