مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الخليج بين حربين

لا زالت الإستعدادات العسكرية الأمريكية متواصلة وفي الصورة البارجة الحربية "Bonhomme Richard" أثناء مغادرتها لقاعدة سان دياغو البحرية يوم 17 يناير 2003 Keystone

إسم اللعبة فى الخليج هذه المرة هو "عدم اليقين"! فهناك عدة إجابات لكل سؤال، وعدة محددات لكل إجابة محتملة.

و”عدم اليقين” قائم لدى كل الأطراف – باستثناء واشنطن – سواء فيما يتصل باحتمالات الحرب أو توقيتها أو سيناريوهاتها أو نتائجها المحتملة.

والقياس على ما جرى من قبل عام 1991 – كأحد مداخل فهم ما يحدث حاليا – لا يحل المشكلة، بل أنه يمكن أن يقود إلى نتائج مضللة، فهناك تباينات توحى بأن ما سيحدث فى الخليج هذه المرة سيكون مختلفا، وأنه لن تتم معرفته إلا عندما يقع بالفعل.

لقد كانت حرب الخليج الثانية (1991) أشبه بالنماذج الدراسية التى تدرس فى أكاديميات الدفاع، مقارنة بالحرب المحتملة حاليا، فقد كان هناك موقف صراعى واضح يتمثل فى قيام العراق باحتلال دولة مجاورة فى منطقة “تدويل”، تتضمن مصالح وتحالفات عالمية من الحجم الذى تقرر الدول استخدام القوة المسلحة للدفاع عنه.

أما فى هذه المرة فإن من يتظاهرون فى الشوارع على الأقل لا يدركون ماالذى فعله العراق بالضبط، وتنتشر المقارنات بين حالة العراق وحالتى إسرائيل وكوريا الشمالية على نطاق واسع فى صحف الشرق الأوسط ووسائل إعلام بلدانه.

أهداف الحرب

الإشكالية الأكبر ترتبط بهدف الحرب، ففى حرب 1991، كان هناك هدف مباشر شديد الوضوح للحرب، يمثل حدا واضحا متفقا عليه، يتمثل فى إخراج القوات العراقية من الكويت، لكن الصورة العامة لم تكن كذلك شديدة التحديد.

فقد كان هناك هدف موازى هو تقليص حجم القوة العسكرية العراقية بدرجة تؤثر على قدرة العراق على إعادة تهديد الدول المجاورة (واتسع الهدف بعد الحرب ليتركز على إزالة أسلحة التدمير الشامل العراقية)، كما ثار خلاف فى الأيام الأخيرة للحرب حول ما إذا كان يجب الاستمرار فى العمليات لإسقاط النظام العراقى ، طالما أن القوات موجودة ومستعدة.

لكن التناقض بين تلك الأهداف لم يكن هائلا، فقد كان من الممكن فهم هدف تقليص قوة العراق العسكرية، يتضمن ذلك بنيته الاستراتيجية التى استهدفت بعنف، على أنه من مقتضيات إجبار القيادة العراقية على سحب قواتها من الكويت، رغم أن تلك المقولة سببت مشاكل داخل وزارة الدفاع الفرنسية وبعض العواصم العربية، كما لم توافق الإدارة الأمريكية ذاتها على توجهات قائد “القيادة المركزية” نورمان شوارزكوف الخاصة بتطوير الهجوم داخل العراق، خاصة بعد أن بدأت القوات الأمريكية تواجه مقاومة عنيفة فى جنوب العراق.

المسالة هذه المرة لا ترتبط بعدم وضوح الهدف، فالهدف الأمريكي المعلن هو إسقاط نظام الرئيس صدام حسين، لكن المشكلة هى أنه لا يوجد اتفاق حول ذلك الهدف كما كان الحال بالنسبة لتحرير الكويت، بل أن هناك هواجس بشأن تداعيات تحقيقه اللاحقة.

والأهم أنه يتشابك بشدة مع هدف إزالة أسلحة التدمير الشامل العراقية، الذى يبدو وكأن تحققه يمكن أن يؤدى إلى وقف التصعيد فى اتجاه الحرب من ناحية، ويبدو كذلك وكأنه سيكون السبب الأساسى فى شن الحرب من ناحية أخرى، وهو ما يخلق حالة من الارتباك فى المنطقة حول المسار الذى ستتخذه الأحداث.

وإن كانت هناك حدود لتلك الحالة، فالقناعة السائدة هى أن المسألة تتصل بإزالة النظام وليس أسلحته. وهى المشكلة التى تحاول الدول الإقليمية الكبرى أن تبحث عن صيغة سلمية للتعامل معها، على غرار ما يطرح حول تخلى الرئيس العراقى طوعا عن الحكم.

تحالف الحرب

لكن الأهم أن كثيرا من الحكومات فى المنطقة، وبعض الدول الأوروبية، تعتقد أنه يمكن حل “المسألة العراقية” – التى لم تعد تجهد نفسها كثيرا فى تعريفها – دون اللجوء بالضرورة إلى الحرب الفعلية.

لكن الحكومات – ولأنها تتعامل بواقعية شديدة مع منطق القوة والمصالح، وتدرك أيضا أن النظام العراقى يمثل مشكلة – فإن معظمها على استعداد للمشاركة فى الحرب، إذا بدا فى النهاية أنها ستقع لامحالة، ولدى كل منها حسابات محددة تدفعها فى هذا الاتجاه.

فالهدف الأول للدول فيما كان مايلز كوبلاند يسميه “لعبة الأمم” هو أن تبقى داخل اللعبة، رغم أن كثيرا منها يرغب فى أن يتم ذلك على أساس حد أدنى من الشرعية المتمثلة فى قرار يصدر عن مجلس الأمن.

ومع ذلك، فإن اختلاف المقدمات لايعنى بالضرورة اختلاف النتائج، فمن الصحيح أن عدد أطراف تحالف الحرب قد لايصل هذه المرة إلى رقم 32 دولة الذى سجلته حرب 1991، لكن المؤكد أن القوات التى ستشكل الهجوم الرئيسى هى نفس القوات التى شكلت الهجوم الرئيسى عام 1991، وهى القوات الأمريكية والبريطانية ثم الفرنسية (475 ألف من أصل 601 الف جندى).

ورغم ذلك لا يوجد يقين حول المشاركة المباشرة لحوالى 100 ألف جندى ينتمون للسعودية ومصر وسوريا سبق أن شاركوا فى حرب الخليج الثانية، إلا أن “الكلمة الكودية” الأهم بالنسبة للدول العربية ستظل هى ” التسهيلات”، خاصة وأنه لايوجد هذه المرة تحالف عربى مضاد للحرب، كما حدث من جانب الأردن واليمن والسودان والفلسطينيين فى المرة السابقة.

مفاجآت 1991

لكن كل ما سبق لا يقارن بتلك الإشكاليات المثيرة الخاصة بتوقيت الحرب وسيناريوهاتها وتداعياتها اللاحقة. ففى عام 1991 لم يكن توقيت الحرب يمثل مشكلة ذات أهمية، إذ كانت عملية التصعيد تسير بشكل نموذجى يقود تماما إلى تحديد ذلك اليوم الذى سيشهد الانفجار الكبير.

فبالتوازى مع الحشد المنتظم، كان قرار صلاحيات الحرب يصدر من الكونجرس الأمريكي، بالتوازى مع قرار إتاحة استخدام القوة المسلحة من جانب مجلس الأمن، مع فترة إنذار للعراق تنتهى فى يوم محدد(15 يناير)، بحيث كان من الممكن سماع صوت الحرب يقترب بصورة مؤكدة منذ بداية ديسمبر 1990.

لكن فيما عدا ذلك كانت هناك مشكلتان:

الأولى، تتصل بسيناريوهات الحرب، فقد تم – كما يحدث حاليا – تسريب عدد كبير من السيناريوهات العسكرية التى أربكت القيادة العراقية. وكان تحول ما كان يعتقد أنه ضربة جوية أولى تمهيدية إلى حملة جوية طويلة المدى، والاستهداف العنيف لبنية العراق العسكرية والمدنية على كامل ساحة الدولة، والالتفاف البرى الكبير من حفر الباطن حول القوات العراقية، تمثل كلها مفاجآت حقيقية.

الثانية، أنه لم يكن يتم التفكير كثيرا فى تداعيات الحرب، فى إطار تصور أن نهايتها المنطقية هى إخراج القوات العراقية من الكويت، لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أغسطس 1990، لكن كانت المفاجأة هى أن تؤدى الحرب إلى فرض شروط هزيمة ساحقة على العراق فى نهايتها، وكانت المفاجأة المضادة هى أن لا يؤدى انهيار القوات العراقية إلى سقوط النظام فى بغداد كما كانت تتصور واشنطن أنه سيحدث على غرار النموذج الأرجنتيني بعد حرب جزر الفولكلاند.

لا توجد إجابات

أما فى الحرب المحتملة حاليا، فإن كل شئ يمثل مشكلة، لا توجد إجابات محددة لها، ولا توجد تصورات متماسكة بشأنها، سواء فيما يتصل بتوقيت الحرب بافتراض أنها حتمية، أو السناريوهات المتصلة بها فى ظل هدف إسقاط النظام، أو تداعياتها اللاحقة التى تطرح بشأنها سيناريوهات معقدة لمرحلة ما بعد حكم الرئيس العراقى صدام حسين، تتصل بطبيعة النظام، وتماسك الدولة، مع وجود بعض الهواجس لدى عدد من دول المنطقة حول مرحلة ما بعد حرب العراق ذاتها أيضا.

وربما يكون أحد المداخل البسيطة للإجابة على مثل هذه الأسئلة يرتبط بما يحدث فى واشنطن، والطريقة التى تتعامل بها التقديرات فى الشرق الأوسط مع ما يجرى فى العاصمة الأمريكية، فربما لا توجد إجابة محددة لأنه لا توجد عمليا إجابة واحدة، فواشنطن لم تتخذ قرارات نهائية بشأن توقيت الحرب أو الخطة العسكرية النهائية لها، وربما قررت أن تخوض الحرب دونما حسابات شديدة الدقة لتداعياتها المحتملة، اعتمادا على تصور بشأن قدرتها على التحكم فى مسار الأمور وقت الحاجة.

وأيا كان الأمر، فإنه عندما تصل التحليلات إلى تلك النقاط المحددة الخاصة بالحرب، لن تكون هناك إجابات واحدة، ولا يشير التاريخ القريب لحروب الخليج إلا إلى أن ما يحدث عادة يحمل مفاجآت عسكرية كبيرة.

د. محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية