مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السياسة الخارجية لم تعد شأناً داخلياً!

هناك حاجة لبعض التعديلات الدستورية في حال انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي swissinfo.ch

يزداد ثقل السياسة الخارجية في سويسرا، لاسيما وأنها أصبحت تؤثر بصورة متزايدة على قطاعاتٍ، تدخل تقليدياً في نطاق السياسات الداخلية للدولة.

وفي الوقت الذي لا يلعب فيه البرلمان دوراً في مجال رسم السياسة الخارجية السويسرية، فإن انضمام برن إلى الاتحاد الأوروبي (في حال حدوثه) سيؤدي إلى فقدانه للمزيد من أهميته.

السؤال ليس افتراضيا، بل هو يفرض نفسه فرضاً على الساحة السياسة السويسرية: ما هي الخطوة التالية بعد توقيع برن وبروكسيل على الحزمة الثانية من المعاهدات الثنائية بينهما؟

في أوقات ماضية، كان رد الحكومة السويسرية سيكون جاهزاً وحاسماً في آن واحد: الخطوة التالية بطبيعة الحال هي انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي.

لكن تشكيلة الحكومة اليمينية الحالية، وما يتناثر من جلساتها عن خلافات بين أعضائها قد لا يسمح بهذا الرد “الواحد”. ولذا تبدو الحكومة مترددة، فهي من جانب لا تعبر عن موقف واضح مؤيد للانضمام إلى الاتحاد.

ومن جانب أخر، لم توفر المعلومات اللازمة التي تمكن البرلمان والشعب من تشكيل رؤية موضوعية ومتوازنة عن مزايا وسلبيات المزيد من اندماج سويسرا في الاتحاد، خاصة وأن التقرير المتوافر عن هذا الموضوع يعود تاريخه إلى عام 1990.

كل القوانين السويسرية يتم مواءمتها!

إن تقريرا سياسياً جديداً سيُظهر على سبيل المثال أن سويسرا اليوم تجد نفسها فعلاً في وضع “مقيد” من الناحية السيادية. فمنذ عام 1988، بدأت الحكومة السويسرية بصورة منظمة ومخطط لها في ضبط كل القرارات والقوانين الجديدة، لمواءمتها مع قوانين الاتحاد الأوروبي – والهدف من ذلك بشكل أساسي كان حماية مصالح الاقتصاد السويسري.

لكن الاتحاد الأوروبي ليس هو العامل الوحيد المؤثر على اتخاذ القرارات في سويسرا. فالعولمة المتزايدة للاقتصاد، وعضوية العديد من المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والأمم المتحدة، كلها فرضت المزيد من الترابط والاندماج السويسري (اقتصاديا واجتماعيا) مع العالم الخارجي. ومن المنطقي أن الاتفاقيات والتعهدات التي تتولد من ذلك تنعكس على السياسات الداخلية للدولة الوطنية.

ومن الملفت أن البرلمان أصبح هو الخاسر من هذه التطورات المعاصرة. ذلك أن السياسة الخارجية في سويسرا، شأنها شأن ما هو حادث في الدول الأخرى، يتم التعامل معها بصورة مركزية، وتتولى الحكومة عادة عملية إدارتها. إذ يرى المراقبون أن مثل هذه الخطوة ستؤدي عملياً إلى خفض عمل الحكومة الفدرالية بنسبة 50%، لتتولى القيام بها بدلاً منها أجهزة الاتحاد الأوروبي.

ويشرح القانوني أورليخ كلوتي قائلاً “تقلصت المساحة المتاحة للبرلمان في اتخاذه للقرارات الخاصة بالسياسة الخارجية، لتنحصر في اتخاذ موقف بلا أو نعم فحسب”. وفي حالات كثيرة، يستطيع البرلمان في أحسن الأحوال التعبير عن استياءه، لكنه نادراً ما يلجأ إلى هذا الأسلوب.

“سلبية نسبية”!

هذا وقد أظهرت دراسة للصندوق الوطني للبحث العلمي أن البرلمان لم يناقش سوى الربع فقط من كل القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية ( والتي وصل عددها آنذاك إلى 800)، وهو ما دعا السيد كلوتي إلى الحديث عما أسماه ب”السلبية النسبية” للبرلمان.

رغم ذلك، لا يبدي البرلمان انزعاجاً من تقلص سلطته في الشأن الخارجي. بل إن الملفت حقاً هو أن المقترحات التي يتم التقدم بها لإصلاح هذا الوضع تنبثق عادة من متخصصين قانونيين. فالوقت قد حان، كما يقول السيد استريد إيبني من مؤسسة القانون الأوروبي التابعة لجامعة فريبورع، لمنح البرلمان المزيد من الصلاحيات في السياسة الخارجية.

مثل هذه التعديلات الدستورية قد يمكن استخدامها والاستفادة منها في الوقت الراهن، لكنها تصبح حتمية في حال انضمام برن إلى الاتحاد الأوروبي.

للبرلمان دور هام!

وينبه الخبراء إلى أن تجارب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أثبتت أهمية الحفاظ على دور قوي لبرلماناتها في تحديد سياساتها الخارجية، وخاصة ما يتعلق منها بسياسات الاتحاد.

ففي ألمانيا على سبيل المثال، يتم إعلام البرلمان بكل الملفات التي تتفاوض عليها الحكومة الفدرالية مع الاتحاد الأوروبي. بل إن البرلمان أصبح ملزماً بدراسة تلك القضايا بصورة معمقة واتخاذ مواقف بشأنها، في الوقت الذي يتوجب فيه على الحكومة احترام تلك المواقف وأخذها في الاعتبار.

ولا يتعارض مثل هذا الدور للبرلمان مع الاتجاهات السائدة في الاتحاد الأوروبي ذاته، إذ ترغب بروكسيل في دور فعال لبرلمانات أعضائها. وقد برز ذلك في مسودة دستور الاتحاد، الذي نص في بعض بنوده على ضرورة إبلاغ برلمانات بلدان الاتحاد بكل القرارات الإستراتيجية المطروحة على النقاش، كي تتمكن بعد ذلك من تحديد مواقفها تجاهها وإرسال مقترحاتها إلى المركز بعد ذلك.

ومادام الأمر كذلك، أصبح لزاماً على سويسرا استثمار الوقت المتاح أمامها لتعديل دستورها بما يتماشى مع دور وصوت أقوى للبرلمان. هذا إذا كانت راغبة فعلاً في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

سويس إنفو

تقلص دور البرلمان السويسري في الآونة الأخيرة في تحديد اتجاهات السياسة الخارجية للبلاد.
دل على ذلك أن البرلمان لم يناقش سوى الربع من 800 قرار يتعلق بالشؤون الخارجية.
يدعو الخبراء القانونيون إلى إجراء تعديلات دستورية تتناسب مع الواقع الجديد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية