“تفجيرات شرم الشيخ”.. والإصلاح بالعالم العربي
حذر خبراء ومحللون سياسيون الحكومات والأنظمة العربية من توظيف تفجيرات "شرم الشيخ" الإرهابية لوقف محاولات الإصلاح والتغيير التي بدأت تتحرك.
وأكدوا أن مثل هذه التفجيرات قد تؤدي إلى ترحيل أو تقليل الاهتمام بالإصلاح في المنطقة العربية، بدعوى أن الحفاظ على الأمن يجب أن يحتل مكان الصدارة في اهتمام الحكام والأنظمة!
رغم الاتفاق على إدانة الهجمات الإرهابية التي تعرّض إليها منتجع شرم الشيخ ليلة 22 يوليو الماضي، حذرت أحزاب المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان في مصر من أي محاولة لتضييق مناخ الحرية، داعية الجهات الأمنية لعدم انتهاج سياسات معتادة في مثل هذه الأوضاع بإجراء اعتقالات عشوائية أو ممارسة أي صورة من صور التعذيب، حسبما ذكرت جريدة الشرق الأوسط.
وقال رئيس حزب التجمع اليساري المعارض الدكتور رفعت السعيد، إن الإرهاب ضد الحرية، ويستخدم بهمجية في مواجهة الذين يختلفون معه ولا يعطيهم أي حرية، وهو ضد الديمقراطية، مشيرا إلى أن ما حدث سيُـعطي فرصة للنظام لاستخدام أدوات ومعايير معادية للديمقراطية، وهذا حدث داخل مصر وخارجها.
أما الأمين العام لحزب الوفد الدكتور السيد البدري، فحذر من ممارسات غير مقبولة في هذه الأجواء، مؤكّـدا أن الزمن لن يعود إلى الوراء، وأن حركة الحراك السياسي المستمرة في مصر لن تتوقف، وهذا الإرهاب الغاشم لن يوقفها، ولن توقفها أيضا أي ممارسات من جانب الدولة.
المقاومة الثقافية
من جهته، طالب الدكتور محمد نور فرحات، أستاذ القانون الدولي بجامعة الزقازيق والمستشار القانوني للاتحاد العام للصحفيين العرب، الحكومات العربية بالمزيد من الديمقراطية وإشاعة أجواء الحرية وفتح الباب واسعا أمام القوى الوطنية بجميع فصائلها وانتماءاتها السياسية، لحصر الإرهاب ودحره والقضاء عليه، معتبرا أن “زيادة المناخ الديمقراطي هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على الإرهاب”.
وقال الدكتور فرحات في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “أدعو الحكومات العربية، وفي مقدمتها مصر، إلى وقف العمل بقانون الطوارئ والقوانين سيئة السمعة فورا، فربع قرن من الزمان – في مصر- أثبت فشل هذه القوانين الاستثنائية في التصدي للإرهاب والعنف، فلترجع الحكومات إلى صوابها، ولتصطلح مع شعوبها ولتتحصن بها دروعا واقية، وليقف الجميع صفا واحدا ويدا قوية تضرب على رأس الإرهاب”.
ودعا فرحات “كل القوى السياسية التي تدعو للتغيير والإصلاح في مصر أن يضعوا المقاومة الثقافية للإرهاب في صدر اهتماماتهم، وحبّـذا لو توحّـدت كل هذه القوى والجماعات حول عقد مؤتمر قومي للتصدّي للإرهاب، انطلاقا من أن الإرهاب هو العدو الأول للإصلاح والديمقراطية، لكونه يمثل قيدا على الإصلاح”، محذرا من أن “هذه التفجيرات التي وقعت على يد إرهابيين قد تعطي مزيدا من المبررات للحكومات والأنظمة في مصر والعالم العربي لوقف محاولات الإصلاح التي بدأت تتحرك في بعض دول المنطقة”.
وردا على سؤال حول مدى تأثير التفجيرات على الإصلاح المنشود، قال فرحات “أعتقد أن الأمر سيعتمد على تفاعلات القوى السياسية داخل المجتمع، ومدى حِـرصها على التغيير، وتصميمها على الاستمرار في المطالبة بالإصلاح دون كلل أو ملل، ومدى إدراكها أيضا للتأثير السلبي للإرهاب على عملية الديمقراطية”، مشيرا إلى أن “المُـضي قُـدما في المطالبة بتسريع خطوات الإصلاح في مصر والعالم العربي، سيتيح لقوى المجتمع بكل فصائلها فرصة أكبر للمشاركة في القضاء على الإرهاب”.
حذار من “المنهج البوشي”!
ويتفق الدكتور حسن نافعة، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مع الدكتور نور فرحات، إذ يضيف أنه “مما لا شك فيه أن غالب الحكومات العربية، وفي المقدمة منها مصر، ستسعى جاهدة إلى استغلال الحادثة الإرهابية التي وقعت في مدينة شرم الشيخ، وتوظيفها لصالحها، جريا على المنهج البوشي الذي يصرخ ليلا نهارا مطالبا بالاتحاد للقضاء على الإرهاب في العراق وفلسطين والدول العربية ليبقي الاحتلال العسكري للعراق، وليظل الوضع على ما هو عليه، وكذا ليبقى الفساد متسترا خلف شعار (محاربة الإرهاب)”.
ويقول الدكتور حسن نافعة في تصريحات لسويس إنفو: “مما هو معلوم بلا جدال، أن الإصلاح السياسي والانفتاح على قوى المجتمع المدني يؤدّيان إلى تحصين المجتمع في مواجهة الإرهاب الأسود، والمشكلة باختصار شديد أن المجتمع في واد، والدول والحكومات العربية في واد آخر. فبينما ينظر المجتمع إلى الإرهاب على أنه مشكلة مزمنة تحتاج إلى تضافر الجهود للوصول إلى حل مجتمعي، تنظر حكومات وأنظمة العالم العربي إليه بنظرة أمنية قصيرة المدى”.
ويشير نافعة إلى أن “الانفتاح والإصلاح هما الضمانة الحقيقية للقضاء على الإرهاب، وتحصين المجتمعات العربية ضده، وعلى الحكومات العربية المسارعة بسدّ المنافذ أمام (الإرهابيين الجُـدد). فالأنظمة العربية تُـطالب قوى المجتمع بأن تغلق فمها وتغمّض عينها، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفريخ مزيد من الإرهابيين”.
وطالب الدكتور نافعة الحكومات العربية “أن تتعامل مع الأمر بجدية وعلم، وبدلا من أن تبدد قوتها ووقتها وأموالها في معالجة عوارض الإرهاب، فإن عليها أن تبحث وتحلل أسباب هذه الظاهرة”.
ويختتم الدكتور حسن نافعة، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، بالقول إن “المجتمعات العربية جاهزة للمشاركة في القضاء على الإرهاب، لكنها تحتاج إلى حكومة رشيدة تقدر دورها، غير أن المتوقع أن تسعى الحكومات العربية إلى توظيف التفجيرات لتكميم أفواه المجتمع، وتأجيل الحديث عن الإصلاح”، معتبرا أنه “يمكن استثمار هذا الحادث إيجابيا، بتوسيع المشاركة السياسية والانفتاح نحو مزيد من الحريات العامة، وهذا كله للأسف يتوقف على موافقة الحكومات والأنظمة العربية التي أستبعد – في الوقت الحالي – أن تستجيب لهذه الرغبات والأماني”.
تعديلات “تجميلية”
من جهته، أوضح الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومدير مركز بحوث ودراسات الدول النامية بجامعة القاهرة، أن “الرئيس مبارك يسير في طريق الإصلاح ببطء شديد جدا، وفي اعتقادي أن هذه الوتيرة لن تسرع، على الأقل في الفترة المقبلة، كما أتصور أن قيادات الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) ليس من مصلحتها التسريع بالإصلاح”، معربا عن اعتقاده أن “التحولات السياسية تتوقف على نوايا ورغبة الحكومات والأنظمة، لا على ما تطلبه الشعوب العربية”.
وأضاف الدكتور مصطفى كامل السيد، في حديثه مع سويس إنفو “أما بالنسبة للتغيير والإصلاح في مصر والدول العربية، فالأمر لا يتعدّى محاولة تجميل النظام، فليست هناك نية في الإصلاح الحقيقي، وما يحدث حولنا هو نوع من الادّعاء بالسير في طريق الإصلاح مع إحداث بعض التعديلات الهامشية كنوع من سبك الدور جيدا لإسكات الشعوب المغلوبة على أمرها”.
غير أن الدكتور كامل نفى أن تكون “هناك أي علاقة بين تفجيرات شرم الشيخ وبين ما يسمّـى بالإصلاح والتغيير في مصر والعالم العربي، لأن من قاموا بهذه العملية ليس لهم أي وجود في الساحة السياسية، وإنما هدفهم الانتقام من مصر بضرب السياحة التي ينظرون إليها على أنها من المحرّمات!”، مؤكّـدا أن “القوى السياسية الموجودة على الساحة، والتي تطالب بالإصلاح والتغيير، فليس لها أي صلة من قريب أو بعيد بهذه التفجيرات”.
وتعليقا على مسارعة 8 زعماء أحزاب للترشح في انتخابات الرئاسة، قال الدكتور مصطفى كامل: “أولا هذه الأحزاب هامشية، فلا وزن ولا ثقل لها في الشارع السياسي، بل إن غالب المصريين حتى معظم المثقفين لا يعرفونهم ولا يسمعون عن أحزابهم، وفي تقديري إن ترشحهم هو خدمة للنظام ليس أكثر. فهم يحاولون بهذا الترشح أن يتقربوا إلى الحزب الوطني الذي يسعده بالطبع أن يترشح للرئاسة أشخاص ضعفاء، فهم في النهاية لن يكونا أكثر من ديكور أو محاولة يائسة لتجميل وجه النظام.
وحول ما يتردد من أن الحزب الوطني قد يفاجئ الجميع ويرشح السيد جمال مبارك للرئاسة، على اعتبار أنها فرصة ربما لا تسنح مرة أخرى على هذا النحو، قال الدكتور مصطفى كامل: “بداية أنا ضد مبدأ توريث السلطة بأي شكل من الأشكال، ولا أعتقد أنه من الحكمة أن يرشح الحزب الوطني الآن السيد جمال مبارك لمنصب الرئيس، فالجميع يعلم علم اليقين أن للاستفتاء كان مزيفا وأن الانتخابات القادمة سيتم تزويرها، فضلا عن أن هذه الانتخابات ليس لها سند ديمقراطي”.
همام سرحان – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.