مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

باول استبق تهاوي الحصار العراقي ب”العقوبات الذكية”

باول وعد محاوريه العرب باعادة النظر في العقوبات المفروضة على العراق swissinfo.ch

دخلت القضيتان الأبرز في الشرق الأوسط و الخليج منعرجا جديا بين زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأولى و بين موعد القمة العربية الدورية الاولى.

وسواء قررت الادارة الامريكية القاء عملية السلام خلف ظهرها أم اعطاء الاولوية لاحتواء العراق عبر العقوبات الذكية –كما اصبحت توصف- فان الواقع الذي يفرض نفسه بقوة على رؤية الادارة الامريكية الجديدة ان القضيتين على ارتباط وثيق ببعضهما.. لعل باول قد سمع هذا الكلام من كل مضيفيه العرب فضلا عن وزير خارجية روسيا الذي كان التقاه في مستهل جولته في القاهرة.

و فيما كانت محركات طائرة الوزير الامريكي تزأر استعدادا للاقلاع نحو المنطقة العربية كانت القضيتان الفلسطينية والعراقية تتنافسان في استقطاب الحدث في المنطقة و في العالم.. اذ تأتي زيارة باول الاولى متزامنة مع اشتداد مازق السلام من ناحية..

و مع بدء العراق لمفاوضات مع الامم المتحدة فضلا عن حدث عاطفي و رمزي في الكويت التي تحتفل بالذكرى العاشرة للتحرير بمحضر رموز الحلفاء الذين جددوا التزامهم بأمن الكويت في مواجهة أي تهديدات عراقية جديدة…كما تاتي ذات الزيارة اياما قليلة بعد القصف الامريكي و البريطاني لبغداد.. و اخرى قبل انعقاد قمة عربية قد تكون حاسمة بشان الملف العراقي من ناحية التعامل العربي معه.

لذلك يميل كثير من المراقبين الى ان كولن باول اختار توقيت قدومه الى المنطقة لاعطاء التعليمات الجديدة او على الاقل لكبح جماح الدول العربية التي تطبع مع العراق بسرعة كبيرة.. و ايضا للاستماع الى وجهتي النظر السعودية و الكويتية دون اهمال المشاركة في الحدث العاطفي الكويتي بما يحمله ذلك من دلالة على المساندة الامريكية في كل الاوقات، و تحديدا في الوقت الذي بدات فيه الكويت تشعر بالحرج المتزايد نتيجة الاتهامات العراقية لها و للمملكة السعودية بتسهيل الضربات الجوية على مناطق الحظر الجوي، و التي تتزايد الانتقادات العربية و الدولية لها في ظل مساعي غير خافية لتطبيع الاوضاع مرحليا بين الجيران الاعداء منذ اكثر من عشر سنوات.

و في هذه الاثناء، جددت كل من الكويت و الرياض تبرئة ذمتيهما من ضرب العراق.. و اكدتا انهما لا يعارضان أي اجراءات جديدة لتخفيف المعاناة عن الشعب العراقي.. فيما ارتفع صوت الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان مناديا بالرفع الفوري للعقوبات و طائرة الوزير باول ما تزال رابضة على الاراضي السعودية..

و لعل هذا الامر لم يكن ليسعد الزائر الامريكي الذي بدت ادارته مستسلمة للواقع الجديد الذي فرضه جيران العراق الخليجيين مما دفعها للبحث عن صيغ اخرى ذكية تمنع الانهيار الكامل للعقوبات على العراق.. فكانت زيارة التشاور الاخيرة و التي اشتم منها المراقبون ان شيئا وشيكا سيحدث في هذا الشان و ربما قبل انعقاد القمة العربية.

لكن هذه التطورات لم تحدث فجاة.. فمنذ سنتين برز اسم قطر في طليعة الدول الخليجية التي تقود جهودا لرفع الحصار عن العراق.. و كان ان تقدمت بافكار في الصدد لا شك انها تنتظر الوقت المناسب لتفعيلها, و قد اهلها ذلك لان تكون محور طلبات توسيط كشفت عنها الصحف اللندنية مؤخرا.. و تقول هذه الاخبار ان كبار المسؤوليين البريطانيين طلبوا من وزير خارجية قطر اقناع العراقيين بقبول لجنة مفتشي الاسلحة الاممية.. و سوف يظهر ذلك غداة انتهاء مفاوضات العراق مع الامم المتحدة..كما ان الموقف العماني و الاماراتي لم يتغير في اتجاه بغداد مما شكل قوة ضغط كانت بلا شك في حقيبة افكار باول و هو يزور المنطقة في ظرف متحول تحاول الادارة الامريكية استباقه بما يضبط الايقاع فلا يتركه على الهوى العربي الكامل..

و ربما عزا بعض المراقبين الاستعجال الامريكي في الملف العراقي الى درجة اعطائه الاولوية على قضية سلام الشرق الاوسط الى هذا الامر..على ان تعود الامور الى سلاف عهدها عند ظهور العقوبات الذكية و ما يمكن ان تمتصه من حالة الحماس للعراق..

لكن مراقبين اجانب و في طليعتهم الروس لا يعتقدون ان الادارة الامريكية الجديدة تمشي على الطريق السليم.. وهو الراي السائد عربيا ايضا و الذي ان لم يكن باول قد سمعه، فانه قد قرأه بلا شك في اغلب الصحف العربية و منها الخليجية و التي انتقدت خيارات واشنطن الجديدة.

و ايا كانت نتائج جولة وزير الخارجية الامريكي غامضة الان فان اياما معدودة لا تزال تفصلنا عن القمة العربية التي ستكون افصح ترجمان على حصيلة الهجمة الديبلوماسية الامريكية الاولى في منطقة تعيش تحولا لافتا على مستوى النظر الى القوة الحقيقية للولايات المتحدة الامريكية في ظل حكم الذين صنعوا حرب الخليج الثانية و لا يعرف احد ماذا سيصنعون بها الان بعد عشر سنوات مرت خلالها مياه كثيرة تحت الجسر.

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية