The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

سويسرا تتصدّى لجذور الأزمات في قلب أفريقيا في خضمّ تهريب البشر والإرهاب

Illustration: Kai Reusser / SWI swissinfo.ch
Illustration: Kai Reusser / SWI swissinfo.ch

بعد اضطرار فرنسا والولايات المتحدة إلى الانسحاب من النيجر، البلد المهمّ إستراتيجيًّا في غرب أفريقيا، وجدت روسيا والصين فسحةً لتوسيع نفوذهما هناك. أمَّا سويسرا، فاختارت طريقًا آخر. إذ تواصل عملها في هذا البلد المنهك، ساعيةً إلى معالجة الفقر؛ البذرة الأولى لكثير من مآسي المنطقة.

 
 
 يتذكّر كلاوديو توغنولا لياليه في سهول أفريقيا الغربية خلال تسعينيات القرن الماضي. آنذاك، كان طالبًا يدرس الجغرافيا في جامعة لوزان، وحملته المصادفة ليجري أبحاثًا ميدانية في النيجر، البلد الحبيس بين الرمال. ورغم أنّ تجربته كانت قصيرة، فقد تركت في أعماقه محبةً صادقة لتلك الأرض وأهلها.

النيجر
 كلاوديو توغنولا، الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في النيجر. Courtesy of Claudio Tognola

وبعد ثلاثة عقود، أعادته أول فرصة مهنية إلى بلد تبدّل وجهه. إذ باتت النيجر اليوم متشابكة المسالك، تخترقها طرق الهجرة نحو أوروبا، وتمزّقها منافسة القوى الكبرى، ويعصف بها العنف الجهادي.

ويقول توغنولا، مترئس قسم التعاون في الوكالة السويسرية للتنمية والتعاونرابط خارجي في النيجر اليوم: “في ذلك الوقت، كنت أتنقّل كما أشاء. وأنام حيث يحلّ بي الليل، حتى في عمق الأدغال. لم نكن نأبه بأي احتياطات أمنية. أمّا اليوم، فقد تغيّر كل شيء جذريًّا”.

تمتد منطقة الساحل الأفريقي، الغنية بالموارد، كحزام بطول 5،400 كيلومتر، من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي. واليوم، تشكّل هذه المنطقة مسرحًا لأزمات متشابكة تهدّد توازن القارة الأفريقية، وتنعكس تداعياتها على القارة الأوربية. ففي أوروبا، تحاول السلطات جاهدةً كبح التمدد الروسي، واحتواء تدفقات اللجوء، ومواجهة الأخطار الإرهابية. وتقع النيجر على أحد المسارين الرئيسيين للهجرةرابط خارجي، الممتدين شمالًا عبر الجزائر وليبيا، قبل عبورهما البحر المتوسط نحو أوروبا، من إيطاليا مرورًا بسويسرا إلى ما بعدها.

ووفقًا لتقرير داخليّ للاتحاد الأوروبي اطّلعت عليه “سويس إنفو” (Swissinfo.ch)، شهدت النيجر أكثر من تسعين هجومًا عنيفًا، بين يونيو وأغسطس.

محتويات خارجية

عندما غادرت فرنسا والولايات المتحدة، اللتان كان لهما حضور راسخ في البلاد، سارعت روسيا إلى ملء الفراغ. أمّا سويسرا، فقد قررت البقاء، منخرطةً في مشاريع تنموية على الأرض. 

ويقول توغنولا، المقيم في العاصمة، نيامي: “هناك خطرٌ حقيقيّ بامتداد هذا العنف يومًا ما إلى ما وراء حدود المنطقة. فنحن في أوروبا على الصفّ الأمامي. وهذا يضع على عاتقنا مسؤوليةً واضحة تجاه ما يجري”.

أمَّا الضربة القاسية للمصالح الغربية، فكانت عام 2023، بعد انقلابٍ عسكري أطاح بالحكومة المنتخبة للرئيس محمد بازوم. وقبل ذلك، كان الرئيس المخلوع يتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتقييد طرق تهريب البشر. كما سمح للقوات الفرنسية، والأمريكية بإقامة قواعد عسكرية لمحاربة الجماعات الجهادية.

بوكو حرام: كانت في السابق قوةً مهيمنة في المشهد الجهادي. أمَّا الآن، فقد ضعفت إلى حدّ كبير. غير أنّ إرثها الدموي ما زال يغذّي حالة انعدام الأمن في محيط بحيرة تشاد، والمناطق المجاورة.

تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS): فرع تابع لتنظيم داعش، ينشط أساسًا في مالي، والمناطق المحاذية لها. وهو من أكثر الجماعات نشاطًا في تنفيذ الهجمات العابرة للحدود.

جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM): الفرع الإقليمي لتنظيم القاعدة في الساحل. ينطلق من مالي، التي يتخذها مركزًا لعملياته. ويتنافس مع تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، على النفوذ والتجنيد.

يشكّل تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المحرّكين الرئيسيين لمعظم أعمال العنف العابرة للحدود في منطقة الساحل. ويعمل التنظيمان على توسيع نطاق نشاطهما في النيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد، ما يفاقم الهشاشة الأمنية في المنطقة.

ووفقًا لمجلس العلاقات الخارجية، يهدّد تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة في الساحل بتفاقم الأزمة الإنسانية وزعزعة استقرار القارة الإفريقية، مع ما يرافق ذلك من مخاطر مباشرة على الأمن والمصالح الأوروبية.رابط خارجي

بعد الانقلاب العسكري، توتَّرت العلاقات بين النيجر والغرب. فانسحب منها الجيش الفرنسي، ثم القوات الأمريكية. لذلك، باتت الساحة متاحة لأسلحة روسية، وفرق تدريب عسكري تابعة لموسكو، جاءت لتأمين موطئ نفوذ جديد في المنطقة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ تولّت السلطات الجديدة أيضًا إدارة عمليات تعدين اليورانيوم التابعة لشركة “أورانو” (Orano)، النووية الفرنسية المملوكة للدولة.

نيجيريا
انسحاب القوات الفرنسية من النيجر، فيما ظلَّت قوات أمريكية تُقدَّر بالمئات، وعدد من القوات الإيطالية والألمانية في البلاد. Afp Or Licensors

وفي ظلَّ هذه التوترات، وجَّه علي محمد الأمين زين، رئيس الوزراء النيجيري، اتهامات إلى فرنسا، في كلمةرابط خارجي ألقاها أمام الأمم المتحدة الشهر الماضي. وقال إنّ باريس “تدعم جماعات إرهابية بالأموال والسلاح”، بغية زعزعة استقرار النيجر. غير أنّه لم يقدّم أيّ أدلة تدعم مزاعمه، فيما نفت باريس هذه الاتهامات مرارًا وتكرارًا.

علاوة على اليورانيوم، تزخر النيجر بثروات طبيعية كثيرة ذات أهمية إستراتيجية. فلديها احتياطيات وافرة من النفط، والفحم، والفوسفات، والذهب، ما جعلها محطَّ أنظار القوى الكبرى، من الدول الأوروبية إلى روسيا والصين. وقد أنشأت الأخيرة أطول خط أنابيب نفط في أفريقيا، يمتدّ قرابة ألفي كيلومتر عبر أراضي النيجر وجارتها الجنوبية، بنين. وفي أغسطس، انتزعترابط خارجي النيجر ملكية منجم الذهب الصناعي الوحيد في البلاد، من الشركة الأسترالية التي كانت تديره. بينمارابط خارجي أبدترابط خارجي روسيا اهتمامًا متزايدًا بالتنقيب عن اليورانيوم، في هذه الدولة الأفريقية الغنية بالثروات.

محتويات خارجية

  
وفي حديث لسويس إنفو، أوضح شارل ماليناس، السفير الفرنسي السابق لدى جمهورية أفريقيا الوسطى، سعة نطاق الحضور الروسي. كما أكَّد رؤية موسكو الرامية إلى ترسيخ النفوذ الإستراتيجي في أفريقيا، والمتجاوزة للحضور العسكري في منطقة الساحل. وأوضح أنّ روسيا تحاول “كسب حلفاء جدد في أفريقيا لتعزيز وزنها في مواجهة القوى الغربية، وتأمين أصوات إضافية في الأمم المتحدة، واستعادة مكانة تُذكَر في أيام الاتحاد السوفييتي”.

في المقابل، اتّهم العقيد أمادو عبد الرحمن، المتحدث باسم قادة الانقلاب العسكري في النيجر عام 2023، باريس بمحاولة زعزعة استقرار البلادرابط خارجي. وجاء الاتهام في مقطع مصوَّر بثّه موقع الجزيرة، تظهر فيه مسيرات ضخمة، وحشودٌ مؤّيدة ترفع اللافتات والأعلام الروسية. وقد عكس المشهد تحوّل المزاج الشعبي نحو موسكو، ورغبةً في فكّ الارتباط مع القوى الاستعمارية السابقة.

من جهتها، احتفت وسائل الإعلام الروسية بالانقلاب، باعتباره فعلًا تحرريًا أفريقيًا مناهضًا للاستعمار. وأكّدت أنّ “الانتفاضة تحمل شعارات وحدة أفريقية مناهضة للاستعمار”، ما يشير إلى تصاعد المقاومة ضد النفوذ الغربي في منطقة الساحل.

كما وصفت صحيفة “الحقيقة” الروسية (Pravda.ru)رابط خارجي، الإطاحة بالرئيس بازوم، والتحوّلات اللاحقة بأنّها جزءٌ من “موجة أفريقية للتحرر من الغرب”. وتنبّأت الصحيفة، المقربة من الكرملين، بتقارب متزايد بين نيامي وموسكو.

ولكن، لم تكن النيجر سوى حلقة جديدة في سلسلة من التحولات السياسية الإقليمية المنجذبة إلى السياسات الروسية. فقبلها، شهدت مالي وبوركينا فاسو انقلابات عسكرية، أنهت العلاقات التقليدية مع الغرب. وفي سبتمبر الماضي، أعلنت الدول الثلاث انسحابها من ولاية المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة رمزية ذات مغزى سياسي عميق، خاصةً وأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يخضع لمذكرة توقيفرابط خارجي صادرة عن المحكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب تتصل بغزو أوكرانيا.

ناتالي يامب (56 عامًا) ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، تحمل الجنسيتين السويسرية والكاميرونية، وُلدت في سويسرا، وتقيم في كانتون تسوغ.

في نهاية أغسطس 2025، أعلنترابط خارجي يامب على صفحتها في فيسبوك، حصولها على جواز سفر دبلوماسي من النيجر، وتعيينها مستشارة لرئيس المجلس العسكري الحاكم هناك.

ومع أكثر من مليون متابع على منصّات التواصل الاجتماعي، باتت يامب من أبرز الأصوات في أفريقيا الناطقة بالفرنسية. تنشر خطابًا داعيًا إلى الوحدة الأفريقية، يهاجم النفوذ الفرنسي، ويؤيد روسيا.

وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على يامب، شملت حظر السفر وتجميد الأصول، متهمًا إياها بالترويج للروايات الروسية بهدف دفع الدول الغربية إلى الخروج من أفريقيا. وتشير بروكسل إلى أنّها على صلة بمنظمة البحوث الحرة والتعاون الدولي (AFRICالمرتبطة بشركات عسكرية خاصة روسيةرابط خارجي.

ولكن، ليست يامب سوى واحدة من عدد من الأصوات المؤثّرة الأفريقية المقرّبة من موسكو، تصوّر روسيا كقوة مناهضة للاستعمار، والرئيس فلاديمير بوتين كزعيم قوي.

وفي حديث إلى سويس إنفو، قال دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى، فضّل عدم الكشف عن اسمه لغياب الإذن الرسمي بالتصريح، تستغلّ موسكو الفرصة لتقويض السياسة الفرنسية في أفريقيا. وتقوم هذه السياسة، تقليديًا، على دعم الحكومات الصديقة، وتعزيز نفوذَيْ فرنسا، الاقتصادي والعسكري، في مستعمراتها السابقة. وأضاف الدبلوماسي: “يهدف التحرك الروسي إلى إضعاف الحضور الفرنسي والغربي في القارة، لا سيّما منطقة الساحل، لتملأ روسيا الفراغ وتؤثر في موازين المواقف، حتى في قضية أوكرانيا. إنها لعبة تحالفات جيوسياسية معقّدة، تتشابك فيها المصالح الإستراتيجية بالتجارة، والتعدين، والنفوذ السياسي”.

محتويات خارجية

ورغم خسائر الغرب، تبقى مخاطر ترك النيجر فريسةً للفقر، المغذّي للتطرف الديني والجريمة المنظمة، جسيمة ومقلقة.

النيجر
عبد الله سوناياي، رئيس وحدة الأبحاث في مركز “لايبنتس للشرق الحديث”. Courtesy of Abdoulaye Sounaye

يقول عبد الله سونايايرابط خارجي، رئيس وحدة الأبحاث في مركز “لايبنتس للشرق الحديث” (Leibniz-Zentrum Moderner Orient) في برلين، المؤلفرابط خارجي لدراسات معمّقة عن برامج سابقة لنزع التطرف في النيجر، ومنطقة الساحل: “لا شكّ أنّ الجوانب العسكرية ضرورية، فهي تمنح السكان قدرًا من الأمان. ولكن، لا يتحقّق استقرار النيجر، والمنطقة الأوسع إلا عبر انخراط اقتصاديّ، ودبلوماسيّ فعّال. وهكذا، تبرز أهمية الاستثمار في التنمية، وخلق فرص العمل، وتعزيز الحوار السياسي والدبلوماسي الإقليمي”.

كما يؤكد سوناياي، قائلًا: “يبدو العامل الدبلوماسي اليوم أكثر أهميةً من أي وقت مضى”.

وبسبب انقلاب 2023، عدّلت سويسرا برامجها التنموية لتجنّب تقديم دعم مباشر للحكومة. لذلك، تأثَّر نحو 15% من استثماراتها، البالغة حاليًا قرابة 22 إلى 23 مليون فرنك سويسري سنويًّا.

ويشرح كلاوديو توغنولا، من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في برن، هذا المبدأ قائلًا: “سويسرا تعترف بالدول لا بالحكومات، وهذا هو الفارق الذي يتيح لنا الحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة، حتى في أوقات الاضطراب”.

ويضيف توغنولا أنّ التمويل السويسري لا يقتصر على الخطط والسياسات، بل يُوجَّه أيضًا إلى تخفيف معاناة السكّان المعيشية. فقد شهدت البلاد هذا الموسم الماطر مصرع 47 شخصًا، وتشريد نحو 50 ألفًا. كما تُسهم تلك البرامج في توفير بدائل واقعية للشباب والشابات، تُبعدهم عن دوامة الجريمة والعنف المتطرف.

ويختم توغنولا حديثه بالقول: “جوهرِيًّا، الفقر هو البذرة الأولى للعنف، ما يمكّن التنظيمات الإرهابية من استقطاب الشباب العاطلين عن العمل بسهولة. لذلك، تركّز مشاريع التعاون السويسري في النيجر على معالجة جذور انعدام الأمن، لا مظاهره فحسب”.

تحرير: توني باريت

ترجمة: جيلان ندا

مراجعة: ريم حسونة

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد
النشرة الإخبارية للشؤون الخارجية

المزيد

شؤون خارجية

نشرتنا الإخبارية المتخصصة في الشؤون الخارجية

سويسرا في عالم متغير. راقب معنا السياسة الخارجية السويسرية وتطوراتها. نقدم لكم حزمة من المقالات الدسمة لتتكون لديكم خلفية جيّدة حول المواضيع المتداولة.

طالع المزيدنشرتنا الإخبارية المتخصصة في الشؤون الخارجية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية