
تراكم أزمات وراء حركة الجيل زد في المغرب

من زكية عبدالنبي
الرباط (رويترز) – يرى محللون أن بروز حركة (الجيل زد 212) التي يقودها الشبان في المغرب، وتواصل احتجاجاتها منذ نحو أسبوع، لا يمكن فصله عما يجري في تجارب دول أخرى لكنها في الجوهر تعبر عن اختناق وتراكم أزمات محلية.
وأطلقت حركة “الجيل زد 212” دعوات للاحتجاج سلميا لمحاربة الفساد وإقرار العدالة الاجتماعية يومي 27 و28 سبتمبر أيلول الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصة ديسكورد للألعاب الإلكترونية، قبل أن تتواصل طوال الأسبوع الماضي.
يقول أحمد البوز أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط لرويترز إنه قد تتشابه حركة الجيل زد مع حركات الجيل نفسه التي عرفتها بعض دول العالم مثل نيبال ومدغشقر وبيرو لكنها تعبر عن مشاكل داخلية حقيقية.
وأضاف “ما يعيشه المغرب من فساد وتدهور التعليم والصحة وغياب العدالة الاجتماعية يشكل الأرضية الملائمة لتأجيج مثل هذه الاحتجاجات”.
وبدأت شرارة الاحتجاجات من أكادير جنوب المغرب، عندما توفيت ثماني نساء حوامل في أقل من شهر في مستشفى عمومي هناك، لتمتد إلى عدد من مدن المغرب، مطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد.
وتحولت الاحتجاجات السلمية،التي قابلتها السلطات بالمنع والعنف والاعتقال في البداية، إلى أعمال عنف ونهب وشغب في بعض المناطق، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح العشرات في صفوف المواطنين ورجال الأمن.
وتبرأ شبان “الجيل زد” من هذه الأحداث ونددوا بها ودعوا إلى مواصلة الاحتجاج سلميا.
وقالت السلطات إن أغلب المسؤولين عن أحداث الشغب هذه، هم من القاصرين والأطفال.
وسبق للمغرب أن شهد أحداثا مماثلة عندما تحولت إضرابات عامة في سنوات 1981 و1984 و1990 إلى أحداث شغب وإطلاق نار، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
لكن الأحداث السابقة كانت تقودها اتحادات عمالية وأحزاب سياسية دعت إلى إضرابات عامة إذ كانت هذه التنظيمات تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة.
أما حركة (الجيل زد) فتتشابه، بحسب أحمد البوز، مع حركة (20 فبراير) التي قادها الشبان أيضا “وحركت احتجاجات النسخة المغربية من الربيع العربي في 2011، وجنت إدخال بعض التعديلات على الدستور المغربي”.
وأضاف البوز “هذا ما أسميه ذهنية الاحتجاج التي ورثها الشباب المغربي من 20 فبراير، لأنني اعتبر أن هناك تشابها بين الحركتين على الأقل من حيث دور الشباب في إشعالهما، ومن حيث البعد الوطني الذي اتخذتها الاحتجاجات”.
واعتبر محمد الشهبي الباحث في العلوم السياسية أن مصطلح (الجيل زد)، غالبا لا يكون بعيدا عن المعنى العالمي لكن له أبعادا خاصة مرتبطة بالواقع المغربي.
وأضاف لرويترز “الجيل زد المقصود به الشباب المغاربة المولودين تقريبا بين أواخر التسعينيات من القرن الماضي وبداية 2010، وهم تلاميذ وطلبة، أو شباب في بداية حياتهم المهنية، ويتميز بوعي رقمي كبير، وانفتاح غير مسبوق على العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكنه ليس مجرد نسخة محلية من نظيره العالمي… فمطالبه في السياق المغربي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي ملموس”.
* أزمة ثقة
يرى المراقبون أن معظم الشبان المغاربة لا يثقون في العمل السياسي ويعتبرون الأحزاب “مجرد دكاكين سياسية” تفتح في فترة الانتخابات لتعطي الوعود وتستقطب الأصوات وتغلق بعد صدور النتائج متنكرة لوعودها في أغلب الأحيان.
كما أن معظم الأحزاب السياسية لا تجدد برامجها ولا تعطي فرصة للشبان لتولي القيادة.
وقال الشهبي إن “المغرب يعيش منذ عقود أزمة تمثيل سياسي حادة، الأحزاب التقليدية فقدت مصداقيتها لدى الشباب، لا لضعف برامجها فحسب، بل بارتهانها لمنطق التوافق، ما جعلها تبدو كجزء من المشكلة لا الحل”.
وأضاف “كما أن الحركة النقابية التي كانت ذات يوم قاطرة للمطالب الاجتماعية، تراجعت قوتها التنظيمية والتعبوية، خاصة في صفوف الشباب غير المنخرطين في سوق الشغل الرسمي”.
ومن هنا يعتبر الشهبي أن “هذا الفراغ ولد احتجاجا بدون قائد أو زعيم، يعتمد على الشبكات الرقمية بدل الهياكل التقليدية، وهو احتجاج يفتقر إلى الاستمرارية والاستراتيجية، لكنه يعبر عن أزمة ثقة جوهرية في المؤسسات الوسيطة، من أحزاب ونقابات وجمعيات”.
وتصل نسبة البطالة في المغرب إلى 12.8 بالمئة، وتبلغ نسبتها بين الشبان 35.8 بالمئة، وبين الخريجين 19 بالمئة، وفقا لبيانات المندوبية السامية للتخطيط.
وذكر محمد العمراني بوخبزة أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة لرويترز “هناك تحول ديموجرافي بحيث أن ثلث الهرم السكاني في المغرب من الشباب ما بين 15 و35 عاما. لكن السياسات العمومية لم تستثمر هذا الرأسمال البشري، أو القوة الصاعدة في التنمية كما فعلت عدد من الدول”.
وأضاف “بالرغم من المجهودات المبذولة، بقيت هذه الفئة مهمشة… وبالتالي أصبحت قنبلة موقوتة”.
وأشار البوز إلى أن “هذا الجيل تشكل في سياق وطني خاص، علامته البارزة أزمة بطالة متفاقمة، تراجع الخدمات العمومية، ضعف الثقة في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، وإحساس بالتهميش”.
وتابع “خصوصيته تكمن في أنه يترجم هذه الأزمات عبر أشكال جديدة من التعبير والاحتجاج، لا تخضع بالضرورة للقوالب الكلاسيكية بل تبدو نافرة لها، كما أنها تحاول ألا تضفي على نفسها أبعادا سياسية حتى وإن كانت لا تخلو من ذلك”.
وتواصل حركة (الجيل زد 212) احتجاجاتها في عدد من مدن المملكة، بعد أن سمحت لها السلطات بالاحتجاج سلميا، عقب انتقادات جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية.
كما توعدت السلطات مثيري الشغب وأعمال التخريب بإعمال القانون والضرب بيد من حديد. واعتقلت السلطات العشرات على خلفية هذه الأحداث.
وقالت الحكومة في وقت سابق إنها تتفهم مطالب الحركة ومستعدة للحوار معها.
وذكرت إيمان الشيخي (28 عاما) التي تعمل في القطاع الحر “هذا كلام فضفاض، نحن نحتاج إلى حلول ملموسة، ماهي ضمانات الحكومة وقد كانوا دائما يتملصون من وعودهم؟”
وأضافت لرويترز على هامش احتجاج ليلي بالرباط “نريد تحسين خدمات قطاع الصحة، خاصة المستشفيات العمومية حتى يتمكن الفقراء من العلاج، وتحسين جودة التعليم العمومي… وتخفيض الأسعار، لتبين الحكومة عن حسن نواياها”.
وقال البوز “المطلوب إصلاحات ملموسة وعاجلة، خاصة في التعليم والصحة والتشغيل، إلى جانب فتح المجال لحرية التعبير والحق في الاحتجاج لأنه بدون ذلك سيبدو الحوار في أعين هؤلاء الشباب وغيرهم من الفئات المتضررة من الأزمة ومن التفاوتات الاجتماعية مجرد آلية لربح الوقت لا أكثر”.
وكتب ياسير بلهيبة، وهو باحث اجتماعي في تدوينة “الجيل زد حرك الماء الراكد ودق ناقوس الخطر”.
وأضاف “هذا الجيل هو النتيجة العملية للسياسات التعليمية والأمنية والإعلامية.. بينهم من تفتق وعيه في فضاء المثقف المهزوم.. وآخرون ترعرع في باحات الشارع وثقافته حيث الكلمة الحسم للعنف”.
(تحرير سها جادو للنشرة العربية)