مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ما سر الديمقراطية الكويتية؟

مواطنون ومؤيدون للمعارضة يحتجون على انتخاب النائب جاسم الخرافي رئيسا للمجلس الأمة عوضا عن أحمد السعدون يوم 12 يوليو 2006 Reuters

الكويت من الداخل، غيرها تماما من الخارج، فمن يطل على هذا الثغر البحري من أجواء المنطقة العربية، قد يرى صورا ملتبسة، تطغى عليها في الغالب سِـمة النفط والثراء والاستهلاك المفرط والاتهامات للكويتيين بالتعالي أو التشاوف.

لكن الصورة من الداخل، تبدو على طرفي نقيض: حيوية مميزة لمجتمع مدني متميز، «شراسة» ديمقرطية تفوق حتى مثيلتها في لبنان، حرية صحافة عالية نسبياً وعلاقات بين الحاكمين والمحكومين، تبدو خارجة على المألوف، ليس فقط في منطقة الخليج، بل أيضا في كل الشرق العربي.

هذه اللوحة الجميلة من الداخل، لا تعني أن كل شيء يلمع ذهبا في الكويت، فالمشاكل الاجتماعية كبيرة، وفي مقدمتها إنتشار آفة الفساد والمحسوبيات وخرق القانون، وهذا واضح من جدول أعمال مجلس الأمة (البرلمان)، الذي يتضمّـن قضايا فساد كبرى “دائمة” لما تحل بعد مثل فصيحة الناقلات، المتهم فيها خمسة مسؤولين، بينهم وزير النفط السابق الشيخ علي خليفة (الناشر الحالي لصحيفة “الوطن”، والموجود الآن في الولايات المتحدة)، والتي يُـقال أنها كلّـفت الخزينة ملياري دينار كويتي (الدينار يساوي 3،3 دولار)، وفضيحة الفحم المكلسن وفضيحة المدينة الإعلامية وفضيحة الإعلام الخارجي وفضائح المال العام.. الخ.

ثم هناك مشروع تطوير حقول الشمال النفطية. فالمعارضة، وتحت شعار مكافحة الفساد المتضمّـن في هذا المشروع الضخم، تريد في الواقع حصّـة من البترو- دولار عبر وسيلتين اثنتين: الأولى، اقتطاع جزء من الأموال الطائلة، التي يُـتوقع ان تنفق من جديد على البنى التحتية ومشاريع تحديث قطاع النفط، بعد الفورة الهائلة في أسعار البترول، التي جعلت سعره يتجاوز عتبة 70 دولاراً (والعد لا يزال مستمراً).

وتقول مؤسسة “ميدل إيست إكونوميست سيرفاي”، التي ترصد المشاريع في منطقة الخليج، بأن خطط الاستثمار الجديدة في المنطقة ستصل إلى رقم مذهل، هو تريليون دولار، بعد أن كانت 277 ملياراً قبل 18 شهراً فقط، والكويت، التي تنتج الآن زُهاء 2،2 مليون برميل يومياً، ستكون في مقدمة المستثمرين جنباً إلى جنب مع السعودية ودولة الإمارات.

والوسيلة الثانية، تنطلق من الحقيقة بأن الكويت كانت بدأت التفكير قبل الأزمة الراهنة بوقت غير قصير، بإعادة النظر بخطوة تأميم النفط التي اتّـخذتها عام 1975.

الهدف المعلن، هو حاجة قطاع النفط إلى التكنولوجيا والخبرات الحديثة، التي لن توفرها سوى عودة شركات النفط العالمية، مثل أكسون وموبيل وشيفرون وبي. بي وشيل وغيرها، إلى عملية الإنتاج النفطي الكويتية.

بيد أن البرلمان القوي، الذي تسيطر عليه قوى المعارضة، لن يقبل بهذه الخطوة الدرامية، التي تتجسد في ما يُـطلق عليه اسم “مشروع الكويت”، إلا مقابل ثمن دسم: حصّـة من عائدات النفط، سواء على الصعيد الفردي أو المنظماتي، وهذا سيعني نُـشوب معركة شدّ حبال مع الحكومة، قد لا تقل قسوة عن معركتي اقتطاع حصّـة من استثمارات البنى التحتية وتعديل الدوائر الانتخابية.

الخصوصية

وإضافة إلى الفساد، هناك الانقسامات على أسُـس قبلية وحضرية وطائفية، التي تدفع في العديد من الأحيان إلى دق نواقيس الخطر. فثمة في الكويت ما يُـسمى بأهل “داخل السور” (أي سور الكويت القديم)، المكَون من العائلات التجارية الحضرية، التي ساهمت مع آل الصباح في تأسيس الدولة قبل أربعة قرون، وأهل “خارج السور”، الذين يتشكـَلون من القبائل البدوية، التي حصلت على الجنسية الكويتية في وقت متـأخر، مثل قبائل العوازم والعنوز وشمر والعجمان وغيرهم.

الصراع بين البدو والحضر قائم، وهو يتغذى من اللَّـعب على التناقضات التي تقوم به السلطة بين الطرفين، غالباً لصالح البدو الذين يشكلون الآن غالبية السكان (نحو 60%). أما الصراعات الطائفية، فتتمثل في التوترات بين الغالبية السُـنَية(70%) والأقلية الشيعية (30%)، خاصة على خلفية الصراعات الإقليمية العامة في العراق وإيران وبقية دول المنطقة.

كل هذه سلبيات خطرة بالطبع، وهي تمس بشطحة قلم واحدة جُـملة أسُـس بنيوية تستند إليها قيامة أي وطن: بناء الدولة القوية والوحدة الوطنية وسيادة القانون والشفافية وأولوية المؤسسات الحديثة.. الخ، لكن، ومع ذلك، لا تلغي هذه السلبيات حقيقة كبرى، الخصوصية المميزة للغاية لهذا البلد الصغير، والتي تشكّـل سرّه الكبير، وهي خصوصية يمكن تعريفها أو مقاربتها عبر أسئلة محددة:

لماذا الكويت وحدها، دون غيرها من الدول العربية، نجحت في بلورة ديمقراطية نسبية، أثبتت القدرة على التأقلم مع أصعب الظروف الداخلية والخارجية؟

ولماذا الكويت، دون غيرها من الدول العربية، تبلورت فيها «الأمة» (بمعنى الشعب) قبل قيام الدولة؟

ولماذا الكويت، دون غيرها من الدول العربية تتبخّـر فيها الخلافات الأهلية الداخلية، لدى أول بارقة تهديد خارجي؟

ثم، وهنا الأهم: ما هي العوامل التي تقف وراء ولادة الهوية الوطنية الكويتية وتجعلها تنجح في «تكويت» كل شيء، من التيارات الإسلامية الى التوجّـهات اللبرالية، مرورا بالمدارس القومية والماركسية (سابقا)؟

تاريخ خاص

جيل كريستال، البروفسور المساعد للعلوم السياسية في جامعة ميشيغان، لها تفسير لهذه الظاهرة: التاريخ الخاص للبلد.

تقول: «فكرة رئيسية هيمنت على هذا المجتمع الصغير منذ نشأته قبل ثلاثة قرون، حماية النفس من التهديدات الخارجية، وهو توجّـه لم يضعفه دخول النفط على خط إعادة تشكيل البنى المحلية الكويتية والدولية، فحافظ الكويتيون على إحساس مميّـز تَـم تطويره منذ أواسط القرن الثامن عشر بالهوية الكويتية الخاصة”.

السر إذن، ربّـما يكمُـن في «الكوت»، الذي بناه الكويتيون عام 1716 والذي كان تطوّره والأحداث الجِـسام التي رافقت قيامه، نواة الهوية الوطنية.

الكوت كان القلعة الصغيرة، التي ترعرع فيها الانتماء الوطني ليولد منها لاحقا الوطن الكويتي الحالي، ثم جاءت «التسوية التاريخية»، التي لم يسبق لها مثيل بين الحكام والمحكومين مع النشأة الأولى للدولة لتعطي هذه الهوية الوطنية نكهتها الديمقراطية المميزة، وللكويت خصوصيتها المميزة.

فمنذ أن برز الكِـيان الكويتي إلى الوجود في القرن السادس عشر، شذ عن باقي الكِـيانات العربية في كونه حصيلة عقد تاريخي بين المحكومين الكويتيين، الذين كانت غالبيتهم من التجّـار، وبين الحكام من آل الصباح، الذين خوّلوا صلاحية إدارة شؤون الدولة الناشئة، بما في ذلك العلاقات الخارجية وتحصيل الضرائب، وهذا عنى أن الكويت كانت منذ نشأتها مِـلكية دستورية إلى هذا الحد أو ذاك، ولذا، لم يكن غريباً أن يبرز فيها أول برلمان مُـنتخب بشكل مباشر في منطقة الخليج، وأن يتمتع هذا البرلمان بصلاحيات نادرة في المنطقة العربية، بما في ذلك إقالة رئيس الوزراء وتأكيد بيْـعة أمير البلاد، بعد ترشيحه من قِـبل الأسرة الحاكمة.

نحن الآن في يوليو، وهو الشهر الذي تفوق فيه الحرارة في الكويت 50 درجة مائوية وتستقِـر هناك حتى أواخر شهر أغسطس. 60% من الكويتيين (نحو مليون نسمة) خارج البلاد، حيث يمضون عطلاً صيفية، ذكر أنهم ينفقون خلالها مئات ملايين الدولارات، ومعهم معظم نواب الأمة، ولذا تبدو الكويت هذه الأيام في حال سُـبات صيفي طويل، لكنه في الواقع سُـبات يسبِـق العواصف التي تهبّ عليها عادة مع الأيام الأولى من شهر سبتمبر، حيث تنشب الصراعات مجدّداً بين البرلمان القوي والحكومة الضعيفة، وبين الكُـتل السياسية على أنواعها، الإيديولوجية والقبلية.

لكن، وبرغم أن هذه الصراعات مرهقة ومكلّـفة، إلا أنها صحية، فهي جزء من الخصوصية الكويتية، من سر روح الكويت، التي لا ترى من الخارج.. فيما هي حية وقوية وتركل في الداخل.

سعد محيو – الكويت

الكويت (رويترز) – ربما تكون الكويت قد نزعت فتيل أزمة سياسية باستقالة وزير النفط، الذي ثار حوله الجدل، غير أن البرلمان لم يحقق تقدما يذكر باتجاه إقرار قوانين رئيسية مما أثار مخاوف من مواجهة جديدة مع مجلس الوزراء.

وفي ختام الدورة البرلمانية وبدء العطلة الصيفية في الأسبوع الماضي، تحدث جاسم الخرافي، رئيس البرلمان بكلمات وداع دافئة لفترة تشريعية غلبت عليها الخلافات والنقاشات المحمومة التي أعاقت إصلاحات طال انتظارها.

ومن غير المقرر أن يجتمع البرلمان ثانية حتى نهاية أكتوبر، ولكن لديه تاريخ في تحدّي الحكومة.

وقال على البغلي، وهو محلل سياسي ووزير نفط سابق “الناس تشعر بالضجر من عدوانية البرلمان، ولكن الحكومة أيضا لها دورها في ذلك”، وأضاف “يتعين على الحكومة الآن أن تعد قوانين هامة أثناء العطلة الصيفية لتكون جاهزة عندما يستأنف البرلمان انعقاده”.

وتريد الكويت، وهي مصدر رئيسي للنفط، أن تنوع اقتصادها لتحاكي نجاح دبي والبحرين، اللتين قلّـصتا اعتمادهما على النفط بتحويل بلادهما إلى مراكز مالية وتجارية.

ولكن، على الرغم من دعوات أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، بأن تعمل السلطة التنفيذية والتشريعية معا، فإن قوانين رئيسية، بما فيها قانون لخفض الضرائب على الشركات الأجنبية، تم تأخيرها.

ويخوض البرلمان صراعا مع الحكومة من أشهر، بلغ ذروته باستقالة وزير النفط الشيخ على الجراح الصباح بعد تسع ساعات من الاستجواب في البرلمان.

وإلى جانب الشيخ علي، وهو عضو من الأسرة الحاكمة، استقالة وزير المواصلات شريدة المعوشرجي.

وفي مارس، استقالت الحكومة بأكملها لتجنب اقتراع على الثقة في وزير الصحة آنذاك بعد خلاف ماثل.

ودعت صحيفة عالم اليوم الكويتية اليومية في افتتاحية يوم السبت الحكومة إلى أن تطور برنامج إصلاح جاد، وقالت الصحيفة “أمام الحكومة فرصة مناسبة من الوقت عليها أن تستغلها في إنجاز التزاماتها وتنفيذ مهماتها وترتيب أوراقها وتصحيح أوضاعها وتجنب الوقوع في أخطاء جديدة”.

ولا زال يتعيّـن أن يتجاوز مشروع بعدّة مليارات للتّـنقيب في حقول النفط الشمالية بالبلاد مستوى اللجان وفي محاولة لاستعراض العضلات تغلق دورة البرلمان أبوابها، أعاق مشرِّعون خطط الحكومة للإسراع ببيع الخطوط الجوية الكويتية، التي تعاني من خسائر.

وتقول الصحف، إنه عندما يعاود البرلمان العمل، يخطط النواب لإحياء مشروع قانون مثير للجدل رفضته الحكومة من قبل بإلغاء القروض الخاصة للكويتيين المَـدْيونين، بسبب الإسراف في التسوق.

وقالت جماعة الأمة المعارضة، إنها تتوقع تِـكرار مثل تلك الخلافات إلى أن تسمح الكويت بتشكيل أحزاب سياسية.

والأحزاب السياسية ممنوعة في الكويت، وعلى الرغم من المواجهة الأخيرة، فإن الأمير له القول الفصل في الشؤون السياسية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 يوليو 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية