مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المعضلة الديموقراطية في العالم العربي

النتائج التي تُـفرزها الانتخابات في معظم الدول العربية لا تمثل الارادة الشعبية الحقيقية وهي في معظمها مُـزوّرة swissinfo.ch

استضافت القاهرة في منتصف أغسطس ندوة دولية لبحث عوائق تنظيم انتخابات حرّة ونزيهة في العالم العربي.

وقد ركّـزت هذه الندوة على ضُـعف الأجهزة القضائية العربية وعدم استقلاليتها للإشراف على سير الانتخابات على كل المستويات.

“قضايا الديموقراطية والانتخابات في العالم العربي”، عنوان عريض لنقاش استمر يومين في القاهرة بادرت بتنظيمه “الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية” وجامعة القاهرة و”المؤسسة الدولية للديموقراطية والانتخابات” التي تأسست عام 1995.

وتندرج الورشة ضمن برنامج سيشمل 6 دول عربية من بينها الأردن ومصر واليمن والمغرب. كما أن البرنامج جزء من المبادرات والندوات التي توالت خلال التسعينات وتكثّـفت خلال العامين الماضيين ضمن سياق تعميق الاهتمام بالمسألة الديموقراطية في هذه المنطقة التي تعاني أكثر من بقية مناطق العالم من نقص فادح في مجال ترسيخ الحريات والممارسة الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان.

ولكي لا تثار أية شبهة حول طبيعة اللقاء، أشار أحد المنظمين، زياد عبد الصمد المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، إلى أن “الورشة تنعقد بعد الزلزال المتمثل في احتلال العراق، وفي ظل ظروف تتكاثر فيها الدعوات لقيام أنظمة ديموقراطية في المنطقة”. لكنه ذكّـر بأن الشبكة التي يتولى تنسيق نشاطاتها “تعمل وفق قناعة بأن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تبقى ضمن سياق تطور طبيعي وذاتي”، وهي مسألة هيمنت بظلالها على مداولات الورشة.

هل يمكن قيام ديمقراطية في غياب حركات اجتماعية؟

مثلما يحدث في الغرب، تشهد معظم البلاد العربية مواسم انتخابية ساخنة، لكن فوارق جوهرية لا تزال تُـميّـز بين ما يجري هناك وما يجري هنا، وهو ما حاول رصده أصحاب المداخلات المكتوبة والشفوية.

فعندما تناول أحد النقابيين المصريين، كمال عباس، موضوع “النقابات والانتخابات البرلمانية”، أشار إلى أن أهم ما قامت به حركة الضباط الأحرار عام 1952 بعد سيطرتها على دواليب الحكم، إقدامها على ابتلاع المجتمع المدني بما في ذلك الحركة النقابية. ورغم تجاوز المرحلة الناصرية، فقد بقيت الحركة النقابية المصرية تعاني من التدخل الحكومي المستمر.

وانتهى كمال عباس إلى التأكيد على أن الأزمة الهيكلية التي تمر بها النقابات العمالية والمهنية تجعلها غير قادرة حاليا على التأثير في الانتخابات، سواء البرلمانية منها أو غيرها.

وما حصل في مصر له ما يشبهه في معظم البلاد العربية، حسبما ذكره أكثر من معقب. وتبيّـن أن من أسباب ضعف الحركة السياسية في المنطقة وعدم ترسخ التحول الديمقراطي فيها غياب حركات اجتماعية تتمتع بالاستقلالية والفعالية.

القضاء والمال والإعلام

عوامل أخرى ساهمت بقوة في إفراغ العملية الانتخابية من محتواها، وحولتها في معظم البلاد العربية إلى حركة دائرية تعيد باستمرار إنتاج نفس الأوضاع ونفس موازين القوى.

ومن بين هذه العوامل التي تناولتها الورشة، عدم وجود قضاء مستقل يتولى الإشراف على الانتخابات ويتدخل بنجاعة لمواجهة الأشكال المتعددة للتزوير، ويساعد على حماية إرادة المواطنين.

وفي هذا السياق، نبه الدكتور كمال المنوفي، عميد كلية الاقتصاد ومدير مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة التابع لجامعة القاهرة، إلى خطورة التحريات الأمنية التي تجري في مصر عند اختيار القضاة. كما طالب بسرعة تنفيذ الأحكام، وهي من مسؤولية الحكومة، وليس من مشمولات السلطة القضائية.

عامل آخر لا يقل تأثيرا على العملية الانتخابية، وهو دور المال في التوجيه والتلاعب بالخيار الديمقراطي، إذ تم استعراض الحالة اللبنانية، حيث تتفشى ظاهرة شراء الأصوات، وينجح أصحاب الثروات في كسب الولاءات. إلا أن بعض المتدخلين لاحظوا بأن البلاء أعم، وأن قوة رأس المال لا يمكن كسرها ومواجهتها إلا بالنزعة الجماعية والقوة المنظمة الضخمة. بمعنى آخر، لا يمكن كسب المعارك الانتخابية ضد أثرياء السياسة، إلا ببناء منظمات نقابية وشعبية موازية.

أما عن دور الإعلام، فقد دار نقاش حول مدى تأثير وسائله على التنشئة السياسية وتغيير مواقف واتجاهات الناخبين، سواء بشكل عام أو تحديدا في العالم العربي.

ويعتقد الصحفي، بول أشقر أن المشكلة التي تجعل الإجابة على هذا الإشكال غير واضحة وهي أن الدول العربية تفتقر لانتخابات حرة ولإعلام حر. وأشار بدوره إلى المثال اللبناني، حيث تدنت نسبة القراء منذ الحرب الأهلية إلى حدود النصف. ولاحظ أن تنظيم القطاع الإعلامي في لبنان عام 1994 أدى إلى تقاسمه بين مراكز النفوذ. وتوقف مطولا عند القطاع المرئي ليؤكد على أن الإعلام التلفزيوني يمر بحالة انهيار خطيرة.

فإذا كان هذا شأن لبنان الذي يتميّـز بسقفه العالي في مجال حرية التعبير وانتقاد المسؤولين، بما في ذلك رئيس الجمهورية، فما بالك بدول عربية أخرى دجّـنت الصحافة وهمّـشتها.

مصالحات أم مناورات؟

ولئن كانت الأنظمة العربية تخشى أن تؤدي الانتخابات النزيهة إلى تغيير موازين القوى ووضعها أمام مفاجآت مخيفة، فهل يمكن أن تؤدي صيغة المصالحة الوطنية إلى نوع من الوفاق المطمئن للجميع؟

آخر المحاولات التي تمّـت في هذا المجال أنجِـزت في البحرين. غير أن الباحث البحريني، عبد الرحمان محمد النعيمي، الذي حُـرم من المشاركة بسبب منعه من دخول مصر، ذكر في ورقته التي نوقشت في غيابه أن النظام اختار سياسة أنصاف الحلول، وأن هناك تجاذب بين أطرافه. ويعتقد أن هذا التجاذب سيستمر، لكنه يعتقد بأن الموقف الرسمي لا يستطيع التراجع إلى الوراء “طالما أن المعارضة تؤكد على استمرار تمسكها بالنهج السلمي ورفضها للعنف”.

وفي المقابل، لاحظ المشاركون أن تجارب المصالحة في العالم العربي كانت في الغالب سلبية، وكانت أقرب إلى المناورة والخداع، إما لاحتواء المعارضة أو لكسرها.

لكن رغم الضعف البنيوي للمجتمعات المدنية العربية، إلا أنها تبقى قادرة على القيام بجزء من مهامها عندما تتاح لها الفرصة. من ذلك ما حصل في المغرب خلال الانتخابات الأخيرة، حيث تمكّـنت عدة جمعيات من تجاوز خلافاتها وإنشاء مرصد جمع قرابة 4 آلاف متطوع، وهي تجربة ثرية تحدثت عنها الباحثة المغربية ليلى الرهيوي.

الأقليات قضية مسكوت عنها

قضيتان شائكتان لهما علاقة مباشرة بمعضلة الانتخابات في العالم العربي تمت مناقشتهما في آخر أعمال الورشة: قضية الأقليات من جهة، ومشاركة الإسلاميين من جهة أخرى.

فقد اقتربت الباحثة نيفيد مسعد كثيرا من جحر العقرب عندما تناولت موضوع الأقباط الذي يُـعتبر من أشد المواضيع حساسية. وخلافا للرأي السائد، اعتبرتهم أقلية وبينت أنهم يتعرضون للتمييز، وهو ما يفسر إحجامهم عن المشاركة السياسية.

وضربت الباحثة مثالا بأن مجلس الشعب الذي انتخب عام 1995 خلا من وجود أي قبطي لعدم تبني الحزب الحاكم أي مرشح من الأقباط. ومن المفارقات التي أشارت إليها، أن الإسلاميين المعروفين في مصر بمواقفهم المستنيرة نظموا حملة لدعم مرشح قبطي، هاجمه منافسه الذي كان ينتمي للحزب الوطني محاولا إسقاطه عن طريق القول بأنه لا يجوز تولي المسيحيين على المسلمين؟

الإسلاميون بين المشاركة والإقصاء

الموضوع الأخير، الذي كُـلّـما طُـرح إلا وأثار جدلا متواصلا، يتعلّـق بتداعيات مشاركة الإسلاميين في الانتخابات على الأوضاع السياسية والتحولات الديموقراطية المنشودة.

وكالعادة، انقسم الرأي بين من يُـشكّـك في نواياهم وقناعتهم بالنظام الديموقراطي، ويشترط قيام نظام علماني حقيقي يكون قادرا على حماية الدولة والمكاسب، وجسّـدت هذا الرأي الدكتورة هالة مصطفى، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية التابعة لمؤسسة الأهرام.

وفي المقابل، هناك من يعتبر ذلك وقوفا إلى جانب الأنظمة الاقصائية أو الاستئصالية، ويرى بأن العمل على إدماج الحركات الإسلامية المعتدلة هو الكفيل بتطوير ثقافتها السياسية ودفعها نحو الالتزام بالدساتير والحريات العامة.

ويكمن جزء هام من المشكلة في أن تجارب الإسلاميين في الحكم أو المشاركة في عدة انتخابات تُـعطي مبررات لخصومهم وحتى للكثير من الباحثين لطرح السؤال التالي: هل يمكن أن يكون الإسلاميون عاملا مساعدا على إنجاح التحولات الديمقراطية المنشودة، أم أن عدم حسم جملة من القضايا النظرية والسياسية تجعل منهم عامل إرباك وتخويف وإجهاض لمساعي الإصلاح السياسي؟

لكن، وفي المقابل، هل أن حرمان الآلاف من المواطنين من ممارسة حقهم السياسي وقمعهم ووضعهم في المعتقلات يمكن أن يشكل حلا، فضلا عن تناقضه الصارخ مع حقوق الإنسان والنظام الديمقراطي؟

ما نوقش في القاهرة، يُـؤكّـد من جهة أهمية الانتخاب كوسيلة وحيدة لإقامة أنظمة سياسية قائمة على الشرعية ونابعة من المواطنين، لكن في المقابل، كشف عن حجم العوائق التي تتضافر فيما بينها لتطيل مرحلة الاستبداد واحتكار السلطة في العالم العربي.

صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية