مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السكّين السويسري… خطر مستهان به؟

بتصميم يشبه فراء الفهد، أو ذات مظهر يحاكي الألومينيوم، أو تلك التقليدية أو ذات الغطاء الأحمر الشفاف؟ فتنويعات سكاكين الجيب السويسرية لا تعرف حدوداً. وكذلك الحال بالنسبة لوظائفها. حتى أنه هناك نموذج يضم شوكة مطوية لتناول وجبة الفوندو (ذات الجبن المذاب)، وهو نموذج "ريس الجبن" (Cheese-Master) © Keystone / Gaetan Bally

" الرجل الحقيقي هو من يحمل مطواة صغيرة في جيب بنطاله".  لزمن طويل، شاعت هذه المقولة في سويسرا. إلا أنها تحوّلت في الأثناء إلى موضوع جدالي لخطاب المساواة بين الرجل والمرأة. في المقابل، ما تزال عادة حمل السكين السويسري مستمرّة. وقد بدأت هذه الظاهرة تشمل النساء أيضا.

وفي سويسرا، غالبا ما يحمل الأطفال والطفلات السكين، أو “مطواة المخلاة”، كما تسمّى هنا. وهي ليست مطواة الجيش ذات فتَّاحة الزجاجات وسدّادات الفلين، بل تنويعات أخرى صغيرة وملونة منها، ذات شفرة قصيرة ومقصّ.

وباستثناء جرح صغير في الإصبع، لا يمثل هذا النموذج مخاطر كبيرة. وهناك نماذج تتناسب مع كل عمر وهواية. لكنّ الوضع في اليابان مختلف، فقد تمّ الحكم على رجل كان يحمل مطواة جيب سويسرية. وقد يحدث هذا في مكان آخر. فهل يتعلّق الأمر بخطر مُستهان به؟ 

خلال محاكمته في أوساكا، قال الرجل الياباني إنه كان يحمل سكين الجيب معه للاستعانة به في حالة وقوع كارثة طبيعية. ومع ذلك، لم تقبل المحكمة هذا التبرير.

حيث قالت إن حمل مطواة لهذا الغرض، يشترط وقوع كارثة مسبقة. وإلا فإن الأمر سيُنظر إليه بوصفه حمل أداة خطرة. وبناءً عليه، أدانت المحكمة الرجل، وغرّمته 9900 ينًّا (حوالي 60 فرنكاً سويسريا).

“هل ستُحظر المطواة الشهيرة؟”

قد لا يمكن تخيّل صدور مثل هذا الحكم في سويسرا. فصحيح أن القانون يُجَرِّم هنا أيضاً حمل أية أداة خطيرة، إلا أنّ من حمل مضرب بيسبول إلى مقهى أو مقصف يُعرّض صاحبه.تها لبلاغ أمام الشرطة، بينما لا يشكّل حمل المضرب نفسه إلى التدريب مخالفةً. لكنّ مطواة الجيب مستثناة من هذه الفئة بوضوح. كما أنها لا تعتبر سلاحاً.

فالمطواة المحظورة في سويسرا هي تلك التي يمكن فتحها بيد واحدة، مثل مطواة قرن الغزال وسكين الفراشة، وكذلك الخناجر ذات الشفرة المتناسقة. إذ تتطابق نماذج سكاكين الجيب مع قانون السلاح تماماً. وهذا التناغم هو أمر مقصود سياسياً.

جدير بالذكر، أنه قد حدث رد فعل فوري من البرلمان حينما سعت الحكومة الفدرالية في عام 2016، إلى إجراء تعديل طفيف على لائحة الأسلحة، وأرادت إدراج السكاكين والخناجر ضمنها، إذا ما كان طول شفرتها يزيد عن خمسة سنتيمترا.

وقد أثارت خطة الحكومة تلك “البلبلة” و”عدم الفهم”، مثلما كتب عضو مجلس النواب (الغرفة السفلى بالبرلمان الفدرالي) عن حزب الوسط، في التماسه الذي تساءل فيه: “هل سيتمّ حظر المطواة السويسرية الشهيرة؟”

لكن سرعان ما تبددت هذه الحالة من الضبابية. حيث أوضحت الحكومة أن تلك العبارة المقترحة لتقنين السكاكين القانونية، كانت بناءً على طلب قطاع تصنيع السكاكين، وأنها لا تمس المطواة السويسرية. بل إنها على العكس تسعى إلى الحيلولة دون تشديد اللوائح أكثر مما ينبغي. وبالتحديد يتعلق الأمر بعدم تجريم السكاكين شديدة القصر، مثل فتَّاحة المحار، لأنه من الصعب تخيل إساءة استخدام مثل هذه الأدوات، على حد قولها.

حوادث عنف فردية

ومن النادر جداً إساءة استخدام مطواة الجيب السويسرية. في واقع الأمر، لا تتوفر في سويسرا بيانات معتمدة في هذا الصّدد، لأن أجهزة الشرطة لا تقوم بتسجيل البيانات الخاصة بنوع السلاح المستخدم في أعمال العنف بالسلاح الأبيض. إلا أنه من خلال متابعة هذه القضية والجدل الدائر حول العنف باستخدام السكاكين، والذي زادت وتيرته في سويسرا بصورة واضحة (أنظر.ي الإطار)، يمكن استخلاص أن المطواة السويسرية قلَّما تستخدم كسلاح.

البحث في الإنترنت لا يكشف سوى عن حالات فردية: ففي عام 2020 اتُهم بريطاني بطعن صديق أمه باستخدام مطواة الجيش السويسري، وكان عمق الطعنة في الظهر حوالي سنتيمتراً واحداً، وفقاً لـ تقريررابط خارجي صحيفة “أوكسفورد ميل” (Oxford Mail).

وفي عام 2019، قام أوكراني بإخصاء مغتصب زوجته قرب مدينة خاركييف، وذلك باستخدام مطواة جيب سويسرية، بحسب ما كتبتهرابط خارجي الصحيفة البريطانية الشعبية “ذا صان” (The Sun)، استناداً لصحف محلية.


الشركة المنتجة “فيكتورينوكس” ترد

من جهة أخرى، فالأمر الأكثر شيوعاً هو التداعيات القضائية لحمل السكاكين. وهذا ليس فقط في اليابان. لذلك تنبّه شركة “فيكتورينوكس” (Victorinox) ذات النشاط العالمي والمنتجة لسكاكين الجيب السويسرية، على موقعها الإلكتروني، إلى التبعات القانونية لحمل السكاكين.

كما أنه يتعين على موظفي وموظفات البيع إرشاد الجمهور إلى تلك التبعات، وفق ما كتبته الشركة ردّاً على سؤالنا. حيث أشارت إلى أنه “على سبيل المثال، ففي المملكة المتحدة، حيث تطبّق لوائح أكثر تشدداً من باقي أوروبا، فإننا قد أوردنا معلومة في متجرنا، نحثُّ فيها عملاءنا وعميلاتنا على احترام اللوائح القانونية المحلية.”

فمنذ صدور “لائحة منع الجريمة” لعام 1953، قامت بريطانيا عدّة مرّات بتشديد قوانين السلاح بها، وفي الكثير من الأماكن يحظر فعليًا حمل السلاح. كما توجد بعض النسخ الإضافية، التي يسمح فيها فقط بحمل بعض الأسلحة داخل صندوق أدوات الصيد أو صندوق السيارة الخلفي.

وتطبّق كل من إسبانيا وهولندا بدورهما قوانين تميل إلى التشدّد في التعامل مع السكاكين. وداخل الاتحاد الأوروبي، تسمح أغلب الدول بحمل سكين ذات نصل يتراوح طوله ما بين سبعة وسبعة ونصف سنتيمتراً، وذلك شرط ألا يمكن فتحها بيد واحدة، أو أن تكون غير قابلة للطيّ. ولكنّ هذه اللائحة ليست موحّدة.

شركة فيكتورينيكس
بلغت أرباح شركة “فيكتورينوكس” السويسرية أكثر من أربعمائة مليون فرنكاً في عام 2022، ولكنها لم تقتصر فقط على مبيعات سكاكين الجيب. © Keystone / Gaetan Bally

من جانبها، تعترف شركة فيكتورينوكس بأنه من الصعب مراقبة الوضع القانوني، والذي يتغير أحيانًا خلال مهلة قصيرة، في جميع الأسواق. لذلك تفيد بأنه يجب إحالة الأمر إلى السلطات المحلية.

وتشرح بالقول: “لا يمكننا تقديم أي مشورة قانونية ملزمة.” حيث إنه قد تم الاتفاق تعاقديًا مع شركاء وشريكات المبيعات على أنه لا يُسمح لهم.هن ببيع السكاكين إلا وفقًا للقانون.

أمّا بالنسبة لتطوير المنتجات، فينصبّ التركيز على فهم سكين الجيب كأداة متعددة الوظائف للحياة اليومية.

تضيف الشركة: “معظم نماذجنا، بحكم تعريفها، لا تعتبر عنصرًا خطيرًا في معظم الأسواق. بالنسبة لبعض النماذج الأكبر حجمًا، تم تطوير الحل الفني بطريقة يمكن تكييفها وفقًا للمتطلبات القانونية، على سبيل المثال بالنسبة للنماذج التي تفتح بيد واحدة.”

ومع ذلك، يبدو أن الشركة المصنعة ليست مرتاحة تمامًا للموضوع، الأمر الذي يعني أيضًا مخاطر اقتصادية كبيرة لها. بدءًا من العام المقبل، تريد فيكتورينوكس إنشاء مكتب امتثال لمراقبة الشروط التنظيمية والمخاطر عن كثب.

مسألة شرف

وبالعودة إلى حكم الإدانة الذي صدر في اليابان، فقد كتبت الشركة المنتجة قائلة: إن شركة “فيكتورينوكس” تدرك بأن “اليابان تطبّق لوائح أكثر تشدداً”. واستدركت بأنّ هناك فسحة تقديرية كبيرة نسبياً في تأويل ذلك الحكم، “ممّا يعني أنّ الحكم صدر وفقاً لتقييم ظروف الواقعة.”

هذه الفسحة التقديرية هي ما يعوّل عليه الياباني نفسُه المحكوم عليه. فعلى الرغم من أنه قد عوقب بمبلغ يعادل غرامة إيقاف السيارة في مكان خاطئ، فإنه يرغب في الطعن في الحكم، وفق تصريح محاميه توشياكي تاكاي لـسويس إنفو (SWI swissinfo.ch). فالأمر بالنسبة لموكّله مسألةُ دفاع عن الشرف.

ترجمة: هالة فرّاج

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية