مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برنامج رمضاني يعرض للعراقيين بذخ نوابهم على موائد افطارهم

عراقي يصلي في احد المساجد خلال شهر رمضان afp_tickers

تتابع الكاميرا نوابا عراقيين، تدخل منازلهم الفخمة، ترافقهم اثناء تبضعهم، وتصورهم جالسين الى موائد عارمة، ضمن برنامج تلفزيوني رمضاني يثير جدلا في بلاد يعاني فيها الملايين العوز والتهجير جراء اعمال العنف.

وينقل “مسؤول صايم” (صائم) الذي تعرضه قناة “البغدادية” اسلوب الحياة الباذخ لنواب يتقاضون رواتب قياسية، ويتهمهم العراقيون بالفساد والتبذير، بينما يقول معدو البرنامج ان هدفه فضح النواب امام ناخبيهم.

ويوضح مدير القناة محمد حنون لوكالة فرانس برس “فكرة البرنامج هي لمعرفة الحياة الاجتماعية (للنائب) ومستواه المعيشي امام نسبة كبيرة من الشعب تعاني من الجوع والفقر”.

ويضيف ان الهدف “تسليط الضوء على حياة النائب (…) هو ليس للبهرجة، او لنظهر النائب بأحلى ملابس وأحلى اكل، لكنها رسالة للناس ان هذا هو مستوى الاشخاص الذين انتخبتموهم، هذا مستوى تفكيرهم”.

وتبث القناة البرنامج الذي تقارب مدته الساعة، عدة ايام في الاسبوع. وتبدأ الحلقة باستقبال النائب مقدمة البرنامج شيماء المياحي في باحة منزله، قبل الانتقال الى غرفة الجلوس حيث تحاوره بمسائل شخصية كالمستوى التعليمي والعائلة.

وبعدها ينتقل النائب مع المقدمة الى السوق حيث يقوم بالتبضع، غالبا في متاجر او اسواق لا يظهر فيها اي متبضع آخر، ثم يعودا الى المنزل قبل موعد الافطار، ليتناولاه سويا الى مائدة تضم اطباقا كبيرة منوعة، كالأرز واللحم والاسماك، اضافة الى اللبن والعصير والتمور والفاكهة.

ويلاقي البرنامج انتقادات واسعة في بلد تجاوز عدد النازحين فيه جراء اعمال العنف ثلاثة ملايين شخص منذ مطلع العام 2014، والذي تخلله هجوم كاسح لتنظيم الدولة الاسلامية. ويمضي عدد كبير من هؤلاء النازحين رمضان في مخيمات تحت الشمس الحارقة، ويقتصر افطارهم على وجبات متواضعة تقدمها منظمات اغاثة دولية او مؤسسات محلية.

ويقول ضياء محمد مهدي، وهو ميكانيكي يعمل في شركة خاصة، لفرانس برس، ان ما يقدمه البرنامج “استخفاف وقلة أدب بحق الشعب. فقر، مجاعة، نازحون، ناس مشردون والمئات يقتلون بالمفخخات (السيارات المفخخة) وغيرها (…) دون ذرة احساس من هؤلاء اللصوص”.

كما حفل موقع “فيسبوك” للتواصل الاجتماعي بانتقادات مماثلة.

وكتب مستخدم اسمه عمر عبد “مسؤول صايم ونص الي انتخبو (نصف الذين انتخبوه) نايمين بالشوارع، مسؤول صايم ونص الي انتخبو قتلوا بالمعارك”، ليضيف “لا قبل الله صومك ولا صلاتك”.

وعلق مستخدم باسم أشرف السعداوي، بأن البرنامج “استخفاف بمشاعر الشعب الفقير وظهور السياسي بكل صلافة ودون خجل”.

ويعد العراق من الدول الاربع الاكثر فسادا في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية. ولا يخفي النواب نمط حياتهم الباذخ، حيث يتقاضى كل منهم راتبا شهريا يقدر بنحو عشرة آلاف دولار اميركي، اضافة الى بدل ايجار يقارب 2500 دولار شهريا، ومخصصات لحراس وسيارات مصفحة.

ففي احدى الحلقات، سألت مقدمة البرنامج ضيفها النائب عن محافظة ديالى عبدالله الجبوري “هذا البيت الحلو الكبير المرتب، ملكك؟”، أجاب “لا والله ليس ملكي، هذا ايجار. انا بيتي كان اكبر من هذا حقيقة”، مشيرا الى ان ذاك المنزل تعرض للتدمير على يد تنظيم القاعدة في العام 2006.

اما النائب عن صلاح الدين شعلان الكريم، فاكد انه اعتاد الحياة المترفة منذ صغره. وقال ان منزل جده “كان بيتا كبيرا، قصرا كبيرا، لذا انا معتاد ان يكون البيت واسعا، ولا اقدر ان اعيش في شقق”، موضحا ان ايجار منزله الحالي في بغداد هو عشرات آلاف الدولارات سنويا.

في المقابل، حاول نواب آخرون الدفاع عن انفسهم بمواجهة الانتقادات.

وكتبت النائبة شروق العباجي على صفحتها على “فيسبوك”، “لمن انتقد فخامة المائدة التي قدمتها في برنامج مسؤول صائم على شاشة البغدادية، ارجو التمعن في محتوياتها جيدا، ستجدونها عبارة عن صحون مليئة بالسلطة والطرشي (المخللات) والشوربة والتمر واللبن، وهناك صحن كباب وآخر لسمكتين صغيرتين، وكان هذا عشاء عمل البغدادية الذي اشتغل لعدة ساعات لاخراج هذا البرنامج من اجل ترفيه المواطنين في شهر رمضان”.

وفي حين لم يجد معظم النواب حرجا في كشف وضعهم المالي، حاول بعضهم اخفاء جوانب من حياته الخاصة، لاسيما تعدد الزوجات.

وتقول مقدمة البرنامج شيماء المياحي ان نائبا فضلت عدم تسميته “رجاني عدم طرح سؤال عن زواجه من امرأته الثانية لئلا تحدث مشاكل عائلية”، وان نائبا آخر “رفض المشاركة اساسا، وقال لي بصراحة انه متزوج من ثلاث نساء، الا ان ايا منهن لا تعرف بالاخرى”.

وتوضح ان العديد من النواب الذين حرص معدو البرنامج على ان يكونوا من انتماءات متعددة، رفضوا المشاركة “لسبب اساسي هو الخوف من كشف مستواهم المادي وبحبوحة العيش التي اصبح الكثير منهم يتمتع بها”.

رغم ذلك، يبدو معدو البرنامج مقتنعين بانهم اوصلوا رسالة للناس.

ويقول حنون ان الجدل سببه “اظهار السياسيين على حقيقتهم من البذخ والاسراف (…) اعطينا رسالة من حيث لا يدري السياسيون تتلخص بالقول +هذا مستوى نواب الشعب وهذا مستوى تفكيرهم+”.

ويبدو ان الرسالة وصلت للبعض، ومنهم ياسر الصفار، صاحب متجر في بغداد.

ويقول لفرانس برس “البرنامج يحمل فكرة جميلة جدا ورسالة للمواطن الاعمى وللنازح الذي شرد وترك بيته، وللمقاتل الذي يدفع حياته: هؤلاء هم اللصوص الذين انتخبتموهم. الآن اصبحتهم تعرفونهم وتعرفون حياتهم”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية