مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

توفير الخدمات الاساسية لسكان المناطق “المحررة” في غرب الموصل مهمة شبه مستحيلة

نساء واطفال ينتظرون امام عيادة متنقلة في غرب الموصل في 25 نيسان/ابريل 2017 afp_tickers

تحت شمس حارقة في مستديرة بغداد في غرب الموصل يقف عشرات من السكان في طابورين طويلين، واحد للرجال وآخر للنساء والاطفال ينتظرون بدون تأفف متى يحين دورهم للصعود الى شاحنة بيضاء بداخلها طبيب يعاينهم ويصف لهم الدواء وصيدلاني يعطيهم اياه مجانا.

هذه العيادة المتنقلة التي تقف على بعد عشرات الامتار منها عيادة أخرى مماثلة مخصصة للنساء الحوامل، هي الحل الذي وجدته المنظمات الاغاثية بدعم من منظمة الصحة العالمية ودولة الكويت لتوفير الرعاية الصحية الاساسية لسكان الاحياء التي استعادتها القوات الحكومية اخيرا من ايدي الجهاديين في غرب الموصل.

وكانت المعارك الشرسة بين الطرفين أدت الى تدمير البنى التحتية بالكامل.

وما يزيد من الحاجة الى هذه العيادات النقالة هو الحظر الذي فرضته القوات الحكومية على سير العربات المدنية في هذه “المنطقة العسكرية”، وذلك بسبب خشيتها من السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريو تنظيم الدولة الاسلامية، الامر الذي جعل انتقال المرضى الى العيادات الثابتة، إن وجدت، أمرا صعبا اذا ما كانت بعيدة عن منازلهم.

– عيادة نسائية –

يقول إيهاب عامر (31 عاما) الذي يعمل مع منظمة داري الانسانية غير الحكومية “نحن في منظمة داري لدينا مركز صحي ثابت في حمام العليل وست عيادات متنقلة إحداها عيادة نسائية تضم جهاز تصوير بالسونار وأجهزة متكاملة للكشف على النساء الحوامل، وتعمل فيها طبيبة”.

ويضيف ان “الكادر الذي يشغل هذه العيادات محلي ويتكون من عشرة أطباء وعشرة معاونين إضافة الى كاتب وسائق لكل عيادة نقالة. نحن ننشر هذه العيادات الست يوميا من الثامنة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر في العديد من الاحياء مثل الموصل الجديدة ووادي حجر وحي المنصور، وذلك وفقا لمناطق النزوح والاحياء المحررة”، مؤكدا ان “الاطباء في هذه العيادات الست يجرون 1250 مراجعة يوميا”.

وفي داخل العيادة النقالة المقسمة على صغر حجمها الى أقسام متعددة، يجلس الطبيب مصطفى محمود الى كرسي وأمامه تجلس عجوز سبعينية، يفحصها ويصف لها الدواء ثم يعطي الورقة للصيدلاني الواقف خلفه الذي يسلم الحاجة دواءها بعدما يكون الطبيب قد شرح لها كيف تتناوله.

ويقول الطبيب “أكثر الحالات التي نواجهها إضافة الى الامراض المزمنة هي أمراض ناجمة عن سوء التغذية لدى النساء وكذلك لدى الاطفال”.

ومن هؤلاء الاطفال الرضيعة رقية التي لا تكف عن البكاء بينما تحاول والدتها المراهقة اسكاتها بمصاصة، من دون جدوى.

تقف الام بعباءتها السوداء تحت لهيب الشمس حائرة بماذا تفعل بابنتها الشقراء التي تبكي من دون توقف. تقول “ليس لدي حليب لاطعمها، قبل ان يتدخل أحد الصحافيين الاجانب ليناولها قارورة ماء ويطلب منها ان تسقي ابنتها “لانها قد تكون مصابة بالجفاف” كما يقول. بضع قطرات من الماء تشربها الرضيعة فتتوقف عن البكاء وسط فرحة الام.

الماء اصبحت في هذه الاحياء المنكوبة عملة نادرة والسكان يدفعون ثمن “الجريكان” اي القارورة الكبيرة (17 ليترا) 2500 دينار (دولاران)، كما يقول راعي المحمد الصالح (21 عاما).

– “ولا قطرة ماء” –

ويضيف الشاب القصير القامة ببنيته الهزيلة “لا توجد لدينا اي قطرة ماء، منذ شهرين والمياه مقطوعة والمؤن نفدت”.

اما رفيقه عمر فيقول “انا بلاط وراعي هو معلم أجهزة تبريد ونحن اليوم عاطلان عن العمل وليس معنا أي مال بعدما كان كل منا يكسب مليون دينار شهريا” (800 دولار) قبل بدء الهجوم على غرب الموصل في 19 شباط/فبراير.

وليس بعيدا عن العيادتين النقالتين يجر الفتى سفيان (10 اعوام) عربة صغيرة عليها بضع حاجيات، في حين يجر شاب خلفه عربة مماثلة تجلس عليها امرأة مسنة لا تقوى على المشي، وذلك وسط مئات العابرين الذين يتنقلون سيرا على القدمين لعدم توفر سيارات.

اما المحظوظ من بين هؤلاء فهو من توفرت لديه دراجة هوائية او عربة تجرها دابة، فعندها يمكنه ان ينقل قطعة اثاث او كميات كبيرة من المواد الغذائية والمياه، كما هي حال ابو صلاح الخمسيني وحماره المربوط الى عربة خشبية قديمة قبل ان تستعيد اليوم مجدها الضائع.

ولكن الحكومة العراقية تحاول التخفيف من هذه المعاناة عبر توفير مياه الشرب للسكان بواسطة صهاريج، وتوزيع المساعدات الغذائية عليهم بالتعاون مع منظمات إغاثية، وفتح مراكز صحية وعيادات ثابتة، إضافة الى توفير حافلات او شاحنات عسكرية تنقلهم الى مراكز العبور حيث يصبح بامكانهم ان يستقلوا سيارة اجرة مدنية.

وعلى الرغم من كل هذه الجهود الا ان الحاجات تبقى أكبر بكثير في هذه الاحياء المنكوبة التي تفتقر الى أدنى مقومات الحياة، مما سيجعل معركة ما بعد “التحرير” أصعب بكثير من المعركة ضد الجهاديين، بحسب ما يؤكد الكثير من سكان هذه الاحياء.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية