تقرير خاص-لدرء المجاعة.. نظام عالمي معقد لكنه يواجه الفشل

من لينا مصري وديبورا نيلسون وماجي ميشيل وستيف ستيكلو ورايان ماكنيل وجيمي دوديل وبنجامين ليسر
(رويترز) – قبل 20 عاما.. كان الصومال يتجه نحو كارثة، يهدد فيها الصراع والجفاف وانهيار الحكومة بسقوط 200 ألف شخص في براثن المجاعة.
لكن لم يكن لدى منظمات الإغاثة ما يكفي من الطعام للجميع ولم تكن لديها أيضا وسيلة ملائمة لتحديد من هم أكثر عرضة لخطر المجاعة. وأطلق رجل غاضب من حصة عشيرته المحدودة من المساعدات الغذائية النار على العاملين في المجال الإنساني.
وخطرت على بال نيكولاس هان، وهو أمريكي كان يعمل آنذاك في جهود الأمم المتحدة الإغاثية، فكرة وهي إنشاء نظام قائم على الأدلة يصنف انعدام الأمن الغذائي الحاد بشكل موضوعي ويشرك الخبراء الدوليين والقادة الصوماليين حتى يتفق الجميع على كيفية إدارة الأزمة.
وقال هان إن الفكرة نجحت. وساعد السكان في جمع الأدلة لتحليلها. وأضاف أن هذا أدى إلى قبول أكبر للقرارات الصعبة المتعلقة بالمكان الذي يجب إرسال المساعدات إليه.
وتطورت العملية، التي عمل هان وموظفو إغاثة آخرون على بلورتها لمدة شهر تقريبا، لتصبح في نهاية المطاف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (آي.بي.سي)، وهي شراكة عالمية تشكل محورا في النظام الواسع المطبق حاليا لمراقبة وتخفيف الجوع. وتم تصميمه لدق ناقوس الخطر بشأن تطور أزمات الغذاء حتى تتمكن المنظمات من الاستجابة ومنع المجاعة وتفشي الجوع.
ولكن مع اجتياح أزمات الجوع أجزاء من العالم النامي هذا العام، فإن الافتراضات التكنوقراطية التي يرتكز عليها نظام تحذير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي تصطدم بحقائق فوضوية وقاسية.
ففي مارس آذار، دق نظام التحذير ناقوس الخطر بشأن مجاعة وشيكة في شمال قطاع غزة. وفي أغسطس آب، قال إن المجاعة استشرت في جزء من ولاية شمال دارفور بالسودان.
ومع ذلك، قال مسؤولون من الأمم المتحدة في أوائل نوفمبر تشرين الثاني إن سكان شمال غزة بالكامل معرضون “لخطر الموت الوشيك بسبب المرض والمجاعة والعنف”. وفي دارفور، لم يصل سوى النزر اليسير من المساعدات إلى مخيم زمزم، وهو مخيم للنازحين يعاني من المجاعة، ويقدر عدد قاطنيه بنحو 500 ألف نسمة، وهم معرضون لخطر الموت لأسباب مرتبطة بالجوع.
والخطير في الأمر هو أن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يواجه صعوبة في الوصول إلى البيانات التي يحتاج إليها لإجراء تحليلات مستنيرة. ولأن معظم أزمات الغذاء في العالم مدفوعة بالصراعات، ازدادت صعوبة جمع المعلومات التي يحتاجها النظام لتصنيف الدول المعرضة للخطر على مقياس انعدام الأمن الغذائي الحاد المكون من خمس مراحل.
وفي غزة، أعاق القصف الإسرائيلي والقيود المفروضة على الحركة الجهود المبذولة لجمع الإحصاءات حول سوء التغذية والوفيات غير المرتبطة بالإصابات وغيرها من البيانات الضرورية.
وفي السودان، أدى العنف والحواجز العسكرية والعوائق البيروقراطية وانقطاع الاتصالات إلى تعطيل الجهود المبذولة لتقييم مدى تفشي سوء التغذية وإحصاء الوفيات وإجراء مسوح حول قدرة الناس على الحصول على الغذاء.
وهناك افتراض آخر يتبين كثيرا أنه خاطئ ويشكل جزءا من عمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أن العالم سيستجيب على الفور لتحذيراته. بينما على أرض الواقع، تأتي المساعدات الكبيرة أحيانا بعد موت الجوعى بالفعل بأعداد كبيرة.
ولعل أسوأ نقاط ضعف النظام، والتي أشار إليها هان نفسه، هو افتراض أن الحكومات في البلدان التي يعاني سكانها من الجوع سوف تتعاون بالكامل مع التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي والأمم المتحدة وغيرهما من جهات المساعدة الخارجية.
وقال هان إن مشاركة الحكومات قد تكون أعظم نقاط القوة في النظام، إذ تُمكن البلدان من حل مشاكلها بنفسها. لكن رويترز وجدت أن إشراك المسؤولين المحليين، وهو ما يفعله التصنيف عادة، يمكن أن يسفر أيضا عن تضارب في المصالح لأنه يمكنهم من تقويض عمل نظام مراقبة الجوع وإلحاق الضرر بمن يفترض أن يحميهم. وهذا صحيح بوجه خاص في حالات الحروب الأهلية، حيث قد تكون الاستراتيجية العسكرية الخاصة بالحكومات أكثر أهمية من الأهداف الإنسانية.
وقال جيريمي كونينديك رئيس منظمة اللاجئين الدولية الإغاثية والمدير السابق لمكتب المساعدة الخارجية في حالات الكوارث التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “إنه يمنح دون قصد حق النقض لأي طرف مشارك في الحرب لا يريد إعلان المجاعة”.
وفي ثلاث دول تعاني الآن من أزمات غذائية حادة، وجدت رويترز أن الحكومات أو المتمردين منعوا أو تلاعبوا في تدفق البيانات إلى التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أو حاولوا التكتم على نتائجه.
وفي إثيوبيا، لم تنل نتائج التصنيف، التي خلصت إلى معاناة 350 ألف شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد الكارثي، رضا الحكومة التي قررت وقف العمل مع التصنيف.
وفي اليمن، سيطر المتمردون الحوثيون على عملية البحث الخاصة بالتصنيف وضخموا أزمة الغذاء في محاولة للحصول على مزيد من المساعدات.
أما في السودان، حاولت الحكومة دحض نتائج مسح كشف عن معدلات مرتفعة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال. وقال مسؤولون إثيوبيون وسودانيون لرويترز إن تحليلات التصنيف معيبة. وقال ممثلو الحوثيين إن بحثهم وثق أزمة إنسانية حقيقية.
ومن أسباب الإقدام على هذه الأفعال التي تفسد عمل التصنيف خوف الحكومات من الوصمة الدولية ومن الانتكاسات السياسية محليا بسبب عدم قدرتها على أداء أحد أهم واجباتها: وهو إطعام الشعوب.
وقال مارك لوكوك الذي كان منسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة من عام 2017 إلى عام 2021 “لا تريد الدول أن يُقال لها إنها تشرف على مجاعة”.
وتابع “إن ذلك لا يجعلها تحظى بالثناء والإعجاب الدوليين. لذا فإن هذه الكيانات الحكومية تحاول التهرب والمراوغة لتجنب انكشاف الأمر”.