مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أساقفة سويسريون يكتشفون “الوجه الآخر” لإيران

الرئيس الإيراني الاسبق محمد خاتمي لدى استقباله في مقر إقامته بطهران الأسقف بيير بورشر والوفد الديني السويسري الذي قاده إلى إيران (الصورة بتاريخ 19 أبريل 2006 في طهران) www.kath.ch/sbk-ces-cvs/

وصفت "مجموعة العمل حول الإسلام" التابعة لمؤتمر الأساقفة السويسرية حصيلة زيارتها إلى إيران بـ"الإيجابية"، منوهة إلى لمس صعوبات مرتبطة بالحرية الدينية للأقليات.

وأكد المتحدث باسم المؤتمر لسويس انفو أن الوفد انبهر بضيافة وانفتاح الشعب الإيراني، معربا عن الأسف لعدم إبراز الإعلام الغربي أوجه الحياة العادية في إيران.

زارت “مجموعة العمل حول الإسلام” التابعة لمؤتمر الأساقفة السويسريين إيران استجابة لدعوة “رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية” التي كانت قد قضت بضعة أيام في الكنفدرالية في سبتمبر 2005 للتعرف على الواقع الديني في سويسرا.

ومـثل ذلك اللقاء اللبنة الأولى للحوار الديني والثقافي بين الجانبين، وهي بادرة يعود الفضل في إطلاقها إلى الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الذي شجع الحوار بين الأديان خلال زيارته لسويسرا عام 2004.

وكان السيد خاتمي قد التقى في تلك المناسبة بالسيد بيير بورشير، الأسقف المُساعد في لوزان وجنيف وفريبورغ ونوشاتيل، الذي قاد مؤخرا وفد “مجموعة العمل حول الإسلام” السويسرية إلى إيران حيث قضى زيارة تواصلت من 17 إلى 24 أبريل الجاري.

وعن أهمية الدور الذي قام به الرئيس الإيراني السابق في إقامة هذا الحوار، قال المتحدث باسم مؤتمر الأساقفة السويسريين والملحق الصحفي في كتابة المؤتمر السيد ماريو غالغانو في حديث مع سويس انفو: “يمكن القول بالتأكيد أن السيد خاتمي كان وراء المبادرة، فهو شخصية مهمة جدا وشكل اللقاء الذي جمعه في سويسرا بالأسقف بيير بورشير بداية الاتصال والخطوة الأولى”.

وتابع السيد غالغانو حديثه بلهجة مُبتسمة قائلا “لقد كان خاتمي شخصية مهمة شددت على أن الحوار مهم، ونحن نفذنا ما قاله لنا بالحرف”.

اكتشاف “إيران الأخرى”

تنفيذ “وصية خاتمي” فتحت إذن أبواب إيران إلى وفد رجال الدين السويسريين الذين عادوا إلى بلادهم متأثرين بـ”جودة الاستقبال” الذي خصص لهم وثراء برنامج الزيارة التي تمكنوا خلالها أيضا من لقاء ممثلين عن الأقليات المسيحية واليهودية، إذ تباحثوا مع الأساقفة الكاثوليك من الآشوريين – الكالدانيين، واللاتينيين، والأسقف الأرميني الأورثودوكسي، وممثلين بروتستانتيين.

وورد في البيان الذي أصدره الوفد السويسري في طهران في ختام الزيارة: “إن رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الإيرانية أتاحت لنا إمكانية زيارة الأقليات الدينية والمواقع التاريخية التي غالبا ما يجهل الغرب وجودها، مثل مكتبة ماراشي في مدينة قم، ومسجد الإمام، والكنيسة الأرمينية الأورثودوكسية، ومعبد نار الزردشتيين في أصفهان”.

وفي حديثه مع سويس انفو، بدا المتحدث باسم مؤتمر الأساقفة السويسريين متأثرا بالفعل بالحفاوة والترحيب الإيرانيين، وآسفا عن عدم إبراز وسائل الإعلام الغربية للجوانب الإيجابية لإيران، إذ قال السيد ماريو غالغانو: “إنني أشدد الآن وسأشدد دائما على الضيافة الإيرانية، فصورة إيران لدينا (كغربيين، التحرير) هي لبلد عدائي وعنيف وقاتم ومعاد للإنسانية إن صح التعبير. لكن هذا ليس حال إيران. نحن زرنا بلدا منفتحا جدا، حتى الناس في الشارع لما لاحظوا أننا أجانب وغير مسلمين، تقربوا منا للحديث معنا وطرح العديد من الأسئلة. لقد كان هذا التواصل مفيدا ومدهشا وإيجابيا جدا بالنسبة لنا”.

وكانت معظم الأسئلة التي طرحها المارة على الوفد السويسري بشكل تلقائي تتعلق بصورة إيران في الغرب، من قبيل: “ما رأيكم في إيران؟ هل أنتم ضدنا؟ هل تريدون مهاجمتنا؟”، ليتولد عند السيد غالغانو الانطباع أن الشعب الإيراني ينظر إلى الغرب وكأنه قطب واحد يبحر على متن نفس السفينة. لذلك سارع الوفد بالتوضيح للمواطن الإيراني أنه لا يمثل سوى مؤتمر الأساقفة السويسريين وأنه أعجب ببلاده وناسها وغناها الحضاري، وأنه ليس على دراية بمخططات ونوايا الولايات المتحدة، علما أن الوفد الديني حرص على عدم التطرق إلى السياسة بما أنه هدف زيارته ديني وثقافي محض.

ومن الملامح الإيرانية التي أثارت “انبهار” السيد غالغانو طبيعة البلاد وتجهيزاتها وبناها التحتية، حيث أضاف بنبرة مُتحمسة “إن المناظر الطبيعة مذهلة وكذلك البنى التحتية. شخصيا، اندهشت كثيرا، فلم أكن أعتقد أن البنى التحتية في إيران تضاهي ما نتوفر عليه هنا (في سويسرا والغرب، التحرير)، وجدنا شوارع وطرقا سيارة ذات جودة عالية، والتكنولوجيا متوفرة أيضا إذ يتجول الناس بالهواتف النقالة مثلنا، إنها صورة بلد كسائر البلدان”.

وهو استنتاج دفع المتحدث باسم مؤتمر الأساقفة السويسريين إلى القول: “صحيح أنه يجب على وسائل الإعلام متابعة التطورات المرتبطة بالأحداث، لكنني آسف لعدم حديثها عن الجانب الآخر لإيران، عن أوجه الحياة العادية فيها. فهي بلد مثل كل بلدان العالم، تعاني أيضا من صعوبات مثل أوضاع الأقليات والفقر والمشاكل الاجتماعية، إلخ”.

أوجه مُتشابهة .. ورؤى مُتباينة

وماذا عن الحياة الدينية في إيران؟ “تعلمنا الكثير عن الحياة الشيعية وروحانيتها التي تشبه بقدر ما الروحانية الكاثوليكية”، يجيب السيد غالدانو. فهو شعر بأن بعض أوجه العبادة وممارسة الشعائر الدينية الشيعية قريبة من الأساليب الكاثوليكية مثل تقديس شخصيات دينية مهمة تُشيد قبورها وضرائحها قرب المساجد، وزيارة المقامات، طريقة الالتزام بالدين.

لكنه أشار في المقابل إلى أن الوفد السويسري لمس خلال زيارته لإيران “نقاط الصعوبة” في مجال “الحرية الدينية للأقليات” التي مثلت جوهر المباحثات بين مجموعة العمل حول الإسلام ومحاوريها الإيرانيين.

وقال السيد غالغانو في هذا السياق: “من جهة، يشعر مسيحيو إيران مثلا بالسعادة لأنهم يعيشون في بلد يتيح لهم ممارسة عقيدتهم وإقامة القداس والصلاة والتوفر على الكنائس، لكن المشكلة تكمن في عدم تمكنهم من الذهاب إلى أبعد من ذلك (…) فليس لهم الحق في الحرية الدينية”.

بأي معنى؟ ماذا لا يحق لهم فعله تحديدا؟ يجيب السيد غالغانو عن تساؤل سويس انفو: “لا يمكنهم التبشير، كما نقول هنا، أي الحديث عن العقيدة المسيحية خارج جماعتهم، لا يمكنهم اتخاذ خطوات ملموسة، أي الذهاب نحو غير المسيحيين والحديث عن ديننا وإيماننا (…) وهو أمر يعد جزء من هويتنا”.

هل الهدف الإقناع باعتناق الديانة المسيحية؟ “لا يعني التبشير في المسيحية ذلك فقط، بل الحديث في مكان عام عن الدين، لكن المسيحيين في إيران يجازفون كثيرا إذا ما ذهبوا مثلا إلى ساحة أو مكان عام أو إلى قناة تلفزيونية للحديث عن عقيدتهم، فالأمر ليس سهلا”.

لكن الجانب الإيراني له تصور آخر للأمور، إذ لاحظ وفد رجال الدين السويسريين أن للقرآن دور هام وتأثير كبير في مختلف مناحي حياة إيران ذات الأغلبية المسلمة الشيعية، سواء تعلق الأمر بالحياة العامة أو السياسية أو الاجتماعية… وذكر المتحدث باسم مؤتمر الأساقفة السويسريين أن “حتى الرئيس الإيراني صرح ويصرح دائما، إلى جانب “آيات الله”، أن الحرية الدينية موجودة في إيران”.

وفي معرض شرحه لوجه نظره في هذه المسألة، حاول الوفد السويسري إيضاح الموقف السويسري والغربي عموما، “أي التمييز بين الدولة والدين”. وقال السيد ماريو غالدانو بهذا الشأن: “إن دور الدولة عندنا يجب أن يكون محايدا فيما يخص الشؤون الدينية، رغم أن هذا الأمر لا يكون سهلا أحيانا، فنحن مثلا سبق وأن انتقدنا أيضا العلمانية هنا. لكن من جهة أخرى، شددنا على أن فرض دين فوق الأديان الأخرى قد يثير المشاكل، ويسلب الحرية الدينية من الأقليات”.

وجهتا نظر مختلفة تماما وتوافق صعب حول مفهوم الحرية الدينية بالذات. ورغم ذلك سيكون للحديث الديني والثقافي بين الجانبين بقيـة، إذ قال السيد غالغانو: “من الواضح أن هنالك اختلافات لاهوتية بين الإسلام والمسيحية، وان لم تكن تلك الاختلافات لما كانا يمثلان ديانتين مختلفتين، بل دين واحد. فهذه النقطة اللاهوتية هي التي يمكن أن تمثل المشكل في الحوار بيننا، لكنني أعتقد أن توفر إرادة الحديث ومشاركة الرأي وخاصة احترام الاختلاف، فمن الممكن مواصلة الحوار”.

حوار بين النخب المتخصصة فقط؟

فكرة الحوار الديني بادرة طيبة لا محالة، لكن ما الفائدة منها إذا ظلت منحصرة في دائرة النخب المختصة؟ أصحاب الحوار السويسري – الإيراني فكروا في هذه المسألة وقرروا إخراج مضمون مباحثاتهما (التي جرت أولا في سويسرا في سبتمبر الماضي ثم في أبريل الجاري في إيران) إلى الجمهور عبر إصدار كتاب مُشترك يتضمن كافة المحاضرات والأسئلة التي تبادلها الطرفان. ويفترض أن ينشر المؤلف باللغة الفارسية ولغة أخرى لم تحدد بعد، وأن يتم توزيعه في البلدين.

وسيتمكن القراء حينئذ من الإطلاع على تفاصيل الحوار الذي حاول الابتعاد قدر المُستطاع عن القضايا السياسية، والذي تناول فضلا عن وضع وحقوق الأقليات الدينية مواضيع شغلت الرأي العام الدولي مثل أزمة الكاريكاتور المسيئة لنبي الأمة الإسلامية.

ورغم أن الحوار تم بين إيران ذات الأغلبية الشيعية وسويسرا التي توجد بها أقلية مُسلمة ذات أغلبية سُنية. يعتقد المتحدث باسم مؤتمر الأساقفة السويسريين أن هذا التواصل سيساعد على فهم الجالية المُسلمة في الكنفدرالية قائلا: “هذا الحوار مهم جدا بالنسبة لنا، لأنه يتيح لنا معرفة أفضل بالإسلام، وينيرنا في مجال تكوين رجال الدين المسيحيين وتوعيتهم ببعض القضايا المتعلقة بهذا الدين”.

وأكد السيد غالدانو أن مؤتمر الأساقفة السويسريين مستعد لمواصلة الحوار الديني والثقافي مع إيران وإقامة مثل هذا الحوار مع أي بلد مُسلم آخر يأمل في ذلك. وقد تحول بالفعل الأسقف بورشر الذي قاد الوفد الديني السويسري إلى إيران من طهران إلى العاصمة القطرية الدوحة حيث حضر أعمال مؤتمر الدوحة الرابع لحوار الأديان الذي تواصل من 25 إلى 27 أبريل الجاري في العاصمة القطرية.

وقال السيد غالغانو إن الرسالة التي حملها الأسقف بورشر إلى الدوحة لا تختلف عن تلك التي أبلغها للإيرانيين: “عند اللقاء، يجب الحديث مع الآخر واحترامه والسماع إليه، والحديث عن ذاتك أيضا، هكذا يمكن الوصول إلى السلام. هذه هي رسالتنا البسيطة”.

سويس انفو – إصلاح بخات

جاءت زيارة “مجموعة العمل حول الإسلام” التابعة لمؤتمر الأساقفة السويسريين إلى إيران من 17 إلى 24 أبريل، استجابة لدعوة من “رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية” الإيرانية التي كانت قد حلت بسويسرا في سبتمبر الماضي للتعرف على الواقع الديني في الكنفدرالية.
يتوقع صدور كتاب باللغة الفارسية ولغة أخرى لم تحدد بعد يتضمن المباحثات التي أجراها الوفدان في كل من سويسرا وإيران، وسيتم توزيعه في إيران وسويسرا كخطوة أولى نحو تطوير الحوار الديني والثقافي بين الجانبين.
يناهز عدد المسيحيين في إيران بـ110000 من (إجمالي 70 مليون نسمة) حسب تقديرات مؤتمر الأساقفة السويسريين.

حسب معطيات المكتب الفدرالي للإحصاء لعام 2000، بلغت نسبة المسلمين في سويسرا 4,3% من إجمالي السكان (الذين يناهز عددهم 7,4 مليون نسمة) مقابل 2,2% في عام 1990.
وينحدر معظم مسلمي سويسرا من دول البلقان وتركيا، كما أن غالبيتهم سنية.
– ويوجد في سويسرا حسب نفس المصدر:
42% من الكاثوليك
35,2% من البروتيستانت
4,3% من المسلمين
1,8% من الأورثودوكس
0,2% من اليهود
11% ليس لديهم أي انتماء ديني

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية