انقلاب الأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط
لم تعد الديمقراطية هي المدخل لإعادة تشكيل العالم العربي، وإنما أصبح دعم "أصدقائها" من الحكام "المعتدلين" لمواجهة ما تبقّـى من "الدول المارقة" وفي مقدمتها إيران.
يأتي في مقدمة خطة التحرك، التي رسمها البيت الأبيض وعبر عنها الرئيس بوش في خطابه أمام المنتظم الأممي. فهل سيكون لهذا التغيير في سياسة واشنطن تأثير على أوضاع الديمقراطيين العرب؟
يأتي في مقدمة خطة التحرك، التي رسمها البيت الأبيض وعبر عنها الرئيس بوش في خطابه أمام المنتظم الأممي. فهل سيكون لهذا التغيير في سياسة واشنطن تأثير على أوضاع الديمقراطيين العرب؟
تميزت تجربة “المحافظين الجدد” في الحكم بالدفاع عن سياستين متناقضتين، من إعلان العزم عن نشر الديمقراطية في منطقة جغراسياسية ممتدة أطلقوا عليها “الشرق الأوسط الكبير”، وهم يقصدون تحديدا العالم الإسلامي.
وفي المقابل، الاعتماد على اللّـجوء المكثف للقوة من أجل حماية الأمن القومي الأمريكي، الذي تمطط وتمدد ليسمح بالتدخل السياسي والعسكري في كل مكان.
وكان من الطبيعي أن يضعف الخيار الثاني من مصداقية الخيار الأول، ويوجه له ضربات في الصميم، هذه الضربات التي توالت بشكل تراجيدي، بدء من المهزلة العراقية، وصولا إلى المأساة الصومالية، مرورا بالموقف اللاعقلاني من فوز حركة حماس في انتخابات ديمقراطية، وفق الشروط الأمريكية، وحالة الفزع التي أصابت البيت الأبيض، وهو يتابع نتائج الانتخابات البرلمانية في مصر (2005)، وقرار تمديد الحرب الإسرائيلية الفظيعة على لبنان.
الضغوط الناعمة
من باب الإنصاف، لم يقف الديمقراطيون العرب صفا واحدا مرصوصا وراء الإدارة الأمريكية وسلموا لها زمام أمورهم لتفعل بهم ما تشاء، مثلما حصل مع جزء من النخبة العراقية.
هذه صورة غير دقيقة، روّجها كثيرا خصومهم ضمن حملتهم على السياسات الأمريكية في المنطقة. لكن في المقابل، ظن هؤلاء الديمقراطيون أن التحول الذي طرأ في السياسة الخارجية الأمريكية وحملة “الضغوط الناعمة” – حسب تعبير البعض – التي مارستها على الأنظمة الحليفة لها في المنطقة من أجل حثها على الإصلاح، من شأنه أن يوفِّـر فرصة غير مسبوقة لفتح ثغرة هامة قد تؤدّي إلى تغييرات جوهرية في البنية القمعية للدولة العربية “الحديثة”.
وعلى هذا الأساس، حاول الكثير منهم استثمار التقاطع الذي حصل بين مطالبهم الإصلاحية السابقة بعشرات السنين، وبين الضغط الفعلي الذي شرعت الإدارة الأمريكية في القيام به من أجل إقناع الأنظمة بضرورة التغيير.
تقتضي الموضوعية أيضا، الإقرار بأن العالم العربي شهد خلال السنوات الثلاث الأخيرة حالة سياسية تكاد تكون أشبه برجّـة أرضية تجاوزت قوتها أحيانا الخمسة درجات بمقياس ريختر، دون أن تُـسفر عن تغييرات جوهرية.
فالانتخابات، التي جرت في كل من المغرب ولبنان ومصر واليمن والبحرين، كادت أن تُـسفر عن تغييرات جوهرية في موازين القوى، كما أن سقف حرية التعبير والصحافة، ارتفع بشكل ملحوظ في معظم الدول العربية، وحققت النساء اختراقات جديدة، خاصة بمنطقة الخليج، وقد استفاد الإسلاميون كثيرا من هذا التغيير الذي حصل في المناخ السياسي، خاصة في مصر، كما بدأت تبرز قوى اجتماعية مدنية وسياسية جديدة مطالبة بالإصلاح والديمقراطية.
صمود ومناورة وتكيّـف
في مقابل ذلك، أظهرت معظم الأنظمة العربية قُـدرة فائقة على الصمود والمناورة والتكيّـف مع المتغيرات، فقد استجابت لبعض المطالب، مع المحافظة على جوهر السياسات ودون المساس بآليات احتكار السلطة، مستفيدة بشكل قوي وماكر بأخطاء وتناقضات السياسة الأمريكية، وبالأخص غرقها التدريجي في المستنقع العراقي، ولوحت بالخصوص بما يسمى بـ “البديل الأصولي”، الذي أثار فعلا مخاوف الغربيين عموما، والأمريكيين بالخصوص، وهو ما جعل الإسرائيليين، وفي مقدمتهم بيريز (الذي يُـعتبر آخر كبار السياسيين الإسرائيليين الحاملين رؤية إستراتيجية، وصاحب مشروع “الشرق الأوسط الجديد)، يضغطون على واشنطن للتخلّـي عن الاستمرار في الدعوة إلى دمقرطة العالم العربي، باعتبار ذلك مغامرة غير محسوبة النتائج، وضررها أكبر من نفعها، وهو ما أدى إلى جانب عوامل أخرى إلى ما ذكره (ستيفن ايه كوك عضو مجلس العلاقات الخارجية) من أن واشنطن أصبحت “مهتمة فقط بالتطور الديمقراطي بقدر ما تؤدي هذه العملية إلى الإتيان إلى السلطة بجماعات وأفراد تتوفر على رضا الولايات المتحدة”.
وأضاف “المشكلة بالنسبة لإدارة بوش، ليست أنها لم تعد مهتمة بترويج الإصلاح الديمقراطي، المشكلة هي أن إدارة بوش لم تتمسك بقوة بالمبادئ الديمقراطية من قبيل عدم العنف وحكم القانون”. (نقلا عن ستيفن أيه كوك / مقال ” سياسة الولايات المتحدة : النفاق والمبادئ والإصلاح في الشرق الأوسط “، نشرة الإصلاح العربي).
يعتقد الدبلوماسي التونسي السابق، أحمد ونيس بأن الأمريكيين كانوا ولا يزالوا متمسِّـكين بقوة، بأهمية وضرورة تحقيق الإصلاح السياسي في المنطقة العربية، ويرى أيضا أن الأمريكيين “خابت آمالهم” في العثور على أطراف عربية مستعدة للفصل بين مسألة الإصلاح من جهة، وبين معالجة ملفات أخرى أكثر تعقيدا تحتاج إلى أجيال ووقت ونفس طويل، مثل القضية الفلسطينية وحماية أمن إسرائيل.
ويرى أن الإدارة الأمريكية وجدت نفسها حاليا، بسبب الأوضاع الإقليمية، مدعوة إلى تغيير ترتيب أولويات سياستها الخارجية، دون التخلي نهائيا عن المسألة الديمقراطية، ويتجلى ذلك في التقرير الأخير عن حقوق الإنسان الذي أصدرته الخارجية الأمريكية، والذي تميز، حسب رأيه، بـ “تمسك قوي وواضح بمبادئ الإصلاح والرغبة في تقديم المساعدة في هذا المجال”.
النموذج الموريتاني
ومع أهمية وجهة النظر هذه، إلا أن الديمقراطيين العرب يشعرون، ليس فقط بخيبة أمل، ولكن أيضا يجدون أنفسهم يواجهون مأزقا حادا.
فشخصية ليبرالية معروفة باندفاعها الشديد نحو التغيير الديمقراطي، حتى داخل المجتمعات المحتلة، مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم، أصبح شديد الانتقاد للبيت الأبيض ويتّـهم إدارة بوش بالانقلاب على خطاب الإصلاح وتقديم تنازلات للأنظمة القائمة، وهو ينطلق في ذلك، من المنعرج الأخير الذي اتخذته الأحداث في مصر.
فعديد الديمقراطيين المصريين يعتقدون بأن ما تخلّـى عنه النظام المصري في المرحلة الأخيرة، خاصة خلال الانتخابات البرلمانية، عاد الآن ليسترجعه بفضل التعديلات الدستورية وتنظيم الاستفتاء الأخير، وهناك من يرى بأن ذلك ما كان ليحصل لولا تخلي الإدارة الأمريكية عن إعطاء الأولوية لمسألة الإصلاح السياسي.
إن المتأمل في الجدل السياسي الدائر داخل الأوساط الديمقراطية العربية، يلاحظ نزوع البعض نحو العودة إلى تصعيد الخطاب المعادي للولايات المتحدة.
فالدكتور منصف المرزوقي، السياسي والمثقف الليبرالي يدعو إلى “فك الارتباط في قلوب وعقول العرب بين الديمقراطية والسياسة الأمريكية”، ويرى في ذلك “ضرورة ماسة”، خوفا من أن “يفرغ العرب الرضيع الديمقراطي مع المياه القذِرة للتدخل الأجنبي وعجرفته”، وبذلك، بدل أن ينجح الأمريكيون في استقطاب الديمقراطيين العرب واحتوائهم من خلال مشروع الدمقرطة والإصلاح، خلقوا بسبب أخطائهم الإستراتيجية ردّ فعل متزايد ضد سياساتهم، بمن في ذلك الذين “توهموا” بأن البيت الأبيض قد تاب عن سياساته القديمة؟
وبالرغم من ذلك، يستمر الديمقراطيون العرب في تجديد المحاولات لإعلاء أصواتهم وإثبات وجودهم، كرقم يفترض أن يؤخَـذ بعين الاعتبار، مثل إصدار البيانات والاحتجاج وعقد التجمعات في أكثر من عاصمة عربية.
فعلى سبيل المثال، سيجتمع مع أواخر شهر مايو المقبل 400 مثقف وسياسي في الدوحة للمطالبة مرة أخرى بضرورة الإصلاح، كما سيلتئِـم في نفس التاريخ المؤتمر الأول لشبكة الديمقراطيين العرب، التي ظهرت للوجود في أعقاب اجتماع تأسيسي تم في الدار البيضاء (16 و17 ديسمبر 2005).
الأهم من ذلك، والأكثر دلالة، هو التحول الضخم الذي حصل في موريتانيا، والذي أعطى دليلا قويا بأن تحقيق الديمقراطية، احتمال ممكن في العالم العربي، سواء جاء ذلك بدعم أمريكي وغربي أم رغم أنفهما.
صلاح الدين الجورشي – تونس
القاهرة (رويترز) – تجمع مناوئون للولايات المتحدة وإسرائيل من حوالي 17 دولة في مؤتمر بالقاهرة يوم الخميس 28 مارس ووقفوا دقيقة حِـدادا على أرواح “شهداء المقاومة”، الذين قالوا إنهم سقطوا في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية وأفغانستان وطالبوا بقيام “تحالف عالمي للمقاومة”، وهذا هو المؤتمر الخامس الذي يعقد في القاهرة باسم “الحملة الدولية لمناهضة العدوان الأمريكي الصهيوني”، ويشترك فيه إسلاميون ويساريون وقوميون، عرب وأجانب، يرفضون السياسة الأمريكية في أفغانستان والعراق والسياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وقال المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف في كلمة في المؤتمر، الذي ستستمر أعماله ثلاثة أيام، “نحن نتعرّض لعدوان متّـصل منذ عقود لاستعمارٍ عاد في صورته العسكرية البغيضة ليذكرنا بأن استقلالنا منقوص”، لكنه أضاف أن “مشاركة هؤلاء الأحرار من كل بلاد العالم الغربي في حملتنا الدولية ضد العدوان، لهو دليل على إمكانية اللقاء المشترك”.
ويقول منظمو المؤتمر، إنهم يمثلون الرأي العام في بلادهم الرافض في غالبيته لسياسة أمريكا وإسرائيل.
وبدا المشاركون في المؤتمر أكثر تفاؤلا هذا العام بإمكانية “هزيمة” الولايات المتحدة في العراق وهزيمة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأشاروا بفخر إلى صمود مسلحي حزب الله في لبنان في حرب الصيف الماضي، التي استمرت شهرا مع إسرائيل.
وتحدث المنسق العام للمؤتمر محمد سامي عمّـا قال إنه هزيمة لحقت بالولايات المتحدة في العراق وهزيمة لحقت بإسرائيل في لبنان وقطاع غزة، وقال “نحتفي معا (هذا العام) بهزيمة أمريكا وإسرائيل”.
وقال نقيب الصحفيين جلال عارف، وهو ناصري في كلمته “في هذا العام (منذ المؤتمر السابق)، كتبت شهادة الوفاة للمشروع الأمريكي في العراق وفي المنطقة كلها”.
وساق المتحدثون قراري مجلسي الكونغرس الأمريكي الداعيين إلى سحب القوات الأمريكية من العراق العام القادم، دليلا على ما رأوا أنه هزيمة أمريكية.
وقال عاكف “بدأ العدوان في الانحسار… وإننا نعلن أن أي محاولات لشنّ حرب جديدة على إيران ستشعل المنطقة كلها… وستتصدّع الحكومات (العربية) الضعيفة، التي لا تعتمد على أي شرعية شعبية… هذه حرب مجنونة وحرب مرفوضة وسنقف جميعا ضدها”.
وتقول الولايات المتحدة، إنها تسعى لحل خلافاتها مع إيران حول برنامجها النووي والدور الذي تلعبه في العراق بالوسائل الدبلوماسية، لكن أي اختيار غير مستبعد.
وتحدث القائم بأعمال رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد بحر عن “ظاهرة المقاومة التي تتنامى يوما بعد يوم على الأرض العربية والإسلامية”، وقال “إننا على ثقة تامة بأن النصر حتمي لنا”.
ويحضر المؤتمر نشطون من فنزويلا، التي لقي موقف رئيسها هوغو شافيز المناوئ للولايات المتحدة إشادة من المتحدثين.
وقال متحدثون، إن السلطات المصرية رفضت إعطاء تأشيرات دخول لنشطين من لبنان وإيران والأراضي الفلسطينية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 مارس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.