مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استياء وخيبة أمل بين قطاع كبير من المصريين بعد زيادة أسعار الوقود

زحام وتكدس أمام إحدى محطات الوقود بالقاهرة - أرشيف رويترز. reuters_tickers

من محمود رضا مراد

القاهرة (رويترز) – ربما تشجعت الحكومة المصرية بالشعبية الواسعة التي يحظى بها الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي خاصة بين البسطاء عندما قررت فرض زيادات كبيرة على أسعار الوقود بدءا من يوم السبت لكن القرارات قوبلت بحالة من الاستياء وخيبة الأمل من قطاع كبير من شعب يعاني منذ سنوات.

وزادت أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي للسيارات بنسب تتراوح بين 40 و175 بالمئة. كما رفعت حكومة رئيس الوزراء إبراهيم محلب أسعار الغاز الطبيعي لمصانع الأسمنت والحديد والصلب بين 30 و75 بالمئة.

وتنعكس أسعار الوقود على جميع مناحي الحياة في مصر تقريبا وتتوقع الحكومة أن تؤدي زيادة أسعار الوقود إلى ارتفاع التضخم فوق حاجز العشرة في المئة.

وبدأت الحكومة منذ فترة في تهيئة الرأي العام لزيادة أسعار الوقود في مسعى لإصلاح منظومة الدعم الذي يلتهم 20 بالمئة من الموازنة العامة للدولة وهي خطوة محفوفة بالمخاطر السياسية.

لكن يبدو أن هذه الحملة لم تحقق الهدف منها.

وقالت سيدة مسنة تستقل حافلة ركاب صغيرة قرب ميدان رمسيس بوسط القاهرة بعد علمها بزيادة الأجرة “الحاجة غليت مش عارفين نروح ولا نيجي … الرئيس عمل ايه طيب؟! الرئيس يرخص لنا الدنيا .. امال احنا انتخبناه ازاي؟!”.

وزيادة تعريفة المواصلات هي أول تأثير مباشر على حياة البسطاء في مصر ممن لا يملكون سيارات خاصة وهم الفئة الغالبة في المجتمع. وتحدث مراسلون محليون لرويترز في عدة محافظات عن زيادة في تعريفة المواصلات وصلت في بعض الأحيان إلى 100 بالمئة.

وتعد الحافلات الصغيرة (الميكروباص) وسيلة النقل الأساسية لقطاع كبير من الشعب المصري. وأضرب سائقو الميكروباص وسيارات الأجرة بمناطق مختلفة للمطالبة إما بالتراجع عن زيادة الأسعار أو بزيادة الأجرة بشكل رسمي حتي يتجنبوا المشاحنات مع الركاب.

وذكرت تقارير أن قوات الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق سائقين محتجين قرب ديوان عام محافظة الإسماعيلية بمنطقة القناة. ووقعت اشتباكات بالأيدي بين عشرات من السائقين وقوات الشرطة.

وقال ايهاب محمد وهو سائق ميكروباص يعمل بالسولار “70 قرش في اللتر مينفعش.. كانوا الأول بيزودوا بالربع جنيه وبالخمسة وتلاتين قرش.”

وتقرر زيادة سعر السولار إلى 1.80 جنيه للتر من 1.10 جنيه أي بزيادة 63 بالمئة. وأصبح سعر البنزين 80 اوكتين 1.60 جنيه للتر بزيادة 78 بالمئة عن السعر الحالي 0.90 جنيه.

وبلغ سعر البنزين 92 اوكتين 2.60 جنيه للتر بزيادة 40 بالمئة عن السعر السابق البالغ 1.85 جنيه فيما وصل سعر البنزين 95 أوكتين للسيارات الفاخرة التي تمثل نسبة محدودة من العربات في مصر إلى 6.25 جنيه للتر بارتفاع سبعة بالمئة عن مستواه الحالي البالغ 5.85 جنيه.

وقال السائق ايهاب “الناس الغلابة انتخبت السيسي عشان قالهم في الأول: الناس دي طيبة واحنا عنيهم والناس غلبانة والناس تعبانة.. الناس فعلا تعبانة.”

وأضاف “الناس الكبيرة (الأثرياء) عايشين مية مية وبياكلو وبيشربوا مية مية.”

ورفعت حكومة محلب سعر الغاز الطبيعي للسيارات إلى 1.10 جنيه للمتر المكعب من 0.40 جنيه حاليا أي بزيادة 175 بالمئة.

وقال رامي رمزي وهو سائق سيارة أجرة تعمل بالغاز الطبيعي “احنا مش عارفين ندفع أقساط (السيارة) عشان يغلوا الحاجة علينا … احنا كدة حرام مش عارفين نشتغل ولا نعمل ايه؟!”

ولا يقتصر أثر زيادة أسعار الوقود على أصحاب السيارات أو الركاب لكن تأثيرها يمتد إلى قطاعات كبيرة أخرى.

ومن المتوقع أن ترتفع أسعار سلع غذائية واستهلاكية نتيجة ارتفاع تكاليف التصنيع والنقل والشحن بعد زيادة أسعار الوقود باستثناء الخبز المدعم الذي لم ترتفع أسعار الطاقة الموجهة له.

ويعيش نحو 25 مليونا من سكان مصر البالغ عددهم نحو 85 مليون نسمة تحت خط الفقر ولا تواجه دخول المصريين زيادات الأسعار المحتملة في جميع السلع والخدمات.

وقال شاب وهو يستقل سيارة ميكروباص عن رأيه في زيادة أسعار الوقود “هتأثر عليك في كل حاجة. في الشرب والأكل والمواصلات والعيال والشغل وكل حاجة هتتـثر. الناس دي كلها هتاكل منين وتشرب منين ده حرام يعني؟!”

وأضاف ردا على سؤال حول توقعاته لردود الفعل في حال غلاء أسعار السلع نتيجة للزيادات في أسعار المحروقات “ايه اللي هيحصل؟ الدنيا هتولع.. خلاص هتقوم ثورة جياع!”

وشهد الاقتصاد المصري تدهورا كبيرا منذ انتفاضة يناير كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك وتضررت السياحة والاستثمار جراء القلاقل السياسية في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.

وترى الحكومة أن الخطوة التي أقدمت عليها ضرورية. وقالت إنها ستعمل على التخلص من دعم الطاقة بشكل تام خلال ثلاث إلى خمس سنوات.

وقدرت هيئة البترول المصرية أن رفع أسعار المواد البترولية سيوفر نحو 42 مليار جنيه للدولة بواقع 32 مليار جنيه من زيادة أسعار المواد البترولية والغاز لقطاع الصناعة والمواطنين ونحو 10 مليارات جنيه من رفع أسعار الوقود لمحطات الكهرباء.

وقال رئيس الوزراء إبراهيم محلب في مؤتمر صحفي يوم السبت “لازم نواجه علشان شعبنا ومنخفش إلا من الله.. ولا نخشى من الصوت العالي.”

وأضاف “ازاي أنا هحقق عدالة اجتماعية بأي منطق وأنا قاعد أدعم الغني على حساب الفقير.”

ودعا الشعب إلى التكاتف ودعم قرارات الحكومة لتحقيق الاصلاح الاقتصادي.

ودعت حكومات متعاقبة إلى اصلاح الدعم لكن أيا منها لم يجرؤ على فرض زيادات كبيرة في الأسعار خوفا من رد فعل الشارع.

وقال مواطن يدعى اسحق تعليقا على قرارات الحكومة “هو إذا كان هيساعد في تخفيف الديون فده قرار كويس لأن الديون دي علينا احنا مش على الحكومة.”

وأنفقت الحكومة المصرية التي تعاني ضائقة مالية نحو 144 مليار جنيه (20 مليار دولار) أو ما يوازي 20 بالمئة من الموازنة على دعم الطاقة في السنة المالية 2013-2014 التي انتهت في 30 يونيو حزيران.

وتخطط مصر لإنفاق حوالي 127 مليار جنيه توازي حوالي 16 بالمئة من ميزانيتها على دعم المنتجات البترولية والكهرباء في السنة المالية 2014-2015.

لكن الناشط اليساري كمال خليل قال على حسابه على فيسبوك “رفع أسعار البنزين سيضيف للموازنة ويحسنها ببضعة مليارات لكنها مأخوذة من جيوب الفقراء والطبقة الوسطى.”

(شارك في التغطية الصحفية للنشرة العربية فريق تلفزيون رويترز بالقاهرة وعمر فهمي – تحرير أحمد حسن)

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية