تصاعد المعارضة لـ “عمليات تجميل” جبال الألب السويسرية
تقوم عددٌ من المنظمات البيئية السويسرية بمُكافحة مشاريع البناء المُذهلة، التي تُشَيَّد على قِمَم الجبال التي تشتهر بها البلاد. وحَسب مؤسسة حماية المناظر الطبيعية السويسرية، تُظهِر أحدث هذه المشاريع مُجدّداً كيف يُمكن تحويل عالم الجبال إلى ساحات لَـعبٍ تدُر الأرباح الضخمة.
ويمكن القول أنه قد تم وضع الخطوط العريضة “للمعركة” القائمة بين شركات النقل العامِلة في الجبال والتي تَقف وراء هذه المُخططات وبين دُعاة حماية البيئة الذين إتَّـحدوا للحفاظ على قِمم جبال الكنفدرالية من “مِشرَط تجميل” هذه الشركات.
ومن جهته، قام نادي جبال الألب السويسرية (SAC) بتقديم شكوى جديدة حول هذا الموضوع، يُعارض فيها تحويل جبل “ماترهورن الصغير” (3883 متر فوق مستوى سطح البحر، والذي يتباهى بكونه أعلى مِنصة للرَصد في أوروبا) والواقع ضمن جبال الألب في كانتون فالي، إلى منطقةٍ لمُزاولة التزلّـج على الجليد.
ويخشى النادي ومؤسسات حماية الطبيعة من مُخططات مجلس قرية زيرمات (كانتون فالي) لإعادة تقسيم المنطقة المُحيطة بالشقيق الأصغر لجبل ماترهورن الشهير، والتي قد تُمَهِّـد الطريق لإنشاء الفندق والمطعم الذي خَطَّطَت له شركة سكك حديد زيرمات الجبلية منذ عام 2006.
ومن المتوقع أن يؤدي تنفيذ هذا المشروع إلى إنضمام جبل “ماترهورن الصغير” إلى مجموعة الجبال التي يزيد إرتفاعها عن 4000 متر، بسبب تَصميمه الذي يأخذ هيئة بُرج معدني يرتفع إلى علو 117 متراً.
ومن جهة أخرى، يحارب كلٌ من نادي جبال الألب السويسرية ومُنظمة الحِفاظ على الطبيعة في سويسرا “بروناتورا” ومؤسسة حماية الطبيعة السويسرية، ضد مشروع آخر يهدف إلى إنشاء مِنصة رَصد معدنية الهيكَل على جبل “ستوكهورن” (2190 متر فوق مستوى سطح البحر)، الواقع في المناطق المرتفعة الريفية من العاصمة برن “بيرنير أوبرلاند” والتي يُفتَرَض أن تخترق قمة هذا الجبل على شكلٍ دائرة تشبه الحلقة في الأنف.
حمّى المنافسة
وتوجه هذه المُنظمات إنتقاداتها لشركات السياحة، مُتهمة إيّاها بعَدم الإكتراث بالمناظر الطبيعية للجبال، في سَعيها المَحموم للحِفاظ على خُطوة إستباقية والتنافس على إنشاء هياكل وأبنية إستعراضية مُذهلة على قِمَم هذه الجبال الشاهقة.
وفي اعتراضاتها، تدَّعي هذه المنظمات بأن هذه المشاريع هي جزء من “سباق تسلح” بين شركات النقل العاملة في جبال الألب السويسرية والتي تُدير مصاعد التزلّج وغيرها من البُنى التحتية للجبال، التي تتضمن التلفريك بالإضافة إلى الفنادق والمطاعم.
وهناك بعض الحقيقة في هذا الجدَل الدائر، إذ توجد في الكنفدرالية اليوم أكثر من 500 شركة تملك أنظمة كابلات للنقل في الجبال، وهي تُدير مجموعة تقرب من نحو 1800 تلفريك ومصعد تزلّج وقاطرات مُسننة ومُعلَّقة.
ومن جهته، قال ألفريد شفارتز، الرئيس التنفيذي لشركة قاطرة “ستوكهورن”، التي تنقل الزوار إلى المطعم الفسيح على قمة هذا الجبل في مقابلة مع swissinfo.ch، بأنه “من الضروري تقديم ما هو أكثر من المناظر الخلابة للسيّاح، من أجل البقاء في هذا النوع من العمل على المدى الطويل”.
ووفقاً لشفارتز، سيتَمَتَّع الزوار بفرصةِ الوقوف خارج جبل “ستوكهورن” والشعور بأنهم “مُتسلقون حقيقيون” يتشبثون بسطحِ الجبل العمودي القريب، بِفَضل الهيكل الفولاذي الفريد من نوعه. ويصل المبلغ المُخطط إستثماره في هذا المبنى إلى نصف مليون فرنك. ومن المتوقع أن تُسترَد عائدات هذا الإستثمار خلال سنواتٍ قليلة، من خلال الدخل الإضافي المتحقق، نتيجة جَذب المشروع لأعداد إضافية من الزوار تُقَدَّر بنحو 8 – 10%.
نوع من النفاق
وفي حين يقول شفارتز بأنَّه كان يتوقع إعتراضات المنظمات البيئية، إلا أنه يتهم نادي جبال الألب (SAC) بـ “النِّـفاق” في الوقت نفسه، نظراً لامتلاك النادي وإدارته لعددٍ كبير من الأكواخ الجبلية السياحية.
وللبَرهنة على كلامِه، ضَرَبَ شفارتز مثلاً بالقول: “يقوم نادي جبال الألب بِبناء وإدارة بعض الأكواخ الجبلية الكبيرة جداً. خذوا على سبيل المثال كوخ “مونتي روزا”، الذي إفتُتِح مؤخراً والذي يمَثِّـل كارثة بسبب ما يدَّعيه من إستخدامه للطاقة المُتجددة”. وهنا يشير شفارتز إلى حقيقة جَلب غاز البروبان وزيت بذور اللفت (الكانولا)، المُستخدمَين لِتزويد المطبخ الفائق التكنلوجيا بالطاقة الكهربائية، بواسطة طائرات الهليكوبتر.
ويصر الرئيس التنفيذي لشركة قاطرة “ستوكهورن”، بأنَّ مِنَصّة الرصد الحلقية الشكل، والتي يُفترض تثبيتها لِتَمتَد على بُعد 8 أمتار من الجبل (وبإرتفاع مترين ونصف المتر)، لن تُشوه مظهره الطبيعي. يأمل شفارتز في الحصول على موافقة السلطات المُختصة على طلب بناء المِنصة، ليتم الإنتهاء من إنشائها خلال الموسم الشتوي 2011 – 2012.
مع ذلك، ونظراً إلى نظام الضوابط السويسري، يَحِقُّ لإئتلاف المنظمات البيئية المُعارِضة الطعن في المشاريع التي قد تؤثر على المناطق المَحمية أو التي تتطلب تحولاً أو إعادة هيكلة أو تقسيم لمنطقةٍ ما. وكثيراً ما تنجح قضايا من هذا النوع عند عَرضِها أمام المحاكم.
وفي حين يتطلب المشروع “الحلم” على جبل “ماترهورن الصغير” إجراء بعض التحويلات في المنطقة ليَظهر إلى الوجود، ترى جماعات حماية البيئة بأن “إختراق” الحلقة الدائرية لقمة جبل “ستوكهورن”، تشكل خطراً على حماية المناظر الطبيعية وبأن هذا الجَبل جزءٌ من المناظر الطبيعية المَحْمية.
كل حالة على حدة
وحسب لوكاس بولمان، الذي يعمل في الرابطة السويسرية للتخطيط الإقليمي VLP-ASPAN، تنظر المحاكم السويسرية في كل حالة على حِدة من أجل إتخاذ قراراتها عند ظهور حالات كهذه.
وصرَّح بولمان لـ swissinfo.ch قائلاً: “في حال وجود كابلات للنقل (كالتلفريك) أو غيرها من البُنى التحتية في منطقة جبلية مُسبقاً على سبيل المثال، سيكون الحصول على موافقة أسهل. ويختلف الأمر من حيث المبدأ عمّا سيكون عليه مع جبلٍ لم تمَسَّه أيدي البشر أو يقع في منطقة مَحْمية”. وأردف بالقول: “في حال وصول قضية كهذه إلى المحكمة الفدرالية، سيرتكز التقييم على ضخامة الهيكل الجديد وعلى مدى تأثيره على المنظر الطبيعي”.
ومن ناحيته، قال ريموند روديفالد، مدير مؤسسة حماية المناظر الطبيعية في سويسرا، بأن مشاريع البناء الأخيرة تُظهر مَرَّة أخرى، وبشكلٍ مُتزايد، كيفية تحويل البيئات الطبيعية وعالم الجبال إلى “ملاعب” مُدِرة للأرباح، يَسهَل الوصول إليها كما لو كانت مراكز تسوّق أو دور السينما. وحسب كلماته فإن “تغطية الجبال للوصول إليها من خلال كابلات النقل، هو جزءٌ سلبي مُسبقاً في تاريخ السياحة السويسرية. ونحن نعتقد بأن القضية تحولت إلى مُناقشة أخلاقية”.
واختتم ريموند حديثه بالقول: “لا يقتصر الأمر على تدمير عالم الجبال، ولكنه تعدّى ذلك إلى موقفنا تجاه الطبيعة بصورة عامة أيضاً”.
ظهرت أول الفنادق على قِمَم الجبال في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. ووصلت أول طفرة للبناء ذروتها خلال الفترة المسماة بـ “العصر الجميل” Belle Epoque (التي بدأت في أوروبا بشكل خاص أواخر القرن التاسع عشر واستمرت حتى الحرب العالمية الأولى).
ولم يكن بالإمكان الوصول إلى أول هذه الفنادق إلا سيراً على الأقدام أو بإستخدام البغال. واستُعيض عن هذه الطُرق تدريجياً بكابلات النقل (التلفريك) وقاطرات السكك الحديدية المُسننة.
أكثر هذه الطرق إثارة، هو خط سكة حديد يونغفراو المُسَنَّنة، التي بدأ العمل فيها في عام 1896 لِتُنجَز في عام 1912. وتقود قاطرات هذه السكة، السياح خلال أنفاق في جبال “أيغر” Eiger و”مونخ” Mönch وإلى ممر “يونغفراو يوخ” Jungfraujoch الجبلي على إرتفاع 3454 متر فوق مستوى سطح البحر.
أمّا فترة الإزدهار الثانية، فقد بدأت خلال ستينيات القرن الماضي، عندما تعززت السياحة بفضل الإنتعاش الإقتصادي الذي شهدته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وهنا، أصبحت القاطرات المعلَّقة (التلفريك) والمقاعد المُثَبَتة على الكابلات والمصاعد الهوائية، وسائل النقل الميكانيكية المُختارة والتي كانت تعكس في نفس الوقت مستوى الرُقي في جبال الألب.
وفقاً للرابطة السويسرية لصناعة القاطرات المُعلَّق، التي تمثل مصالح أكثر من 500 شركة تختَص في تصنيع هذا النوع من القاطرات، تعمل في الجبال السويسرية اليوم، 1796 قاطرة مُعلَّقة ومصاعد تزلج، وقاطرات مُسَنَّنة وسكك حديدية مُعّلَّقة.
تنقل أعلى قاطرة مُعلَّقة السياح إلى إرتفاع 3820 متر فوق مستوى سطح البحر على مسافة قصيرة، أسفل قمة جبل “ماترهورن الصغير” Klein Matterhorn.
كذلك تقدِّم سويسرا لِسُياحها أول قاطرة معلّقة (تلفريك) دوارة، تحمل إسم (Titlis)، بالإضافة إلى قاطرة معلّقة بطابقين (Samnaun-Ravaisch)، تعتبر الأولى من نوعها في العالم، من خلال وضعها لمعايير جديدة لهذا النوع من تكنلوجيا النقل. وتبلغ الطاقة الإستيعابية لهذه القاطرة، 180 شخصاً، كما أنَّها تختصر فترة الإنتظار إلى الحد الأدنى، بِنَقلها 1620 شخصا في الساعة.
كما تُخَطِط سويسرا لإنشاء قاطرة مُعلَّقة (تلفريك) تمتاز بِسطحها العلوي المفتوح (Stanserhorn).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.