مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوحدات الكردية تقرر سحب قواتها من مدينة منبج في شمال سوريا

آليات تابعة لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، في مدينة منبج في شمال سوريا في 3 نيسان/ابريل. afp_tickers

أعلنت وحدات حماية الشعب الكردية الثلاثاء سحب آخر قواتها من مدينة منبج في شمال سوريا بعدما هددت تركيا مراراً بشن هجوم عليها، في خطوة من شأنها تخفيف حدة توتر طال بين أنقرة وحليفتها واشنطن.

في شرق سوريا، قتل 55 مسلحاً موالياً للنظام في هجمات متتالية شنها تنظيم الدولة الإسلامية خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية ضد مواقع لهم في محافظة دير الزور، الحدودية مع العراق.

ومنذ أسابيع، تشكل منبج محور محادثات مستمرة بين أنقرة وواشنطن، تم التوصل بموجبها الى “خريطة طريق” لتلافي وقوع أي صدام. وتنتشر في مدينة منبج قوات أميركية وفرنسية من التحالف الدولي.

وقالت الوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة “إرهابية” وتخشى أن تؤسس حكماً ذاتياً كردياً على حدودها، في بيان الثلاثاء، “قررت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب سحب مستشاريها العسكريين من منبج”.

وطردت قوات سوريا الديموقراطية، التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري، في آب/أغسطس 2016 التنظيم من منبج بعد معارك عنيفة وبغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

وأوردت الوحدات الكردية في بيانها انه بعد طرد التنظيم من المدينة جرى “تسليم زمام الأمور في منبج لمجلسها العسكري (…) وقامت قواتنا بالانسحاب من المدينة”، لكنها أبقت بطلب من المجلس المنضوي أيضاً في قوات سوريا الديموقراطية، “مجموعة من المدربين العسكريين (…) بصفة مستشارين عسكريين لتقديم العون للمجلس العسكري في مجال التدريب، وذلك بالتنسيق والتشاور مع التحالف الدولي”.

وقررت الوحدات سحب مستشاريها حالياً بعد “وصول مجلس منبج العسكري إلى الاكتفاء الذاتي” وفق البيان.

ولم يتطرق البيان إلى “خريطة الطريق”. إلا أن المتحدث باسم مجلس منبج العسكري شرفان درويش قال لوكالة فرانس برس الثلاثاء ان “هذا الانسحاب جاء بعد الاتفاق الأميركي التركي”.

ويأتي البيان غداة لقاء بين وزيري الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتركي مولود تشاوش أوغلو في واشنطن، أكدا خلاله “دعمهما لخريطة طريق” حول تعاونهما بشأن المدينة الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي وتبعد نحو 30 كيلومتراً عن الحدود التركية.

– انسحاب بعد اتفاق –

ولم تُنشر رسمياً تفاصيل اتفاق “خريطة الطريق”، إلا أن مسؤولاً في وزارة الخارجية الأميركية قال الثلاثاء أن الهدف منه هو “الإيفاء بالالتزام الأميركي نقل وحدات حماية الشعب الكردية الى شرق نهر الفرات”، لكن المسألة تتعلق “بإطار سياسي أوسع ينبغي التفاوض حول تفاصيله”، مشيرا الى ان تطبيقه سيتم “على مراحل تبعاً للتطورات الميدانية”.

وذكرت وكالة الأناضول التركية الأسبوع الماضي أن المرحلة الأولى تقضي بانسحاب القوات الكردية في موعد تحدده واشنطن. وفي مرحلة ثانية، بعد 45 يوماً من تاريخ 4 حزيران/يونيو ستجري عمليات تفقد عسكرية مشتركة بين الطرفين في المدينة، على أن تشكل لاحقاً إدارة محلية جديدة.

وأكد المسؤول الأميركي للصحافيين انه سيتم “تشكيل دوريات مشتركة” لكنه نفى وجود جدول زمني محدد. وأوضح “لن يكون الامر سهلاً. التطبيق سيكون معقداً. (ولكن) الجميع سيستفيدون منه لأنه سيؤمن استقرار منبج على المدى الطويل”.

واكتفى بالقول “سننتقل الى المرحلة المقبلة حين تنتهي الاولى”.

ولطالما أثار الدعم الأميركي للوحدات الكردية غضب تركيا، ما تسبب بتوتر متصاعد بين الدولتين الحليفتين، العضوين في حلف شمال الاطلسي. وزادت حدته الفترة الماضية مع تهديد أنقرة بشن هجوم على منبج، بعد سيطرة قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في أذار/مارس.

وحذر الباحث في المعهد الأطلسي أرون شتاين من أن انسحاب الوحدات من منبج لا يضمن عدم عودة التوتر. وقال “اذا تعرقل تطبيقها، قد يعود الفريقان إلى المربع الأول”، مشيراً إلى أنه على قوات سوريا الديموقراطية أن “تتخذ خطوات تمنع توسيع نموذج منبج ليشمل بلدات أخرى”.

من جهته قال مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة فرانس برس ان باريس “ستراقب بيقظة نموذج الحكم الذي سيطبق” بموجب هذا الاتفاق، مشددا على ان هذا النظام “يجب ان يكون تعدديا، وأن يمثّل السكان المحليين، وان يحظى بموافقتهم” سواء أكانوا عربا ام اكرادا.

– هجمات جهادية –

ورغم خسائره الكبرى على جبهات عدة في سوريا، كثف تنظيم الدولة الإسلامية خلال الأسابيع الماضية هجماته ضد قوات النظام والمسلحين الموالين لها في محافظة دير الزور انطلاقاً من جيوب صغيرة يتواري فيها في البادية السورية.

وقتل 55 عنصراً من المسلحين الموالين للنظام من جنسيات غير سورية، وفق حصيلة جديدة للمرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء، جراء معارك عنيفة أعقبت هجمات متتالية يشنها التنظيم منذ الأحد على قرى تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات، الذي يقسم المحافظة إلى قسمين.

وارتفعت الحصيلة اثر هجوم جديد شنه الجهاديون الثلاثاء في منطقة صحراوية جنوب البوكمال عند الحدود الإدارية بين محافظي دير الزور وحمص، وقتل خلاله عشرة مسلحين موالين للنظام بينهم ايرانيان، بحسب المرصد.

وينتشر في هذه المنطقة مقاتلون ينتمون إلى مجموعات شيعية من ايران والعراق وأفغانستان وحزب الله اللبناني.

وتمكن التنظيم جراء هجماته من السيطرة على أربع قرى بينها الرمادي والجلاء، ليقطع بذلك الطريق الرئيسية الواصلة بين مدينة البوكمال في اقصى الريف الشرقي ومدينة دير الزور، مركز المحافظة.

وبعد خسارته الجزء الأكبر من مناطق سيطرته في سوريا، لم يعد تنظيم الدولة الإسلامية يتواجد الا في جيوب محدودة موزعة ما بين البادية السورية ومحافظتي دير الزور والحسكة وجنوب البلاد.

من جانب آخر، قتل 11 مدنياً على الأقل بينهم خمسة أطفال في غارات للتحالف الدولي استهدفت قرية الجزاع الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في ريف الحسكة الجنوبي وحيث تخوض قوات سوريا الديموقراطية معارك ضد الجهاديين.

وقال التحالف الدولي لفرانس برس إنه على علم بهذه التقارير ويجري التحقيق فيها.

وفي تقرير الثلاثاء، اتهمت منظمة العفو الدولية التحالف بـ”انتهاك القانوني الدولي الانساني” في مدينة الرقة نتيجة غاراته الجوية التي قتلت مئات المدنيين وأدت إلى “تدمير” المدينة خلال معارك السيطرة عليها العام الماضي.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية