مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

النظام العربي: رُبّ ضارّة نافعةّ!

النظام العربي مشلول وعاجز منذ أمد بعيد وليس فقط منذ احتلال العراق Keystone

كرّس الاحتلال الأمريكي للعراق فشل النظام العربي الكامل وعجزه عن بلورة تصوّرات عملية للخروج من مرحلة الوهن.

وفي حين لا يفتقر العرب إلى الأفكار البناءة، فإنهم عاجزون عن إيجاد الآليات الملائمة لتجسيمها.

“رُبّ ضارّة نافعة”، أحد الأمثال العربية الذي ربما عكس، ولو جزئيا، حال النظام العربي في الوقت الراهن بمؤسساته وجامعته وإخفاقاته الكبرى قبل نجاحاته المتواضعة.

والضارة هنا، هي الإخفاق المدوي في منع احتلال بلد عربي عضو في النظام العربي، هو العراق. أما النافعة، فتشير إلى ذلك الشعور العربي العام بضرورة إصلاح النظام ومواجهة أوجه القصور المختلفة التي تراكمت عبر العقود الثلاثة الماضية ووصلت إلى أقصاها في الأشهر القليلة المنصرمة، حيث بدا العجز مركبا، سواء في احتلال العراق أو الاكتفاء حتى الآن بالنظر في مجريات الأحداث دون اتخاذ خطوة إيجابية واحدة، اللّـهُـمّ الامتناع عن إضفاء شرعية عربية على واقعة الاحتلال الأمريكي.

لكن المثل العربي يظل قاصرا عن إدراك متطلبات المرحلة المقبلة من جهد وإرادة سياسية توازي حجم التحديات التي يجب مجابهتها، والعقبات الواجب عبورها بسرعة مناسبة.

ودون إفتاءات بشأن ما جرى، سارعت العديد من الدول العربية إلى تقديم مقترحاتها بشأن تطوير الجامعة العربية، كالمملكة العربية السعودية التي ركّـزت على أهمية إنشاء نظام للجزاءات على الدول المخالفة وعلى إقامة مشاريع اقتصادية كبرى، وليس فقط على توسيع وتعزيز مجالات التبادل التجاري، وليبيا التي ركّـزت على ضرورة تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك.

افتراضات مبادرة مصرية

تقدّمت مصر مؤخّـرا بمبادرة جمعت فيها أفكارا ليبية وطرحتها على القادة العرب بغية الحوار بشأنها وصولا إلى مشروع متكامل تُـقِـرّه قمة تونس المقبلة في مارس 2004. وتقوم الأفكار المصرية على ثلاثة افتراضات أساسية:

أولها، مؤداة أن تاريخ ومسيرة النظام العربي لم تكن مسيرة إخفاق كامل. فقد حقّـق الكثير من الإنجازات العربية القومية في عقدي الخمسينات والستينات، ولكنه تعرض للإخفاق بعد ذلك لأسباب مختلفة. والافتراض على هذا النحو، يُـشير إلى أن هناك إمكانات حقيقية داخل النظام تحتاج إلى قدر من الضبط والتفعيل حتى يُـمكنه أن ينهض ويحقق للأعضاء ما يصبون إليه من تطلعات.

وثانيها، أن عملية التطوير تتطلّـب قدرا من الإرادة الجماعية والمرونة في الأداء، وهو ما يظهر في مقترحات من قبيل تغيير نظام التصويت من الإجماع إلى الأغلبية، وعدم الإصرار على تغيير ميثاق الجامعة كليا، بل من خلال إضافة بعض ملاحق وبروتوكولات تخص الأوجه المختلفة للتطوير المقصود، وأن تكون هناك مشروعات اقتصادية عربية ليست لكل الأطراف، بل لمن يريد أن يشترك فيها استنادا إلى أنها تحمل له بعض الخير وتحقق له مصالح عزيزة، فيما يعكس نزعة وظيفية اختيارية.

ثالثها، أن تطوير آليات لمنع النزاعات العربية وإدارتها وتسويتها، وأخرى تسهر على حماية الأمن العربي (دون ذكر لفظة القومي)، باتا أمرين أساسيين لحماية النظام وتفعيل دوره، سواء فيما بين أطرافه أو بينه كنظام إقليمي وغيره من الجيران والأنظمة الإقليمية الأخرى. ووجه الجد هنا، ذلك الإدراك الضمني بأن أي نظام إقليمي لا تستقيم أموره في المجالات الاقتصادية والسياسية، وهي الأكثر ارتباطا بمعاني النجاح في صورته الجارية، دون أن يكون للأمن بمعناه الوظيفي الذي يدمج بين أمن أطرافه وأمن المجموع بصورة جدلية، مجال في أعمال النظام.

وظيفية وروح قومية ضمنية

ليست هذه الافتراضات الثلاثة لتطوير النظام العربي جديدة من حيث الجوهر، ولكن الجديد هو أن تتبناها دولة عربية كبرى بحجم مصر في ظل ظرف دقيق، وتعمل على أن تكون منهجا لعمل متدرج لتطوير عمل الجامعة العربية.

وتكتمل هذه الملاحظة الأولى بأخرى ثانية. فالمبادرة، رغم روحها القومية التي يمكن اكتشاف كنهها في جملة هنا أو تعبير هناك، إلا أن طابعها الوظيفي المجرد كان غالبا. فلن يكون في الأمر أية مبالغة إذا وُصفت المبادرة المصرية بأنها محاولة لجعل الجامعة تطبيقا عمليا للمناهج الوظيفية التي تقوم عليها نماذج مختلفة من المنظمات الإقليمية المعاصرة.

ولعل الخوف من الاتهام بالناصرية والعودة إلى سلوكيات عقدي الخمسينات والستينات تُـفسّـر إلى حد كبير اختفاء التعبيرات القومية المعتادة من قبيل الأمن القومي العربي الذي بات في نظر البعض حقيقة مستحيلة المنال. لكن فحوى المبادرة المصرية يعود إليها على استحياء كأساس من أسس حماية النظام وتفعيل دوره في النشاطات المختلفة.

نقطة غائبة

تتعلق النقطة الأساسية، التي تبدو غائبة إلى حد كبير، بالعلاقة بين تطوير النظام العربي وطبيعة الدولة العربية نفسها، والتي تتعلق تحديدا، ليس فقط بإرادتها في الالتزام بمتطلبات وشروط العمل الوظيفي الجماعي رغم أهمية ذلك القصوى، ولكن في تحولها إلى دولة حريات تستند إلى صيغ حقيقية في التداول على السلطة وفقا لإرادة المواطنين العرب.

وبالرغم من أن ثمة تفسيرا لهذا الغياب، يمكن استخراجه من متن المبادرة نفسها، ومنبعه الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى أعضاء النظام، إلا أن غياب أية إشارة إلى ضرورة أن يحدث تطوير في الأنظمة العربية منفردة على قاعدة الديمقراطية والمشاركة جنبا إلى جنب لتطوير منظمات العمل الجماعي المشترك، يبدو نقطة ضعف كبرى.

وتكشف الإشارة إلى ما جرى وما زال يجري في العراق، إلى ضرورة مثل هذا الربط العضوي بين تقوية المجتمعات العربية كأساس لنظم قوية ومتماسكة، وتقوية النظام الإقليمي ككل.

وعلى الصعيد الشكلي البحت، تبدو ضرورات الواقعية السياسية مفسرة ترك مهمة التغيير والتماسك الداخلي لظروف كل بلد على حدة، في حين أن هذه الواقعية السياسية ذاتها ومن الناحية العملية، هي السبب نفسه الذي ترك كلا من العراق والصومال يواجهان مصيرهما المجهول دون أن يشعر النظام بضرورة التحول من التحرك السلبي إلى الإيجابي لأحداث التغيير المطلوب في اللحظة المناسبة، حماية للبلد العضو وللنظام الإقليمي معا، الأمر الذي ينذر بعقبات ستواجه حتما التفعيل المطلوب للنظام العربي.

وإلحاقا بالملاحظة السابقة، فإن تباين طبائع وخصائص الأنظمة العربية، ما بين تعددية مقيدة في أفضل الأحوال، وأخرى تغيب عنها أبسط الحريات العامة، وثالثة لا تعترف أصلا بفكرة الإصلاح وتؤمن بأن نخبها الحاكمة لمدد تزيد عن عقدين هي الأقدر على الإفلات من مخاطر اللحظة الراهنة، كل ذلك يضع قيودا مسبقة على مطلبين مهمين وردا في المبادرة المصرية وتناقلتهما أراء الخبراء والساسة العرب منذ أكثر من عقد، وهما تنشيط المجتمع المدني العربي من خلال رفع القيود على تفاعلاته البينية، وجعل تلك التفاعلات جزءً من آليات العمل العربي المشترك المستقبلي، وإنشاء برلمان عربي أو مجلس شورى عربي.

والثابت من تجارب وظيفية أخرى، كحال الاتحاد الأوروبي مثلا، أن توافق المعايير البنيوية في السياسة والاقتصاد والتي تقوم عليها الدول الأعضاء هو مدخل أساسي للنجاح والتطور المضطرد، وأن المجتمع المدني الحر والمفتوح هو دعامة لا غنى عنها، وأن البرلمان ليس مجرد ديكور، وإنما هو آلية أساسية من آليات ضبط وتوجيه حركة الاتحاد نفسه بناء على التوجهات الشعبية، وليس فقط التوجهات الرسمية للخبراء والفنيين.

وبالطبع، فإن اختلاف التجارب البرلمانية تاريخا وأداء بين البلاد العربية وبعضها، من شأنه أن يجعل تلك التجربة المنتظرة لتشكيل برلمان عربي مجرد إضافة شكلية لا أكثر.

فما دامت البرلمانات العربية الموجودة في بعض البلدان العربية ليست سوى ديكور سياسي لا يستطيع أن يؤمن تداولا سلميا للسلطة، فكيف سيكون الحال في برلمان عربي بعض أعضائه لا يعرفون معنى العمل البرلماني نفسه؟

بعبارة أخرى، إن استمرار أوضاع الغالبية العظمى من البلدان العربية على ما هي عليه من جمود وتكلس، سيظل يُـشكّـل عقبة أمام تطوير النظام العربي مهما كان التمسّـك الحرفي بأهداب النظريات الوظيفية في العمل الجماعي الإقليمي.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

الجامعة العربية:
تأسست الجامعة في 22 مارس 1945
الدول المؤسسة هي: مصر، سوريا، لبنان، العراق، الأردن، السعودية واليمن
أول أمين عام للجامعة عبد الرحمن عزّام
الأمين العام الحالي عمرو موسى

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية