تراجع جاذبية سويسرا للشركات متعددة الجنسيات
عندما يتعلق الأمر باختيار المكان المثالي لفتح مقر لإحدى الشركات الكبرى، أصبحت سويسرا تحتل مرتبة متأخرة مقارنة ببعض البلدان الأوروبية الأخرى مثل هولندا.
الأرقام المنشورة مؤخرا تظهر تراجع بلد جبال الألب من حيث هي البلد المفضّل لإستضافة المقر الرئيسي للشركات متعددة الجنسيات في أوروبا من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثالثة خلال السنوات الخمس الماضية. فهل حان الوقت لكتابة صفحة جديدة وعكس تطوّر الأحداث قبل فوات الأوان؟
تقرير أعلن عنه يوم الجمعة 26 أبريل، ولم تنشر نتائجه إلا يوم الإثنيْن الموالي (29 أبريل) تحت عنوان “سويسرا، إنهضرابط خارجي” شاركت في إنجازه كل من شركة McKinsey & Co للإستشارات ورابطة الشركات السويسرية EconomieSuisse وسويس هولدنغ (فدرالية تدافع عن مصالح الشركات متعددة الجنسيات الناشطة في القطاعيْن الصناعي والخدماتي والتي لها مقار في سويسرا) أرسل تحذيرا إلى هذا البلد الذي بدأ يخسر مع مرور الوقت أفضليته بالنسبة لاستضافة الشركات متعددة الجنسيات لصالح بلدان أوروبية أخرى مثل إيرلندا ولكسمبورغ والمملكة المتحدة وهولندا.
التقرير نبه إلى العديد من الأسباب، ففضلا عن العلاقة الملتبسة مع الإتحاد الأوروبي، ومشروع الإصلاح الضريبي الذي سوف يعرض قريبا على أنظار الناخبين، أشار إلى المزيد من نقاط الضعف الأساسية: نقص الكفاءات. وينص التقرير على وجه الخصوص على أنه “برغم وجود معاهد تقنية وعلمية ذات شهرة عالمية، فإنها لا يبدو أنها توفّر عددا كافيا من الكفاءات تسد الإحتياجات الملحة للمقار الرئيسية للشركات متعددة الجنسيات لهذا الصنف من الموارد البشرية”.
كانت الشركات متعددة الجنسيات ولا تزال جزءً مهمًا من النسيج الاقتصادي والاجتماعي في سويسرا منذ سنوات. على الرغم من كونها تمثل أقل من 5 ٪ من مجموع الشركات في البلاد، فإن الشركات متعددة الجنسيات السويسرية والأجنبية توفر 26 ٪ من جميع الوظائف وتساهم بثلث الناتج المحلي الإجمالي. كما أنها توفر ما يقرب من نصف جميع عائدات الضريبة الفدرالية على الشركات.
التأثير الهولندي
الرابح الأكبر خلال السنوات الخمس الماضية كانت هولندا. وفي الوقت الذي تراجع عدد الشركات متعددة الجنسيات المتنقلة عبر أوروبا التي اختارت كل من إيرلندا وسويسرا كمقار رئيسية لها خلال السنوات الخمس الأخيرة (تراجع بثلاث نقاط وثماني نقاط مائوية على التوالي)، ازداد عدد تلك الشركات بنسبة 7% في هولندا.
ونجد من بين هذه الشركات أوبر، ونيتفليكس ويونيكلو، وجميعها شيّدت لها مقرات رئيسية ومحلية في هولندا خلال السنوات الخمس الأخيرة. هذه الأخيرة باتت أيضا المقصد المفضّل للشركات المتخلية عن مقراتها الرئيسية في بريطانيا بسبب البريكسيت على غرار شركة باناسونيك.
فما ينقص بلد جبال الألب هو تموقعها المركزي، وضعف بنيتها التحتية، وعدم يسر الوصول إلى الأسواق في بقية البلدان الأوروبية. وبحسب التقرير، بعض رؤساء الشركات لم يستحضروا من الأصل سويسرا بسبب صعوبة الوصول إلى الأسواق التجارية. كذلك فضلوا هولندا لوجود بنية تحتية تشجع على الذهاب إلى مقار العمل بواسطة الدراجات الهوائية في مدن مثل أمستردام.
بصيص أمل
رغم ذلك هناك مساحات لا تزال سويسرا تحظى فيها بسبق مثل مجالات البحوث والتطوير وعلوم الإحياء. فبلد جبال الألب فاز بنسبة 26% من مجموع مراكز البحوث والتطوير التي أنشأتها الشركات متعددة الجنسيات، ما جعلها تحتل المرتبة الثانية ضمن المواقع التي شملها تقييم شركة McKinsey للإستشارات. ومن الاخبار السارة هو أن هذه المراكز تساهم أكثر في اجمالي الدخل المحلي بالنسية للفرد الواحد مقارنة بغيرها من العمليات الأخرى. ومن الأمثلة البارزة التي ذكرها التقرير شركة كوتي العالمية الناشطة في مجال التجميل وشركة أوراكل العملاقة في المجال التكنولوجي.
كذلك تظل شركات الأدوية والرعاية الصحية، خاصة في بازل من العوامل الجاذبة إلى سويسرا. فهذه المنطقة السويسرية تحتل المرتبة الأولى عالميا في مجال الانفاق على البحوث والتطوير بالمقارنة مع اجمالي الدخل على المستوى المحلي وكذلك يوجد فيها أعلى عددا لعدد لبراءات الإختراع في المجالات الصيدلانية بحسب كل مليون ساكن.
التقرير يسلط الضوء على حالات بعينها مثل شركة غوغل، التي تشغل حاليا ما يناهز عن 2000 عامل في سويسرا. ما يجعل من زيورخ المقر الرئيسي الثاني خلال عقد من الزمن لغوغل خارج وادي السيلكون. وأيضا شركة ألكون، أيقونة نوفارتيس، التي هي بصدد ترحيل مقرها إلى جنيف، وشركة أديداس التي تقوم بعملياتها وأنشطتها في لوتسيرن.
هل فات الوقت لتصحيح الوضع؟
لاتزال سويسرا تتمتع بإشعاع كبير وبنقاط قوة رئيسية من ذلك يسر ممارسة الاعمال التجارية ومستوى المعيشة الجيد وفق المدراء التنفيذيين للشركات المائة الذين تحاور معهم منجزو التقرير. لكن السلاسل الجبلية الشاهقة والجميلة، ودقة مواعيد قطاراتها لوحدها لم تعد كافية.
فقد كشف التقرير على أن بعض العوامل التي جعلت سويسرا في الماضي جذّابة للغاية، بما في ذلك موثوقيتها التنظيمية ، بدأت تتآكل. كما سلط التقرير الضوء على عدد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها، بما في ذلك علاقات سويسرا مع الاتحاد الأوروبي، والاتفاقيات التجارية الرئيسية، والتصويت المقبل على الإصلاح الضريبي والتصويت الوطني المحتمل على مبادرة الشركات المسؤولة.
القطاع الذي تبدو فيه سويسرا متأخرة نسبيا رغم توفر المواهب هو النقص الحاد بشكل خاص في المجال التكنولوجي. فقد اختار 3٪ فقط من شركات التكنولوجيا سويسرا في السنوات الخمس الأخيرة مقارنة بـ 18٪ في المملكة المتحدة و 11٪ في هولندا. كما خسرت سويسرا السباق لجذب الشركات الصينية مثل علي بابا، فقد استهوت 5 ٪ فقط من الشركات الصينية في حين استحوذت المملكة المتحدة على 24 ٪ منها.
ومقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، فإن عدد الخريجين في برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) منخفض ومن الصعب التعويض عن الإمداد بالمواهب السويسرية المحدودة مع أشخاص من خارج أوروبا بسبب السياسات التي تقيد هجرة المواطنين غير الأوروبيين. كما علق بعض المديرين التنفيذيين بأن هناك صعوبات أمام النساء للعمل في البلاد، مما قلص حجم العمالة.
التقرير يشير إلى أن التنقل داخل سويسرا يُعتبر محدودًا أيضًا. وعلق أحد المديرين التنفيذيين بأن شركته فقدت ثلث موظفيها عندما انتقل المقر الرئيسي إلى مدينة أخرى، على بعد 45 دقيقة من الموقع الأصلي. لكن إذا وضعنا أي اعتبارات سياسية جانبا، يقول المؤلفون إن سويسرا لديها كل العوامل اللازمة لمواصلة جذب الشركات. إنها تحتاج فقط إلى وصفة جديدة للنجاح.
المزيد
سويسرا لا زالت وجهة مُغرية للشركات الأجنبية
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.