
السعودية تعزز نفوذها في سوريا عبر الاستثمارات والمساعدات الإنسانية (خبراء)

استعاد الطفل السوري محمد حصرم المبتور الذراعين قدرته على استخدام القلم والرسم بعدما ركّب أطباء سعوديون ذراعين اصطناعيتين له، في إطار حملة مساعدات وكذلك استثمارات قال خبراء إنها تعزّز نفوذ المملكة الخليجية في سوريا.
منذ إطاحة بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، قدمت السعودية دعما سياسيا واقتصاديا وإنسانيا للنظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع الذي كانت الرياض أول عاصمة يزورها في شباط/فبراير الماضي.
وقال حصرم لوكالة فرانس برس “الآن باستطاعتي ان استخدم القلم مجددا وارسم والعب مع رفاقي”. فقد الفتى البالغ عمره 13 عاما ذراعيه جرّاء انفجار جسم متفجر في بلدته معرة النعمان في إدلب في شمال سوريا، ترك ندبات واضحة على وجهه.
ويرى خبراء أنّ “الدبلوماسية الناعمة” التي تنتهجها السعودية عبر المساعدات والاستثمارات تندرج في إطار استراتيجية أوسع لكسب “سوريا الجديدة”.
وقال المحلل عمر كريم، الخبير في السياسة السعودية بجامعة برمنغهام، إنّ “الهدف الرئيسي هو إبقاء سوريا ضمن المعسكر السعودي، والحفاظ على توافق الموقف السوري في القضايا المتعلقة بلبنان وحزب الله وإيران”.
وتابع إن الرياض تسعى “كذلك إلى ترسيخ مكانة السعودية كأخ خليجي كبير وحيد، بحيث لا تطغى جهود أو نفوذ دول الخليج الأخرى على جهودها. وأخيرا، تحقيق التوازن في مواجهة النفوذ التركي في البلاد”.
وتبرز قطر وتركيا كداعمين رئيسيين لنظام الشرع الذي قاد تحالفا للفصائل الإسلامية أطاح نظام الأسد.
وقدمت السعودية إلى جانب قطر ودول عربية أخرى، خصوصا في السنوات الأولى للنزاع، دعما للمعارضة السياسية والمسلحة، ودعت إلى ضرورة تغيير النظام في سوريا. لكنّ البلدين بدءا في 2023 بتطبيع علاقتهما وصولا إلى استضافة الأسد في قمة عربية في جدة وتبادل السفراء واللقاءات بين مسؤولي دمشق والرياض.
– “تعزيز مكانة السعودية” –
بالإضافة إلى أفواج من الأطباء السعوديين الذين أجروا جراحات معقدة مثل القلب المفتوح وزراعة قوقعة الأذن خلال الأشهر الماضية، تعهدت السعودية بتجهيز 17 مستشفى بالأجهزة الطبية المنقذة للحياة.
وخلال مراسم استلام أكثر من 450 جهاز لغسيل الكلى، قال وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري رائد الصالح إن السعودية تنفّذ مشاريع “تمس حياة المواطنين السوريين”.
وأفاد فرانس برس بأن “هذه المشاريع تعزز مكانة السعودية العالية بالفعل عند السوريين”، ووصف المملكة بأنها “داعم على المستوى السياسي والاقتصادي والإنساني”.
وفي مطلع أيلول/سبتمبر، رافق مراسل فرانس برس رحلة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلى دمشق شهدت الإعلان عن حزمة مشاريع تشمل إزالة أنقاض في دمشق وإعادة تأهيل مدارس ومستشفيات ومخابز في أرجاء البلد الذي ظل سنوات طويلة حليفا لإيران الغريم الإقليمي للسعودية.
وتزعّمت السعودية، بقيادة حاكمها الفعلي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلف الكواليس جهودا لإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي.
ومن أمام جمهور كبير في الرياض، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أيار/مايو رفع العقوبات الأميركية التي فرضت قيودا شاملة على المعاملات المالية مع سوريا وأعاقت جهود إعادة الإعمار.
وأشار إلى أن القرار جاء بطلب من قادة في المنطقة، بينهم الأمير محمد بن سلمان.
– “خط دفاع متقدم” –
في قطاع الاستثمارات، نظم البلدان في تموز/يوليو “منتدى الاستثمار السوري السعودي” في دمشق الذي شهد توقيع اتفاقيات استثمار وشراكة بقيمة 6,4 مليارات دولار في مجالات عدة، بينها البنية التحتية والصناعة والطاقة.
والأسبوع الماضي، أعلنت الرياض أنها ستمنح سوريا 1,65 مليون برميل نفط خام بهدف مساعدة اقتصادها على التعافي، وهي منحة تغطي الاحتياجات السورية لنحو 12 يوما.
وقالت الخبيرة في مركز الأهرام للدراسات السياسية في القاهرة رابحة سيف علام إن السعودية “تحاول ملء الفراغ الكبير” في سوريا بعد الأسد.
وأشارت إلى أنها تفعل ذلك “خصوصا عبر المساعدات الاقتصادية والإنسانية للاستثمار في البنية التحتية والقدرات البشرية”.
وأضافت أنها تهدف إلى خلق “خط دفاع متقدم للخليج يمنع إعادة انزلاق سوريا للفوضى أو الارتباط بمحاور مزعزعة للاستقرار في المنطقة” ما قد يهدد مشروع الرياض الاقتصادي الطموح.
شهد إنتاج الكبتاغون وتهريبه إلى الخارج، وخصوصا الخليج، انتشارا واسعا في سوريا خلال الحرب الأهلية. ودعمت عائدات بيع الكبتاغون الحرب السورية طوال سنوات، وحوّلت البلد إلى أكبر دولة في العالم تعتمد على عائدات المخدرات.
ومنذ إطاحة الأسد، أعلنت السلطات الجديدة ضبط ملايين أقراص الكبتاغون، لكن التهريب لم يتوقف.
ولا تزال البلدان القريبة من سوريا، بما فيها السعودية، من أكبر أسواق الكبتاغون في الشرق الأوسط بحسب الأمم المتحدة، وتعلن تلك الدول بين الحين والآخر ضبط كميات كبيرة من هذه الأقراص.
وقالت سيف علام “يظل أحد الأهداف القضاء تماما على صناعة الكبتاغون عبر توفير بديل اقتصادي مشروع لاستبدال شبكة اقتصاد الحرب بأخرى تنمّي الفرص الاقتصادية” .
وخلال حفل شعبي لتدشين إطلاق جسر بري لنقل مساعدات شملت سيارات إسعاف وآليات لإزالة الأنقاض، تجمع على جانبيه الأهالي الذين غنوا للسعودية ولوحوا بأعلامها، قال المعلم السوري أحمد هود “البلاد مدمرة بشكل شبه كامل والدعم السعودي يساهم بوضوح في إعادة بنائها”.
هت/م ل/ص ك