مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البرلمان السويسري يريد تعزيز سيطرته على السياسة الخارجية

وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس
وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس يُتابع المداخلات خلال مناقشة توجّهات واختيارات السياسة الخارجية للكنفدرالية في مجلس النواب يوم 9 مارس 2023. © Keystone / Alessandro Della Valle

إيقاع السياسة الخارجية بطيء بطبعه. وهذا صحيح بشكل خاص بالنسبة لسويسرا. ولكن عندما تطرأ أزمة، يُمكن أن تبدو مواقف البلد وكأنها عصيّة على التفاعل مع المتغيّرات. في الأثناء، أظهرت فعاليات الدورة الربيعية للبرلمان، وجود طموح لدى المجلس التشريعي للتدخل فيها.

عندما هاجمت روسيا أوكرانيا، بدت الحكومة السويسرية متفاجئة، وقد تجاوزتها الأحداث. لعدة أيام، كانت تحاول صياغة موقف واضح ومفهوم. وفعلت الشيء نفسه عندما عمّت المظاهرات شوارع إيران أواخر عام 2022.

لقد كان الوضع حساسا بالنسبة لسويسرا، لأنها تمثل في نفس الوقت مصالح إيران في الولايات المتحدة ومصالح واشنطن في طهران. هل يجب عليها، كقوة حماية، أن تسمي الأشياء بمسمياتها وأن تُدين الأعمال الوحشية؟ سويسرا فضلت في هذه الحالة العمل من وراء الكواليس لإحداث التأثير المرغوب.

كذلك تصرفت سويسرا أيضًا بطريقة غير مفهومة تمامًا تجاه الاتحاد الأوروبي في عام 2021،. لسنوات، كانت سويسرا تتفاوض بشكل ودي مع بروكسل، على كل التفاصيل بشكل يدعو للهوس. ثم فجأة تخلت عن كل شيء ، وأنهت من جانب واحد المفاوضات بشأن الاتفاق الإطاري. حينها، لم تعد بروكسل تفهم سلوك برن.

المطلوب تعزيز المشاركة

في سويسرا أيضا، أصيب نواب البرلمان بالدهشة، لا سيما أعضاء لجنتيْ السياسة الخارجية في الغرفتيْن. فالسياسيات والسياسيون الذين لديهم إحاطة جيّدة بالشؤون الدولية رأو ا في هذا الانهيار المفاجئ للمفاوضات عملا استفزازيا من جانب الحكومة الفدرالية، أوجد وضعا لا يُمكن تداركه، دون مراعاة رغبات الشعب وممثليه من الرجال والنساء.

أضف إلى ذلك: هل هذا عمل ديمقراطي؟

حدث انهيار المفاوضات خلال جائحة كوفيد-19. وقبل ذلك بوقت قصير، كانت الحكومة الفدرالية قد سنّت نظامًا لقانون الطوارئ لتتمكن من إصدار قرارات خلال الأزمات بسرعة. لكن معظم البرلمانيين يرون أنه يجب التعامل مع ملف السياسة الخارجية بصيغة مختلفة، أي من خلال توجّهات موحدة، بل لعله من الأفضل أن تتم الأمور تحت إشراف مدروس.

خلال الدورة الربيعية الأخيرة، عالج البرلمان هذه المشكلة. وتم تقديم أربع ألتماسات بدت مُتناغمة ومتفقة على أنه يجب على الحكومة التشاور بشكل وثيق مع البرلمانيين.

انعكاس للعقلية السويسرية

قالت كريستا ماركفالدر المتحدثة باسم لجنة السياسة الخارجية بمجلس النواب: “في الملف الأوروبي، شعرت اللجنة بالتجاهل”. وطالبت بألا يتم في المستقبل مجرد إعلام البرلمان بالاستراتيجية الأوروبية للحكومة، بل يجب أن يُفسح له المجال رسميا لمُباركة تلك الاستراتيجية أو مناقشتها وربما رفضهارابط خارجي.

وقد وردت هذه الملاحظة تمهيدا لنقاش موضوعي حول مزايا وعيوب تقارب أكبر أو أقل مع الاتحاد الأوروبي. وأضافت كريستا ماركفالدر: “في هذه الحالة، فإن الوقت ينفد”.

وكانت نتائج التصويت متقاربة للغاية: 96 نعم مقابل 94 لا، مما يؤكد تشخيص مايكل هيرمان، الخبير في الجغرافيا السياسية، الذي قال: “يعكس الجدل حول أوروبا الحالة الذهنية لسويسرا. إنه دائمًا حالة من التوازن بين المؤيدين والمعارضين”.

استمر النقاش حول أوروبا مع المداخلة الثانية للجنة السياسة الخارجية بمجلس الشيوخ التي دعت الحكومة للدخول على الفور في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبيرابط خارجي. وحذر المتحدث باسم اللجنة رولان فيشر (حزب الخضر الليبراليين) من أن “العواقب المروعة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تظهر ما يحدث في سويسرا بخطى بطيئة”.

رجل يتحدث أمام مصدحين
يريد رولان فيشر، عضو مجلس النواب عن حزب الخضر الليبراليين إجراء مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. © Keystone / Alessandro Della Valle

بالنسبة للكثيرين، المسار بطيئ جدا

حاليا، لا تُجري سويسرا سوى محادثات استكشافية متقطعة مع الاتحاد الأوروبي. إنها تريد أن تعرف ما الذي يُمكن التفاوض بشأنه. وبالنسبة لكثيرين، فإن هذا المسار بطيء جدًا.

في المعسكر المقابل، فإن اليمين على وجه التحديد يدعو إلى التأنّي: “تحاول لجنة السياسة الخارجية دائمًا رسم مسار المفاوضات بنفسها بدلاً من ترك الأمر للحكومة الفدرالية”، كما أعلن النائب عن الحزب الليبرالي الراديكالي كريستيان فاسيرفالن، الذي يهدف من وراء ذلك إلى دعم وزير الخارجية الذي يشترك معه في الانتماء إلى نفس الحزب. أما روجيه كوبّـل، النائب عن حزب الشعب السويسري فيرى أن “البطء والتأني ميزة تُحسب لبلدنا”. ومرة أخرى، تم اتخاذ القرار بفارق ضئيل في الأصوات: 98 معرض مقابل 90 نعم و 8 احتفظوا بأصواتهم.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد طلبت لجنة السياسة الخارجية مرة أخرى المزيد من المشاركة. كما أشار الاشتراكي فابيان مولينا إلى أن توزيع الصلاحيات في السياسة الخارجية بين البرلمان والحكومة الفدراليةرابط خارجي “كان موضوع نقاش لسنوات عديدة”. وأضاف: “بشكل عام، نجحت الحكومة في رفضها للمراقبة اللصيقة من قبل الجمعية البرلمانية” (اي من طرف غُرفتي البرلمان مجتمعتين).

من حيث الجوهر، كانت الحكومة الفدرالية قد وافقت بالفعل على الطلب قبل هذه الدورة. وهو ما أدى – من الناحية الإجرائية – إلى اعتماد الاقتراح دون مناقشته.

هل يتصلب الموقف السويسري ضد النظام الإيراني؟

أخيرًا ، وجّه البرلمان لوما للحكومة الفدرالية في ملف آخر. وأشار عليها بضرورة دعم المجتمع المدني الإيراني والإنضمام إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد إيرانرابط خارجي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المُرتكبة في ذلك البلد.

وخلال المناقشة، دافع وزير الخارجية، إينياتسيو كاسيس، عن اتباع نهج آخر، يتمثل في “دور الطرف الثالث البناء” ولكن بدون جدوى. وقال كاسيس: “نحن نستخدم عن قصد مجال المناورة المتاح لنا في السياسة الخارجية لنتموقع بشكل مستقل في وضع مناسب للعب هذا الدور المحدد، بما في ذلك فيما يتعلق بتبني العقوبات”.

لكن البرلمان رفض هذا التوجّه، حيث تم قبول الاقتراح بأغلبية 105 أصوات مقابل 65 وامتناع 8 أعضاء عن التصويت.

مع الالتماسيْن الآخرين، ينتقل النقاش لاحقا إلى مجلس الشيوخ. ورغم أنه لم يتم سن أي قوانين بعدُ، لكن النقاش انطلق بعدُ.

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية