مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“عندما يضيع الامل” – من مدونة مصور فرانس برس شاه مراي

شاه مراي مصور وكالة فرانس برس الذي قتل في اعتداء انتحاري في كابول في30 نيسان/ابريل 2018 afp_tickers

أعتبر شاه مراي كبير مصوري مكتب فرانس برس في كابول والذي قتل في اعتداء الاثنين ان “الامل الكبير” الذي أثارته اطاحة نظام طالبان في أفغانستان في 2001 حل محله القلق في السنوات الاخيرة مع تصعيد أعمال العنف وتراجع آفاق السلام.

وقُتل مراي الذي هرع في وقت مبكر الاثنين الى مكان هجوم انتحاري بتفجير ثان. وأوقعت العمليتان اللتان تبناهما تنظيم الدولة الاسلامية 25 قتيلا على الاقل وعشرات الجرحى.

شهد مراي الذي يعمل لدى فرانس برس منذ العام 1996 أحداثا مأساوية عصفت بالبلاد في العقدين الاخيرين. في ما يلي تجربته كما كتبها على مدونة الوكالة عام 2016.

– عندما يضيع الامل –

بقلم شاه مراي

الفترة بعد الاجتياح الاميركي كانت مفعمة بالامل. كانت سنوات الذروة. فبعد الظلام تحت حكم طالبان بدا وكأن أفغانستان أصبحت أخيرا على الطريق حول حياة أفضل لكننا اليوم وبعد 15 عاما نرى ان الامل ضاع والحياة أصعب من السابق.

بدأت العمل مصورا لدى فرانس برس ابان حكم طالبان في 1998.

كانوا يكرهون الصحافيين لذلك كنت اتفادى لفت الانظار وكنت أحرص على ارتداء الزي التقليدي في الخارج والتقط الصور مستخدما كاميرا صغيرة كنت أخفيها في شال ألفّه حول يدي.

كانت القيود التي تفرضها طالبان تجعل العمل صعبا للغاية اذ كان من الممنوع تصوير كل الكائنات الحية سواء كانت بشرا أو حيوانات.

في أحد الايام، كنت التقط صورا لطابور أمام مخبز. الحياة كانت صعبة آنذاك اذ كان الناس بلا عمل والاسعار في تصاعد. وعندها اقترب مني عناصر من طالبان وسألوني “ماذا تفعل؟”.

وأجبت “لا شيء. التقط صورا للخبز”. لحسن الحظ اننا كنا قبل عصر التصوير الرقمي ولم يكن بامكانهم التحقق مما اذا كنت أقول الحقيقة.

ونادرا ما كنت أوقع الصور باسمي واكتفي بكلمة “مراسل” لعدم لفت الانظار الي.

– بقيت وحدي –

لم يكن يوجد مكتب فعلي لوكالة فرانس برس آنذاك وكنا نستخدم منزلا في حي وزير اكبر خان نفسه الذي نعمل فيه حاليا. وكان الموفدون الخاصون يتناوبون في القدوم ونقصد الجبهة بانتظام في وادي شوملي حيث تحالف الشمال كان لا يزال صامدا ازاء طالبان.

الى جانب هيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي”، لم يتبق في كابول سوى ثلاث وكالات هي فرانس برس واسوشييتد برس ورويترز. ثم في العام 2000 تم طرد كل الصحافيين الاجانب وبقيت وحدي لادارة شؤون المكتب. وكنت اتصل بمكتب اسلام اباد لنقل الاخبار مستخدما هاتفا يعمل بالاقمار الاصطناعية.

تابعت اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر على تلفزيون بي بي سي ولم يخطر ببالي للحظة ان تكون لها تبعات على افغانستان. الا ان مكتب اسلام اباد حذرني بعدها بأيام “هناك شائعات بان الاميركيين سيشنون هجوما”.

بدأت الغارات بعدها بأقل من شهر واستهدفت في السابع من تشرين الاول/اكتوبر قندهار على الحدود مع باكستان والتي كانت حركة طالبان تتخذها عاصمة لها.

وبينما انا على اتصال مع مكتب اسلام اباد لنقل الخبر سمعت الطيران فوق كابول وكانت الغارات الاولى قرب المطار. لم اتمكن من النوم تلك الليلة لكن الخروج لم يكن ممكنا.

في صباح اليوم التالي، توجهت الى المطار في سيارتي وصادفت على مسافة قريبة العشرات من مقاتلي طالبان يرتدون لباسا أسود اللون. دنا مني واحد منهم قائلا “اسمع سأكون لطيفا اليوم ولن أقتلك لكن ارحل من هنا فورا”.

استدرت بسيارتي وعدت ادراجي تاركا السيارة عند المكتب. المدينة كانت مهجورة. عدت على متن دراجتي كأي شخص عادي وانا اخفي كاميرتي تحت وشاح ألفّه حول يدي. التقطت ست صور فقط في ذلك اليوم لم أرسل منها سوى اثنتان.

– يخرجون من الظلال –

ذات صباح، رحل طالبان وكأنهم تبخروا في الجو. كان منظرا لا يمكن تفويته فقد امتلات الشوارع بالناس وكأنهم يخرجون من الظلال الى نور الحياة من جديد.

وبدأ الزملاء بالقدوم على دفعات. أوفدت فرانس برس صحافيا ومصورا من موسكو على الفور وفجأة أصبحنا نحو 12 شخصا. وكابول اصبحت تسمى “جورنالستان” (ارض الصحافيين). ولم يكن المكتب يخلو أبدا من الناس.

ساعدت الجميع سواء لايجاد مسكن أو سيارة أو مترجم أوالطريق الامثل للتوجه الى مكان ما. وقام صديق مقرب لي بفتح فندق باسم “مضافة السلطان” وطلب مني مشاركته وليتني قمت بذلك فقد جنى ثروة!

رؤية كل هؤلاء الاجانب كانت أمرا لا يصدق بعد سنوات العزلة تحت طالبان. كانوا يأتون من كل انحاء العالم وترى مجموعات من الاطفال وهم يركضون أمامهم في الشوارع. اتذكر شابا يحمل دولارا ويقول مرارا “هذا أول دولار امسكه في حياتي!”.

كانت فترة مفعمة بالامال. سنوات الذروة. لم يعد هناك قتال في المدينة والشوارع مليئة بقوات من بريطانيا وفرنسا والمانيا وكندا وايطاليا وتركيا. وكان الجنود يقومون بدوريات راجلة في المدينة ويحيون المارة وهم يبتسمون بارتياح. كما كان بوسعى أن التقط لهم ما شئت من الصور.

وعاد السفر ممكنا الى كل مكان الجنوب والشرق والغرب فكل مكان كان آمنا.

ثم عادت حركة طالبان في 2004. في البدء في ولاية غزنة في جنوب شرق البلاد. لكنها بدأت بالانتشار كالوباء في 2005 و2006 . بعدها بدأت الاعتداءات في كابول واستهدفت اماكن يقصدها الاجانب. وانتهت ايام الفرح.

اليوم طالبان في كل مكان ونحن عالقون في كابول معظم الوقت فالمدينة مليئة بالكتل الاسمنتية للحماية من السيارات والشاحنات المفخخة. والناس باتوا يرتابون لرؤية شخص يحمل كاميرا. وغالبا ما يتصرفون بعدائية فهم لا يثقون بأحد خصوصا اذا كان يعمل لحساب وكالة أنباء أجنبية ويسألونك “هل انت جاسوس؟”.

– لم يعد هناك أمل –

بعد 15 عاما على الغزو الاميركي الافغان بلا مال أو عمل بينما طالبان على الابواب. وقد رحل العديد من الاجانب عند انسحاب القسم الاكبر من القوات الاجنبية في 2014 ورحلت معهم مليارات الدولارات التي كان يتم ضخها في البلاد.

أحنّ الى مرحلة ما بعد الغزو مباشرة. من المؤكد ان المدينة تغيرت كثيرا من 2001. فقد تم تشييد مبان جديدة وحلت الجادات العريضة محل الطرقات الضيقة كما ان علامات الحرب زالت تقريبا. ولم تعد ترى آثارا في المدينة باستثناء في قصر دار الامان. المتاجر مليئة بالسلع وكل شيء متوفر تقريبا.

لكن لم يعد هناك أمل. الحياة تبدو اصعب مما كانت عليه ابان حكم طالبان بسبب انعدام الامن. أخشى ان اصطحب اطفالي في نزهة. عددهم خمسة ويمضون الوقت في البيت.

كل صباح وانا في طريقي الى العمل ومنه افكر في السيارات التي يمكن أن تكون مفخخة وبالانتحاريين بين الحشود. لا يمكنني المجازفة لذلك لا نخرج من المنزل.

اتذكر جيدا صديقي وزميلي سردار الذي قتل مع زوجته وطفليه عدما كانوا في احد الفنادق بينما نجا نجله الاصغر وحده.

لم أشعر ابدا من قبل بان الافاق محدودة كما انني لا أرى مخرجا. انه زمن القلق.

ا ف ب/نات/نور

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية