مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية يحظون بفرصة ثانية في مركز تأهيل في شمال سوريا

محمد حج احمد (يمين) يلعب الشطرنج في المركز السوري لمكافحة الفكر المتطرف في مارع في 30 تشرين الثاني/نوفمبر. afp_tickers

في مركز لمكافحة التطرف في شمال سوريا، ينصرف شبان بعد انتهائهم من محاضرة الى لعب الشطرنج وتدخين السجائر، معارضين بذلك قيوداً صارمة فرضوها طيلة سنوات وعاقبوا من خالفها حين كانوا مقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.

ويقيم في “المركز السوري لمكافحة الفكر المتطرف” في مدينة مارع، شمال محافظة حلب، نحو مئة مقاتل سابق في التنظيم معظمهم من السوريين كما من جنسيات عربية وأجنبية.

ووصل هؤلاء الشبان الى هذا المركز بعدما سلموا أنفسهم أو اعتقلتهم الفصائل المعارضة المسيطرة على المنطقة. ومن بينهم محمد حج أحمد (23 عاماً)، سوري من سكان مدينة الرقة التي كانت تعد حتى أشهر قليلة المعقل الأبرز للتنظيم في سوريا.

ويقول الشاب ذو البشرة البيضاء واللحية الخفيفة لوكالة فرانس برس “كنت أحلم بقيام دولة الخلافة” لكن اليوم في المركز “نأخذ الدروس ليوضحوا لنا ما هو الخطأ الذي كنا مقتنعين به”.

في العام 2014، انضم محمد إلى التنظيم المتطرف وشارك في إحدى أهم معاركه ضد قوات النظام في العام ذاته في مطار الطبقة العسكري (قرب الرقة)، حيث قتل وذبح أكثر من 200 عسكري سوري.

خلال الاستراحة من المحاضرات، يوضح محمد “كنت مقتنعاً بشكل كامل بشعاراتهم حول الجهاد، وبأنهم الوحيدون الذين يطبقون الدين بالشكل الصحيح، أما من تبقى من الناس فهم كفار ومرتدون وروافض”.

عارضت عائلة محمد خياره، ويقول “خاف والدي أن أقتنع بتفجير نفسي”.

بعد الانتهاء من فترة التأهيل في المركز، لم يحسم الشاب العشريني ماذا سيفعل، إذ لا يمكنه العودة إلى الرقة على حد قوله.

ويضيف “أفكر بالتجارة أو متابعة دراستي، أو السفر إلى أوروبا”.

– “مستعد للاندماج” –

وتتراوح فترة البقاء في المركز بين شهر وستة أشهر قابلة للتجديد.

ويشرح مدير المركز حسين ناصر لفرانس برس انه بعد انتهاء هذه الفترة “يتم إرسال تقييم إلى الجهات القضائية المختصة التي تقرر بموجبه ما إذا كان من الممكن أن يندمج (الشخص) في المجتمع أم لا”.

وافتتح المركز في 27 تشرين الأول/اكتوبر، في وقت كان تنظيم الدولة الإسلامية يتعرض لخسائر ميدانية متلاحقة في المناطق التي أعلن منها إقامة “الخلافة الإسلامية” في سوريا والعراق في العام 2014.

ويشرح ناصر أن “الأسباب التي دفعتنا إلى إنشاء المركز هي الأعداد الكبيرة (من المقاتلين) التي أتت إلى شمال حلب بعد انهيار تنظيم الدولة الإسلامية، ما يسبب خللاً أمنياً”.

يتألف المركز من طابقين وغرف عدة يتوزع عليها المقاتلون السابقون، يرتدون جميعاً الزي ذاته وهو عبارة عن كنزة حمراء، رمادية أو برتقالية اللون وفوقها سترة سوداء من دون أكمام.

في غرف الاستراحة، يفترشون الأرض ويتبادلون أطراف الحديث. يلعبون، يضحكون، يأكلون ويصلون.

ويساهم العاملون في المركز في تمويله، لكنهم يأملون الحصول على الدعم لتوسيعه وافتتاح قسم خاص بالنساء.

ويضم المركز ثلاثة أقسام، الأول خاص بالمقاتلين الذين انتسبوا لفترة قصيرة الى صفوف التنظيم. ويخصص القسم الثاني للمقاتلين المتمرسين الذي انخرطوا في القتال، فيما يؤوي القسم الثالث المقاتلين الأجانب، وبينهم عراقيون وتونسيون ومن دول شرق اوروبا كأوكرانيا ويوغوسلافيا وآسيا الوسطى.

وقاتل هؤلاء في مناطق متفرقة في سوريا، بينها الرقة وكوباني.

بعد الانتهاء من تناول طبق أرز مع زملائه، يقول أشرف نصير (24 عاماً) بثقة “أنا مستعد للاندماج في المجتمع، أنا أساساً من المجتمع ولم أت من خلف الجبال أو المريخ، على انضمامي لداعش” في العام 2016.

ويعتبر الشاب المتحدر من درعا (جنوب)، أن المشكلة الأساسية هي “كيف سيستقبلنا المجتمع”.

– “أجد نفسي مذنباً” –

في إحدى القاعات، يتوزع المقاتلون على مقاعد كتبت أسماؤهم عليها ويروون لمشرف اجتماعي تجاربهم مستمعين إلى إرشاداته.

يشرح مشرف العلاج النفسي والاجتماعي عبد الكريم درويش أسلوب العلاج المتبع: يبدأ بالاستماع لقصة المقاتل قبل الدخول في حوار معه، قد يكون جماعياً مع زملائه او فردياً حول حياته الشخصية، قبل الانتقال إلى العوامل الاجتماعية.

ويصف “المحاضرات بأنها أقرب لإصلاحية علاجية تمنحهم فرصة إيجابية عن ذاتهم وقدراتهم”.

وتتضمن هذه المحاضرات دروساً في علم النفس والشريعة والقانون المحلي والدولي.

ومن الموصل، أبرز معاقل تنظيم الدولة الإسلامية سابقاً في العراق، انتقل حواس العلي (26 عاماً) إلى سوريا بعد انضمامه إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2016.

ويقول “لم أكن أتصور أنني سأتحول الى مقاتل مع مجموعة جهادية، كنت أعمل طباخاً في مطعم في أربيل”.

انتقل حواس إلى مدينة الميادين (شرق) حيث تم فرزه إلى الشرطة التابعة للتنظيم.

ويقول “كانت غايتي نصرة الدين الإسلامي (…) لكن بعد فترة بدأت أفكر بالعودة إلى حياتي المدنية وإلى المجتمع مع أهلي وأطفالي، وهذا ما دفعني للمجيء إلى المركز”.

داخل المبنى الذي يقف أمامه عناصر حراسة وبلغة روسية، يروي المقاتل الأوكراني السابق في صفوف التنظيم مسلم كادزيميتوف (29 عاماً) تجربته.

انضم هذا الشاب إلى التنظيم في العام 2016، قادماً من أوكرانيا عن طريق تركيا. وقبل نحو عشرة أشهر، اعتقله فصيل معارض في شمال البلاد ووضعه في السجن قبل نقله إلى المركز.

داخل غرفة المحاضرات، يقول مسلم “أنا موجود هنا حالياً بسبب جهلي، وأجد نفسي مذنباً بسبب ذلك”.

ويضيف “لست بلا مخ، وأنا قادر على التواصل مع الناس. أريد أن أعود إلى المجتمع وإلى الحياة المدنية. أحلم بهذه الحياة”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية