مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري يعلن استقالته بشكل مفاجئ

صورة التقطت لرئيس الحكومة اللبناين سعد الحريري في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 afp_tickers

اعلن رئيس الحكومة سعد الحريري السبت بشكل مفاجئ من السعودية استقالته من منصبه حاملاً على إيران وحزب الله.

وأتى خطاب الحريري وسط حالة من التوتر الشديد بين السعودية وإيران وبعد عام على تكليفه رئاسة الحكومة التي شكلها في أواخر العام 2016.

ويخشى محللون أن تؤجج استقالة الحريري الوضع الداخلي اللبناني المعقد والهش اصلاً.

وقال الحريري (47 عاماً) في اعلان استقالته من الرياض “أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة اللبنانية”، واصفا ما يعيشه لبنان حالياً بما كان سائدا ما قبل اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتحدث عن أجواء “في الخفاء لاستهداف حياتي”.

والحريري، الذي ذهب إلى السعودية الجمعة في زيارة ثانية خلال أيام، التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

بدأ الحريري اعلان الاستقالة بمهاجمة ايران وحزب الله اللبناني، حليف طهران البارز في المنطقة. وقال إن إيران “ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، ويشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن”.

واعتبر الحريري أن إيران “زرعت بين أبناء البلد الواحد الفتن وتطاولت على سلطة الدولة وأنشأت دولة داخل الدولة وانتهى بها الامر ان سيطرت على مفاصلها واصبح لها الكلمة العليا والقول الفصل في شؤون لبنان واللبنانيين”.

ووصف الحريري حزب الله، المشارك في الحكومة، بـ”الذراع الايراني ليس في لبنان فحسب بل في البلدان العربية”. وأضاف “خلال العقود الماضية استطاع حزب الله للأسف فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه الذي يزعم أنه سلاح مقاومة وهو الموجه إلى صدور اخواننا السوريين واليمنيين فضلاً عن اللبنانيين”.

– ايران تنفي واسرائيل تشير الى “جرس انذار” –

وتوجه الحريري في خطابه الى ايران بالقول “أريد أن اقول لإيران واتباعها أنهم خاسرون في تدخلاتهم في شؤون الأمة العربية وسوف تنهض أمتنا كما فعلت في السابق وستقطع الأيادي التي تمتد إليها في السوء”.

وسارعت الخارجية الايرانية مساء السبت الى نفي اتهامات الحريري واعتبرتها “اتهامات لا اساس لها”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي ان “تكرار الاتهامات غير الحقيقية والتي لا اساس لها من الصحة الصادرة عن الصهاينة والاميركيين ضد ايران، على لسان رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، يثبت ان هذه الاستقالة سيناريو جديد لإثارة التوتر في لبنان والمنطقة”.

كما دخلت اسرائيل على خط ردود الفعل فاعتبر رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو ان استقالة الحريري تشكل “جرس انذار للمجتمع الدولي للتحرك ضد العدوان الايراني”.

وقال نتانياهو ان ايران “تسعى الى تحويل سوريا الى لبنان ثان”.

وكان الحريري كلف رئاسة الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بموجب تسوية سياسية أتت بحليف حزب الله الأبرز ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية بعد عامين ونصف عام من الفراغ الرئاسي.

وخاض الحريري منذ دخوله معترك السياسة قبل 12 عاماً مواجهات سياسية عدة مع دمشق وحزب الله، لكنه اضطر مراراً الى التنازل لهذين الخصمين القويين.

وقال الحريري في خطابه “اننا نعيش أجواء شبيهة بالاجواء التي سادت قبيل اغتيال الشهيد رفيق الحريري”، مضيفاً في تصريح مفاجئ آخر “لمست ما يُحاك في الخفاء لاستهداف حياتي”.

وكان والده رفيق الحريري قتل مع 22 شخصاً آخرين في تفجير ضخم استهدف موكبه في بيروت في العام 2005، واتهمت المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتياله خمسة عناصر من حزب الله بالتورط في العملية.

سطع نجم سعد الحريري في العام 2005، زعيماً سياسياً بعدما قاد فريق “قوى 14 آذار” المعادي لسوريا الى فوز كبير في البرلمان، ساعده في ذلك التعاطف معه بعد مقتل والده، والضغط الشعبي الذي تلاه وساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة من تواجده فيه.

وترأس الحريري الحكومة العام الماضي للمرة الثانية. وكانت المرة الاولى بين 2009 و2011 حين ترأس حكومة وحدة وطنية ضمت معظم الاطراف اللبنانيين، وأسقطها حزب الله وحلفاؤه وعلى رأسهم ميشال عون بسحب وزرائهم منها.

– “لن يعود” –

ويأتي خطاب الحريري بعد تصعيد كلامي من السعودية ضد إيران وحزب الله على لسان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، الذي التقى فيه قبل أيام في الرياض.

وسارعت رئاسة الجمهورية اللبنانية إلى اصدار بيان قالت فيه أن الحريري اتصل هاتفياً بعون لإعلامه بالاستقالة.

وأضافت الرئاسة أن “الرئيس عون ينتظر عودة الرئيس الحريري الى بيروت للاطلاع منه على ظروف الاستقالة ليُبنى على الشيء مقتضاه”.

ورأى استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية هلال خشان “هناك ضغوط سعودية رهيبة عليه، وهذا يعني أنه لن يعود إلى لبنان”، مضيفاً في حديث لوكالة فرانس برس “هذا قرار خطير، وله تبعات أكبر من أن يتحملها لبنان”.

وأوضح خشان أن “الحريري بدأ الحرب الباردة اللبنانية، التي ممكن ان تتحول إلى حرب داخلية”، محذرا أيضاً من تصعيد إقليمي ضد حزب الله قد يتحول إلى حرب عسكرية.

وقال خشان إنه إذا كانت الاستقالة تقع في إطار الحرب ضد إيران فإن “إيران سترد عبر دعم أذرعها في المنطقة”.

وشكلت استقالة الحريري مفاجأة سواء لحلفائه أو خصومه السياسيين في لبنان. وبمجرد موافقة رئيس الجمهورية عليها تتحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال.

وكتب النائب وليد جنبلاط، المقرب من الحريري، في تغريدة على تويتر “بصراحة فان لبنان أكثر من صغير وضعيف كي يتحمل الأعباء الاقتصادية والسياسية لهذه الاستقالة”.

وفي إشارة واضحة إلى العلاقة بين استقالة الحريري والتوتر السعودي الإيراني، كتب جنبلاط “كنت وسابقى من دعاة الحوار بين السعودية وايران”.

وفي أول تعليق من التيار الوطني الحر، الذي كان يرأسه عون ويعد من أبرز حلفاء حزب الله، قال وزير العدل سليم جريصاتي في تغريدة “ان استقالة الحريري ملتبسة ومرتبكة ومشبوهة في أربعة: التوقيت والمكان والوسيلة والمضمون”.

وأشارت الاستقالة جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتقد كثيرون الحريري ووصفوه بـ”الدمية” للسعودية، في حين اطلق انصاره هاشتاغا “نحن كلنا معك”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية