مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برن تُوبّـخ روسيا البيضاء وتُـهددها

الشرطة تطوق معارضي الرئيس ألكسندر لوكاشينكو في مينسك عاصمة روسيا البيضاء (25 مارس 2006) Keystone

بلهجة حادة ومُلفتة للانتباه، انضمت سويسرا لموجة الانتقادات الغربية لروسيا البيضاء إثر إعادة انتخاب الرئيس ألكسندر لوكاشينكو وما رفقها من مظاهرات واعتقالات.

وذهبت برن إلى حد التهديد بتطبيق عقوبات ضد مينسك. سويس انفو اتصلت بالسيد لارس كنوخل، المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية، لمعرفة أسباب اتخاذ برن لهذا الموقف الصارم.

في ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء 29 مارس الجاري، أعلنت اللجنة المركزية الانتخابية في مينسك، عاصمة روسيا البيضاء، عن تأجيل مراسيم تنصيب الرئيس أليكسندر لوكاشينكو، التي كانت مقررة يوم الجمعة 31 مارس. ولم تدل اللجنة بتوضيحات حول هذا الإرجاء.

في المقابل، أشارت إلى أن تنصيب الرئيس لوكاشينكو “قد يـُقام في النصف الأول من شهر أبريل المقبل”. وكان قد أعيد انتخاب لوكاشينكو رئيسا للبلاد للمرة الثالثة على التوالي يوم 19 مارس إثر انتخابات أثارت موجة احتجاجات وانتقادات عارمة في أوساط المعارضة ومن طرف الدول الغربية.

وظهر الرئيس – الذي يتزعم مقاليد السلطة في روسيا البيضاء منذ عام 1994- يوم الثلاثاء 28 مارس على شاشة التلفزيون لأول مرة منذ أسبوع، إذ لم يـُشاهد في الحياة العامة منذ يوم 20 مارس.

وقال في تصريحاته التلفزيونية: “إن المعارك السياسية انتهت، وأُعيد إحلال النظام في البلاد كما كان الوضع في السابق، وذلك رغم بعض الإضطرابات المعزولة”، مضيفا أن “المشاركة غير المسبوقة في الانتخابات الرئاسية أظهرت الدعم الهائل” الذي يقدمه الشعب للنظام القائم.

لوكاشينكو انتُخب بـ83% من الأصوات بينما لم يحصل زعيم المعارضة ألكسندر ميليكيفيتش سوى على 6,1%. مما دفعه لاتهام نظام روسيا البيضاء بتنفيذ “انقلاب مخالف للدستور”.

وفي إطار ردود الفعل الغربية الساخطة عن سير الانتخابات الرئاسية الأخيرة في روسيا البيضاء ونتائجها، أعربت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليسا رايس يوم الثلاثاء أمام الكونغرس الأمريكي في واشنطن عن اعتقادها أن الرئيس لوكاشنكو “يقع في أدنى مرتبة مقارنة مع أي حكومة في أوروبا”. وقالت الوزيرة التي وصفت روسيا البيضاء بـ”الدكتاتورية الحقيقية الأخيرة في أوروبا”: “إنني سعيدة لأن المعارضة وقفت أمامه هذه المرة”.

وأدانت الولايات المتحدة بقوة سير الانتخابات الرئاسية في روسيا البيضاء وقمع المظاهرات الاحتجاجية التي تلتها. كما أعلنت تعزيز نظام عقوباتها ضد مينسك.

سويسرا تـُوبخ وتـُهدد

وقد انضمت سويسرا يوم 27 مارس إلى موجة الانتقادات الدولية إذ أصدرت وزارة الخارجية في برن بيانا شديد اللهجة تطالب فيه سلطات روسيا البيضاء بـ”الإفراج الفوري عن المتظاهرين السلميين” الذين اعتقلتهم إثر الانتخابات وخاصة أليكسندر كازولين، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي صدر بحقه حكم بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة الشغب.

ويذكر أن محاكم روسيا البيضاء قضت بعقوبات سجن أيضا تصل إلى 15 يوما بحق أكثر من 150 متظاهرا، معظمهم شباب.

وورد في البيان أن وزارة الخارجية السويسرية استنتجت أن روسيا البيضاء “لم تحترم المعايير الدولية المعترف بها فيما يخص الانتخابات الحرة والعادلة”، معربة عن قلقها العميق حول احترام الحقوق الإنسانية وضمان الحريات الديمقراطية في روسيا البيضاء التي “تحُد بطريقة غير مقبولة تعبير المجتمع المدني”.

وذهبت الوزارة إلى حد تهديد مينسك بالنظر في إمكانية فرض عقوبات إذا ما لم يتحسن الوضع السياسي بشكل “سريع ودائم”. كما لم تتردد في التحذير بأنها قد تطبق منع شخصيات من روسيا البيضاء من دخول أراضي الكنفدرالية السويسرية.

دواعي التصعيد..

وعن أسباب تبني سويسرا هذه المرة للهجة بالغة الحدة إزاء مينسك، أوضح السيد لارس كنوخل، المسؤول عن قسم “الاتصال والإعلام” في وزارة الخارجية السويسرية، في تصريحات لسويس انفو، أن سويسرا تنتهج منذ عدة أعوام “سياسية مُقيدة” إزاء نظام روسيا البيضاء.

وذكـّر السيد كنوخل أن سويسرا كانت قد قررت في نهاية عام 1996 تعليق مساعدتها المالية لمينسك إثر الاستفتاء حول الدستور وتضاعف “انتهاكات مبادئ دولة القانون”.

وطبقا للالتزامات المرتبطة بدعم سويسرا لدول أوروبا الشرقية، شدد السيد كنوخل على أن التعاون السويسري مع روسيا البيضاء لن يُستأنف إلا في حال تحقيق هذه الأخيرة لتقدم ملموس على مستوى “مسار الدمقرطة”.

غير أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تحترم “بشكل فاضح”، في نظر برن، المبادئ الديمقراطية الأساسية، سواء خلال الحملة الانتخابية أو خلال عمليات التصويت، أو حتى “أثناء المظاهرات السلمية” التي تلتها. وهو وضع “أرغم سويسرا بالتذكير بموقفها بشكل واضح وتكرار ضرورة احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في روسيا البيضاء”، على حد تعبير السيد كنوخل.

موقف معزول أو عام؟

وعما إذا كانت سويسرا ستنضم بالفعل لتطبيق العقوبات إزاء روسيا البيضاء أو أي دولة قد تنتهك الحريات الديمقراطية، نوه مسؤول قسم “الاتصال والإعلام” في وزارة الخارجية السويسرية – في رده على أسئلة سويس انفو- إلى أن سويسرا تطبق “بصورة ذاتية العقوبات إزاء مختلف الدول التي لا تحترم التزاماتها الدولية”، وإلى أن الأمر يختلف حسب الحالات اعتمادا على تبني الأمم المتحدة أم لا لقرار عقوبات ضد الدول المعنية، وعلى الموقف الذي يتخذه أقرب شركاء سويسرا تجاه تلك الدول.

وفي حالة روسيا البيضاء، أكد السيد لارس كنوخل أن برن “تبحث حاليا إمكانية تطبيق عقوبات إضافية، بدأ بمنع شخصيات من نظام روسيا البيضاء دخول (سويسرا)”. وأوضح المسؤول في وزارة الخارجية أن برن، تتفادى من خلال هذا الإجراء، استخدام سويسرا كمكان للالتفاف حول العقوبات التي تطبقها الدول المجاورة لها على روسيا البيضاء.

ويثير البيان الشديد اللهجة إزاء هذه الجمهورية – التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي السابق- تساؤلا عن عدم اتخاذ سويسرا مرارا لمثل هذا الموقف الصارم حول انتخابات يشوبها التشكك من الناحية الديمقراطية في عدد من الدول العربية أو الإفريقية على سبيل المثال.

عن هذا التساؤل، أجاب السيد لارس كنوخل بدبلوماسية وإيجاز: “إن روسيا البيضاء، كباقي الدول، عضو في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وبالتالي فهي التزمت باحترام عدد معين من المبادئ، خاصة فيما يتعلق بالقيم الديمقراطية. وهذه الحالة تعطينا الحق في اتخاذ وجهة نظر خاصة، لأن وضع العضو في المنظمة يفرض عددا معينا من الواجبات”.

سويس انفو – إصلاح بخات

روسيا البيضاء هي إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
حصلت البلاد على الاستقلال عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ألكسندر لوكاشينكو تزعم مقاليد السلطة خلال الانتخابات الرئاسية الأولى عام 1994.
ينُعت مرارا بـ”اخر ديكتاتور أوروبي” نظرا لقربه من موسكو وانتهاجه لسياسة مُتصلبة.
أعيد انتخاب الرئيس لوكاشينكو في انخابات 19 مارس الجاري، بعد حصوله على قرابة 83% من الأصوات.
تعتبر المعارضة والدول الغربية أن لوكاشينكو فاز بانتخابات حدث فيها التلاعب وجرت بأسلوب غير ديمقراطي.

تظل العلاقات بين سويسرا وروسيا البيضاء محدودة.
حوالي عشرة سويسريين فقط يقيمون في روسيا البيضاء بينما لا يتجاوز عدد رعايا جمهورية الاتحاد السوفياتي السابق القاطنين في سويسرا 200 شخصا.
على المستوى التجاري، بلغت الصادرات السويسرية إلى روسيا البيضاء العام الماضي 67 مليون فرنك (نصفها تقربيا من الآلات). أما الواردات (حوالي 30% من المنتجات الزراعية)، فلم تتجاوز 5 مليون فرنك.
استثمرت سويسرا 9,1 مليون فرنك لتنفيذ مشاريع مخصصة لمساعدة روسيا البيضاء (مثل توفير الماء الصالح للشرب، وتحسين الرعاية الصحية، إلخ).
وتنشط سويسرا في مجال المساعدات الإنسانية في روسيا البيضاء، ولها مكتب تابع للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في العاصمة مينسك.
وساهمت سويسرا في عام 2004 بمبلغ 3,1 مليون فرنك في مجال المساعدات الإنسانية لفائدة روسيا البيضاء.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية