مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رحيل أقوى رجل في مغرب الحسن الثاني

إدريس البصري كان الرجل القوي بالمغرب طلية سنوات في ظل حكم الحسن الثاني Keystone

بعد ثمان سنوات من وفاة سلطته، توفي وزير الداخلية المغربي الأسبق إدريس البصري في العاصمة الفرنسية باريس.

كان إدريس البصري منذ 1983 وحتى 1999، مستمِـدا قوته من ثقة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، الحاكم الفعلي للمغرب ودون أي شريك.

منذ 1983 وحتى 1999، استمد ادريس البصري قوته من ثقة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، الحاكم الفعلي للمغرب ودون أي شريك، بعد ان استطاع ايصال الحسن الثاني الى قرارات ابعاد او تهميش ايه شخصية تشاركه أو تحاول أن تشاركه في “تنفيذ تعليمات او توجهات الملك”.

“يد النظام التي لا ترحم”

ولد ادريس البصري في بلدة سطّـات القريبة من الدار البيضاء في نوفمبر 1938 من أب يعمل حارس سِـجن. والتحق في بداية الستينات بالشرطة التي كان تُـرقِّـيه في مراتبها سبيله ليكون الرجل الأقوى في مغرب الحسن الثاني، صاحب القرار والمرجعية لكل الأفكار والمخططات، التي تنفّـذها الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها.

كانت المهمة السياسية الأولى للبصري في سُـلّـم الحكم، هي مديرية مراقبة التراب الوطني (DST)، وهي المخابرات الداخلية التي تولاّها يوم 13 يناير سنة 1973. ولأنه يُـدرك أهمية المخابرات والمعلومات في تدبير الشؤون العامة في بلد مثل المغرب، ظل في الجهاز لأكثر من 22 سنة، إلى حين عَــين كاتب دولة في الداخلية، بدون مدير وتابع مباشرة له.

إلا أن ما لفت نظر الحسن الثاني، نجاح إدريس البصري في تنظيم المسيرة الخضراء، التي توجّـه فيها 350 ألف مغربي يوم 6 نوفمبر 1975 إلى الحدود مع الصحراء الغربية، كرمز لتمسّـكه بمغربيتها، وبعد أقل من عام على إشرافه على أول انتخابات بلدية للإعلان عن انطلاق المسلسل الديمقراطي، بعد توقّـف دام أكثر من عشر سنوات. كما نجح في تدبير خارطة برلمانية تُـريح الملك في الانتخابات التشريعية لعام 1977، ليعيّـنه في أول حكومة كاتبَ دولة في الداخلية.

في المقابل، كان البصري يد النظام التي لا تَـرحم، وخاضت أجهزته معركة دمَـوية مع النِّـقابات العُـمالية. وفي عام 1979، عيّـنه الملك على إثرها في منصب وزير الداخلية. وبعد المَـجزرة التي نُسبت له ضدّ سكّـان الدار البيضاء عام 1981، اعتقل قادة المعارضة، فأضاف له الملك في عام 1985 حقيبة الإعلام وأسبغ عليه صفة وزير دولة (نائب رئيس الحكومة).

ولأنه يُـعرف أن أي إحساس لدى الحسن الثاني في أن للبصري طموحات تتجاوز ما هو مسموح به، يعني نهايته، ليس فقط كوزير أو مسؤول، بل كإنسان أيضا بعد أن شاهد مصير الجنرال محمد أوفقير والجنرال أحمد الدليمي، كان يحرص أمام أو كل ما يمكن أن يعرفه الحسن الثاني على إلغاء شخصيته. ونُـقل عنه قوله لشخصية سياسية، أنه أغلق عقله وسلّـم المفتاح لـ”سيِّـدنا” (مثلما يقال بالدارجة المغربية للحديث عن الملك”. وبدل أن يقول المغاربة إنه الرجل القوي، أطلِـق على وزارته صفة أم الوزارات.

“حامي النظام الملكي”

مهمّـات إدريس البصري الرسمية لم تكن إلا واجهة لمهمّـته الحقيقية، وهي حُـكم المغرب بتكليف من الحسن الثاني. وبدأ يستحوذ على الملفات، واحدا تلو الآخر، ويكون فيه صاحب القرار الأول من ملف الأمن، أساس بقاء النظام وحمايته، إلى ملف الصحراء الغربية، أساس شرعية النظام بعد محاولاتي الانقلاب، وصولا إلى الاقتصاد والاستثمار والإعلام والتعليم والصحة.

لم يكن إدريس البصري مستعجلا، كان يصعد سُـلّـم السلطة درجة بعد الأخرى ومحدِّدا طموحه في الوصول إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه مواطن مغربي في ظل الملك.

كان دهاء البصري والقدر يزيحان من طريقه واحدا واحدا كل المقرّبين من الملك الحسن الثاني، وجعلته كفاءته كرجل أمن ودأبه على العمل وحِـرصه كمخلص للعرش، على أن تكون تقاريره شفوية ومن فمِـه إلى أذن الملك ظهيرة كل يوم محل ثقة هذا الأخير، ليطلق عليه بلاغا للقصر الملكي في يناير 1995 صِـفة “حامي النظام الملكي”.

إلا أن ما أثبتته الأحداث فيما بعد، أن إدريس البصري لم يكن حاميا للنظام، بل لم يكن حاميا لنفسه، وأن قوته كانت مستمدّة من الملك، ولما خوله وفوّت له، رسميا وعمليا، من صلاحيات وسلطات، لم يُـدرك البصري أن الموت سيُـغيِّـب الحسن الثاني ويخلفه ابنه سيدي محمد، الذي لا يكِـن للبصري أي محبّـة ولا يشعر تُـجاهه بالارتياح، وأنه يملك عنه من الملفّـات ما يدفعه للحِـيطة منه والحذر.

قطيعة ومنفى

لم ينتظر الملك الشاب كثيرا ليحدث انتقالا حقيقيا للعرش وفي النظام الذي كان عنوانه إدريس البصري. فبعد أقل من أربعة أشهر من تولِّـيه الحكم، وفي يوم ميلاد البصري، أبعده من الحكومة وجرّده من كل سلطات ولم يمنحه إلا وِساما مُـرفقا بتعليمات غير مباشرة بالابتعاد عن ممارسة نشاطات عامة.

بدأ إدريس البصري يحاول التعايُـش والانسجام مع وضعه الجديد، لكنه لم يستطع، فكان اصطدامه الأول مع النظام الملكي الجديد في نهاية عام 1999 بانتقاده العلني لقرار العاهل الشاب بإعادة الجنسية المغربية للمعارض اليساري أبراهام السرفاتي ودعوته للعودة إلى المغرب، بعد نَـفي دام ثمان سنوات، حيث استُـقبل في مطار سلا (قرب الرباط)، استقبال الزعماء المنفِـيين بحضور مقرّبين من الملك ووزراء.

فجددت له الإشارات بعدم ارتكاب أخطاء أخرى ودُعي عام 2002 إلى القصر الملكي لحضور زفاف الملك، لكن ظهوره العلني لأول مرة بعد تغييب ثلاث سنوات كان عقابا وليس تكريما، إذ ظهر معزولا ومنبوذا، وهو الذي كان الجميع يتقرب منه ويستعطف رِضاه، فكان خِـياره الخروج من البلاد.

وجد إدريس البصري في مرض التهاب الكبد الذي أصابه منفذا للخروج، فطلب إذنا بالتوجّـه إلى العاصمة الفرنسية للعلاج، فكان له ما أراد وعلى نفقة القصر الملكي، وبدل أن يعود، اتّـخذ من باريس مقرّا دائما ليُـطلق حربا ضد القصر والمقرّبين من الملك عبر مقالات نشرها بالصحف الفرنسية أو تصريحات يطلقها هنا وهناك، إلى أن وصل إلى الحرب المكشوفة، التي بدأها مع انتهاء صلاحِـية جواز سفره الدبلوماسي، فذهب إلى السفارة المغربية لتجديده، وطُـلِـب منه تطبيق الإجراءات المتعارف عليها، وهي العودة إلى المغرب لتجديد الجواز أو إرفاق الطلب ببطاقة إقامة في فرنسا، التي لا يستطيع الحصول عليها، لأنه لم يتقدم بهذا الطلب ولأن جواز سفره منتهي الصلاحية لا يسمح له بالحصول على بطاقة إقامة، ولم تهدأ الحرب التي انطلقت، إلا بعد تدخل الرئيس جاك شيراك، ليَـصله جواز سفر عادي مرفق بتعويضاته كوزير سابق (حوالي 500 ألف دولار).

العودة الأخيرة

الرباط في حربها على إدريس البصري اكتفَـت بتلميحات صحفية عن تحقيقات بملفات فساد البصري، وشهدت محاكم مغربية دعاوى قضائية رفعت عليه.

وردّا على تصعيد حربه عليها، تابعت قضائيا اثنين من كبار مساعديه (عبد المغيث السليماني، شقيق زوجته ورئيس المجمعة الحضرية للدار البيضاء، وعبد العزيز العفورة، أحد أبرز مساعديه).

البصري في حربه، إضافة إلى نقده القاسي وهجومه العنيف على المقربين من الملك وكيفية تدبير شؤون الدولة، وصل إلى المس بما هو مُـحرّم في الدولة المغربية، وهي قضية الصحراء الغربية، ليُـعلن مواقف نقيضة لكل مواقف الرباط، من كيفية تسوية النزاع ويكيل المديح لخصمها الجزائر.

أنهكت الحرب إدريس البصري كما أنهكه المرض، ومنذ عدة أسابيع تداولت بالرباط أحاديث عن وضعه الصحي المُـتدهور ورغبته في العودة إلى البلاد ليُـدفن في مسقط رأسه، والقدر الذي منح ابن سطات مجدا وسلطانا، لم يحلم به مواطن مغربي، لم يستطع أن ينتظر كثيرا لترتيبات عودته حيا ليعيش أيامه الأخيرة في أرض حكمها رُبع قرن، بل سيعود يوم الأربعاء جسدا مسجى في لحد.

محمود معروف – الرباط

الرباط (رويترز) – أفادت وكالة المغرب العربي للأنباء أن وزير الداخلية المغربي الأسبق إدريس البصري، الذي كان شخصية بارزة مرتبطة بالفترة القمعية التي شهدتها البلاد وتعرف “بسنوات الرصاص”، توفي يوم الاثنين في باريس بعد طول مرض.

وكان البصري الذي توفي عن عمر 69 عاما وزيرا للداخلية في عهد الملك الحسن الثاني على مدى عشرين عاما إلى أن عزله العاهل المغربي الحالي الملك محمد السادس بعد توليه العرش بخمسة شهور فقط في يوليو تموز 1999.

وتحمِّـل جماعات حقوق الإنسان البصري المسؤولية عن الانتهاكات وأعمال القمع، بما في ذلك قتل عشرات الأشخاص المحتجين على ارتفاع الأسعار في الدار البيضاء في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.

ولم يحاكم البصري ولا أي من كبار المسؤولين الأمنيين بسبب لعب دور في أعمال القمع، على الرغم من دعوات من جانب المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان بإحالتهم للمحاكمة.

وكان عزل البصري أول مؤشر ملموس من جانب العاهل المغربي بأن المغرب قطعت صلتها بالماضي القمعي في خطوة نحو الديمقراطية وحكم “السلطة الجديدة” المستند على احترام حقوق الإنسان والتسامح مع المعارضة.

وغادر البصري المغرب متوجِّـها لباريس بعد عزله، كي يعيش في شقته الفاخرة، وقال أشخاص مقربون منه، إنه كان يأمل في أن يموت في المغرب، ولكن يبدو أن الموت باغته.

ولم تذكر الوكالة المرض الذي أصيب به، ولكن مصادر رسمية في الرباط أعربت عن اعتقادها بأنه قد يكون سرطانا، وترك البصري وراءه زوجة وثلاثة أبناء ذكور وابنة واحدة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 أغسطس 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية