مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نازحون من غرب الموصل “يولدون من جديد” بعد فرارهم من الجهاديين

عراقيون يفرون من حي الزنجيلي في غرب الموصل في 3 حزيران/يونيو 2017 afp_tickers

من حي الزنجيلي في غرب مدينة الموصل، وبعدما حول الجهاديون سطح منزله إلى منصة للقنص، تمكن عويد عبود محمد متكئاً على عكازه من الفرار مع تقدم القوات العراقية، في رحلة يقول إنها جعلته يشعر وكأنه “ولد من جديد”.

وعلى وقع دوي الاشتباكات وغارات التحالف الدولي التي تستهدف الأحياء المتبقية تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، ويمكن رؤية سحب الدخان المنبعثة منها على بعد كيلومترات عدة، تواصل عشرات العائلات الموصلية العالقة بين خطوط الجبهات الفرار على دفعات.

في باحة مركز تابع للقوات العراقية عند حاجز العقرب في جنوب مدينة الموصل، ينقل إليه النازحون قبل توزيعهم على المخيمات، يقول عويد البالغ 75 عاماً لوكالة فرانس برس “أخذ الدواعش بيتي المؤلف من طابقين وأحضروا أربعة قناصة إلى السطح ثم أخرجونا منه”.

ويروي “بقينا قربهم نحو أسبوع وانتقلنا من بيت إلى بيت.. وعندما رأينا الجيش يقترب إلينا توكلنا على الله”، مضيفاً باللهجة العامية “اللي يموت يموت واللي يطيب يطيب”.

وكان عويد في عداد مئات الخارجين صباح السبت من حي الزنجيلي وأحياء مجاورة “تحت القصف والصواريخ وضربات الهاون”.

وتحاول القوات العراقية التقدم في الزنجيلي الذي باتت تسيطر على أكثر من أربعين في المئة منه، وأحياء أخرى في محيطه تمهيداً لتنفيذ الهجوم الاخير على المدينة القديمة حيث يتحصن الجهاديون.

ويأتي هذا التقدم في اطار هجوم واسع بدأته القوات العراقية بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن في 17 تشرين الأول/اكتوبر لاستعادة كامل الموصل. وتمكنت من استعادة الشطر الشرقي في نهاية كانون الثاني/يناير قبل أن تطلق معركة استعادة الشطر الغربي.

ولم يبق للجهاديين حالياً إلا أجزاء من أحياء في محيط القديمة، آخر معاقلهم التي يراهنون على الصمود فيها بسبب ضيق شوارعها وتلاصق مبانيها القديمة التي تعيق تقدم المدرعات العسكرية.

وعلى غرار العديد من المدنيين الفارين، يروي عويد بحسرة ظروف العيش خلال الأيام الأخيرة “في حياتنا لم نر مثل هذا الشيء.. منذ أربعة أيام كنا نبيت بلا مأكل”.

لكن حسرته تتبدد سريعاً حين يقول “تمكنت من الخروج، وأحسب نفسي أنني ولدت من جديد” لنجاته من الجهاديين رغم التجاعيد المحفورة في وجهه.

-“من النار إلى الجنة”-

على بعد أمتار عدة، تفترش سارة أدهم (75 عاما) الأرض غير آبهة بأشعة الشمس الحارقة وارتفاع درجات الحرارة.

وتقول المرأة التي ترتدي عباءة وحجابا أسودين بفرح بعد ساعات من خروجها من حي الزنجيلي “خرجت من النار إلى الجنة، كتب لي أن أعيش، أشعر أنني ملكة”.

فرت سارة مع ابنها وابنتها بعد أيام من اقتحام الجهاديين منزلها الواقع على خط تماس مع القوات العراقية.

وتروي “فكوا باب المنزل ودخلوا إلى الطابق العلوي فيما كنا نختبئ في السرداب”.

وتضيف “سمع ابني صوتاً فقلت له ربما قطة، وبعدما اشتدت الضجة صعدت لأرى، وإذ بي أجد الدواعش أمامي ويطلبون منا ترك البيت”.

حاولت رفض مغادرة منزلها، لكن الجهاديين هددوها بقتل ابنها أمام عينيها، مضيفة “عندها خرجنا وتركنا جنى العمر خلفنا”.

وحذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أن نحو 200 ألف مدني معرضون لخطر كبير في المراحل الأخيرة من معارك الموصل، في ظل تقارير عن استخدامهم من الجهاديين كدروع بشرية.

وقرب حافلة استظل بفيئها، يروي محمد عبدالله (43 عاماً) كيف أن الجهاديين “شددوا دورياتهم وقيدوا حركتنا مهددين إيانا بانتقالهم للسكن في منازلنا إذا شكوا بنيتنا في الهروب” في الأسبوع الأخير.

ويقول “اتفقت مع جيراني على المغادرة مهما كان الثمن، لأن الوضع لم يعد يحتمل. ضاقت الدنيا بنا (..) لم يعد لدينا إلا مياه الآبار للشرب والأطفال يعانون من حالات إسهال وحساسية”.

وبحسب مسعف كان يعاين مع زملائه المرضى داخل سيارات إسعاف متوقفة في المركز، فإن حالات الجرب تنتشر بشكل كبير في صفوف النازحين، يليها القمل ثم حالات الجفاف والإسهال، نتيجة انعدام مستلزمات النظافة والمياه.

-تدقيق أمني-

في باحة المركز الذي يشرف عليه جهاز مكافحة الإرهاب، كان عشرات من الشبان والرجال والعجزة يجلسون بشكل متراص على الأرض تحت خيمة. ينتظرون أن يحين دور كل منهم للتحقق من هويته. ويتذمر بعضهم من بطء الإجراءات مع ارتفاع درجات الحرارة التي لامست الأربعين درجة.

ويشرح الرائد في جهاز مكافحة الإرهاب علي أحمد المسؤول عن المركز إن التدقيق في هويات النازحين يتم عبرالتحقق “من البيانات الموجودة لدينا والمصادر الخاصة” في إشارة الى مجموعة من ثلاثة رجال على الاقل من إهالي الموصل، كانوا يجلسون جانباً ويتولون التدقيق في وجوه النازحين.

ويضيف “بهذه الطريقة نتمكن من فرز الداعشي عن المدني” مقدرا خروج نحو ألفي شخص يوميا من مناطق الاشتباك منذ اسبوع، يتم “توقيف أربعين داعشياً في صفوفهم تقريباً” كل يوم على قوله.

لدى مغادرتها مركز العقرب، تكتفي امرأة عجوز هاربة من الزنجيلي بالقول “لم نكن نغمض عيوننا خلال الليل. المهم اننا تخلصنا من هذا الهم ومن الأسود الذي حرق قلوبنا”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية