مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ليبرالية النظام التجاري العالمي في خطر

تحول النظام التجاري العالمي إلى رهينة بين مناورات الدول الاعضاء وغضب الشارع (جنيف - 17 فبراير 2005) Keystone

حددت منظمة التجارة العالمية يوم 30 ابريل موعدا نهائيا لإنقاذ جولة مفاوضات الدوحة، فيما يشهد النظام التجاري العالمي انتكاسات قد تعصف بتوجهات جولة أورغواي التحررية.

ومن المتوقع أن يؤدي تنامي الإجراءات الوقائية وتكاثر الشكاوى المقدمة أمام لجنة فض النزاعات، وإبطال صفقة “مواني دبي”، إلى التأثير سلبيا على وتيرة تحرير التجارة العالمية.

حددت منظمة التجارة العالمية موعد 30 ابريل كموعد نهائي للتوصل الى اتفاق إطاري من شأنه أن يمهد الطريق أمام تحديد بنود اتفاق تجاري نهائي تختتم به جولة مفاوضات الدوحة التي شرع فيها في العام 2001 وكان من المفروض أن تكتمل مع بداية العام 2005

لكن الدول المؤثرة في هذه المفاوضات مازالت تماطل من أجل الإيفاء بوعودها سواء فيما بينها كقوى تجارية كبرى أو فيما يتعلق بالوعود المقطوعة تجاه البلدان النامية أو الأقل نموا. والأخطر من هذا وذاك هو رغبة البعض في التراجع عن المعايير التي كانت تمثل المحرك الرئيسي بالأمس لقطار الليبرالية التجارية وهو ما يدفع مجموعات إقليمية الى التكتل وإلى تصلب أكثر في المواقف.

أخذ ورد في الملف الزراعي

ما هو منتظر حتى 30 ابريل هو التوصل الى اتفاق حول الصيغ التي يتم بها تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الزراعية في العالم تمهيدا للتوصل الى تخفيض شامل للرسوم الجمركية عموما.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد اقترحت تخفيض نسبة الدعم الذي تقدمه لمزارعيها بحوالي 60% وتخفيض قيمة الرسوم الجمركية بما بين 55 و 90%. ولكنها اشترطت أن تقوم الدول الأخرى بفتح أسواقها. وقد ظهرت تصريحات أمريكية أخيرة تحذر من عدم القدرة على الإبقاء على هذه العروض في غياب ليونة من الطرف الآخر.

أما الاتحاد الأوربي فينقسم بين معارضة مزارعيه لأي تخفيض هام ، وتخوف أرباب القطاع الصناعي من أن يؤدي فشل الملف الزراعي الى إنهاء جولة مفاوضات الدوحة بدون أية نتائج تذكر وبالتالي تفويت فرصة تخفيض الرسوم الجمركية على قطاعات صناعية تملك فيها أوربا ورقة رابحة . وقد ظهرت انتقادات من ارباب القطاع الصناعي الأوربيين في اتجاه المفاوضين الأوربيين من ” أنهم لا يقدمون تنازلات كافية ( في الملف الزراعي) في الوقت الذي يطالبون به الأخرين بذلك”.

التحذير من الاتفاقيات الإقليمية

كحل بديل عن احتمال فشل جولة مفاوضات الدوحة ، تستعد العديد من الدول الى تسريع الاتفاقات التجارية الإقليمية . وقد أعربت عدة شركات أوربية عن الأمل في تسريع المفاوضات الثنائية بين الاتحاد الأوربي والبلدان الآسيوية بمجرد إنهاء جولة الدوحة.

ولكن المسئولة عن ملف التجارة والصناعة بالاتحاد الإفريقي إليزابيت تانكيو، حذرت من أن ” القارة الإفريقية بأكملها ستدفع ثمن التأثيرات السلبية للاتفاقات الثنائية التي تبرمها بعض الدول الإفريقية مع دول متقدمة في مجالات هي محط جدل في مفاوضات الدوحة”. وناشدت المسئولة الإفريقية الدول الإفريقية بإبداء موقف متضامن معربة عن ” أن مصالح القارة الإفريقية في عالم معولم لا يمكن الدفاع عنها بدون موقف متضامن، وبتعزيز الأسواق الإقليمية وبالاستفادة من المنافسة الدولية”.

المحاولات الوقائية

الدول الكبرى التي كانت تدفع بقوة في اتجاه تحرير التجارة العالمية وإرغام الدول النامية والصاعدة على فتح أسواقها بموجب قوانين تحرير التجارة العالمية ، ولا تقبل أية مبررات أخرى لعرقلة هذه المسيرة التي أصبحت بمثابة إيديولوجية جديدة ، بدأت تلجأ بكثرة الى وضع قيود وقاية عندما يحاول الغير الاستفادة من تطبيق تلك المعايير.

ويكفي ان نلقي نظرة على سجل الشكاوى المعروضة أمام لجنة فض النزاعات بمنظمة التجارة العالمية منذ تأسيسها في العام 1995، لكي نكتشف بانها بلغت 90 قضية مرفوعة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، و 90 قضية ضد الاتحاد الأوربي . وقد قدم كل من العملاقين التجاريين 81 شكوى ضد الغير.

وإذا كانت منظمة التجارة العالمية تتميز عن غيرها من المنظمات الدولية المتعددة الأطراف، بأنها تعامل كل الأعضاء بتساو فيما يتعلق بمدى احترام المعايير المتفق عليها، فإننا نشاهد اليوم بروز تصرفات قد تلحق ضررا كبيرا بمعايير تحرير التجارة العالمية باعتراف الجميع. وخير مثال على ذلك التدخلات التي طرأت أثناء صفقة شراء شركة ” مواني دبي العالمية” لشركة O &P .

عولمة في اتجاه واحد

جهود تحرير التجارة العالمية والمبادئ التي قامت عليها نظريات اقتصاد السوق تجد نفسها اليوم محط اختبار عسير بعد لجوء العديد من الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي الى إجراءات وقائية غير متسترة تارة باسم المتطلبات الأمنية وأخرى بدعوى الحفاظ على الرموز الوطنية.

فبالإضافة الى تملص وتباطؤ الدول المتقدمة في الإيفاء بما وعدت به من تسهيلات للدول النامية في جولة أورغواي التي سبقت قيام منظمة التجارة العالمية في العام 1995، نجد اليوم ان هذه الدول بدأت ترفض تطبيق ما كانت تفرضه بالأمس القريب على الدول النامية , و مس حتى أكثر القطاعات حيوية مثل شبكات توزيع المياه.

فقد عرفت فرنسا عدة محاولات تم خلالها تدخل الرئيس الفرنسي لحض المساهمين على منع شراء شركة ” أرسيلور” من قبل الشركة الهندية ” ميتال ستيل”. كما تدخلت الحكومة الفرنسية لمنع شراء شركة ” سويز” من قبل شركة ” إينل” الإيطالية وذلك بدفع شركة ” غاز دو فرانسّ إلى تقديم عرض مغر لشراء الشركة وبقائها بين أيدي فرنسية.

ولم تتأخر الولايات المتحدة، متزعمة النظام الليبرالي، عن اتخاذ مواقف وقائية مماثلة عندما أثير جدل كبير حول اعتزام الشركة الصينية ” سي ان او او سي ” شراء شركة ” اينوكال ” الأمريكية.

ولا شك في أن ما أثير من جدل، بخصوص شراء شركة ” موانئ دبي العالمية” لشركة “O&P” البريطانية التي تدير ستة مرافئ أمريكية، ومعارضتها بإسم محاربة الإرهاب، بوكون البلد المعني ينحدر منه عدد ممن ساهموا في أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001، يجسد أكبر ضربة ليس فقط لمصداقية المعايير التي تقوم عليها منظمة التجارة العالمية بل ايضا لمستقبل الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي خارج المنطقة عموما.

وحتى ولو أدت الضغوط الى إيجاد تسوية ودية بتراجع الشركة الإماراتية عن الإدارة المباشرة للموانئ الأمريكية وترك ذلك لشركة امريكية، فإن الموضوع أثار قلقا في أوساط منظمة التجارة العالمية. وهو ما عبر عنه السفير الصيني بقوله” أن استخدام المخاوف في مجال الأمن القومي بصورة مبالغ فيها، يعتبر وسيلة من وسائل الالتفاف على قواعد التجارة العالمية وإجراء يهدد نظام التجارة العالمية”.

ضرب لمصداقية الاستثمار في الاتجاهين

لكن من التأثيرات السلبية الكبرى لقضية صفقة “مواني دبي العالمية” هو ما قد يعرفه قطاع الاستثمار في وقت تتردد فيه الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية في فتح الملف للمفاوضات.

إذ تتخوف أوساط أمريكية عديدة من أن يؤدي فتح ملف تعريف المنشآت التحتية الحساسة التي يجب حمايتها ومنعها من السقوط بين أيد أجنبية الى عرقلة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة الأمريكية التي بلغت العام 2004 اكثر من 1،5 تريليون دولار، من بينها 9،3 بليون دولار استثمار مباشر لشركات عربية.

وقد ندرك أسباب هذا التخوف عندما نطلع على أن المقصود بالبنية التحتية الحساسة كما جاء على لسان رئيس لجنة القوات المسلحة بالكونغرس والعضو الجمهوري دنكان هنتز: ” أي نظام أو أصل سواء كان ماديا او افتراضيا ، يكون حيويا للولايات المتحدة الأمريكية ، بحيث يؤدي تأثير النظام أو أحد الأصول أو العجز في أي منهما إلى إضعاف الأمن القومي او الأمن الاقتصادي او الصحة العامة أو الشعور بالأمان”.

كما عبرت أوساط أمريكية عن التخوف من أن تؤدي سلبيات قضية صفقة “مواني دبي العالمية” الى التأثير على استثمارات الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج وبالأخص في منطقة الخليج التي ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في إدراجها ضمن اتفاقية التجارة الحرة في منطقة الشرق الأوسط المعروفة باسم ” ميفتا ” والتي تضم 22 دولة عربية إضافة الى إسرائيل. ولاشك أن أول عثرة عملية في هذا المجال تأجيل المفاوضات التي كان من المفروض الشروع فيها مع الإمارات العربية المتحدة تمهيدا لمشروع ” ميفتا”.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية