مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ترحيبٌ بالإصلاحات في الجزائر وتوصيات بتقديم المزيـد

من الانتقادات التي وجهت إلى الجزائر في جنيف "مواصلة منع تنظيم التظاهرات في الجزائر العاصمة". Keystone

حصلت الجزائر على تثمين لإصلاحاتها السياسية والاقتصادية أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان في جنيف أثناء تقديم تقريرها الثاني حول أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

لكن عددا من الدول ومنظمات المجتمع المدني طالبتها ببذل المزيد من الجهود، لا سيما ما يتعلق بمعالجة موضوع المفقودين، وحرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع وتكوين الجمعيات.

ترأس وزير الخارجية مراد مدلسي وفدا ضم 28 عضوا لمناقشة التقرير الثاني الذي تعرضه الجزائر أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف. وتدخلت في هذا النقاش الذي احتضنه مقر مجلس حقوق الإنسان في جنيف يوم 29 مايو 2012، 77 دولة من بينها 33 من البلدان الأعضاء في المجلس، و44 من المراقبين.

إصلاحات في شتى الميادين

النقاش الذي يُعد مراجعة لأوضاع حقوق الإنسان في البلاد من حيث سن القوانين من جهة، وممارسات أجهزة الدولة ومنسوبيها من جهة أخرى، سمح لوزير الخارجية مراد مدلسي وأعضاء الوفد باستعراض ما يعتبرونه تحسنا في أوضاع حقوق الإنسان منذ الاستعراض الدوري الشامل الأول في أبريل 2008.

ونوه الوزير، في المقام الأول، إلى رفع حالة الطوارئ في شهر فبراير 2011 التي كانت سارية المفعول منذ فبراير عام 1992.

وبخصوص المطالبة بإلغاء حالات الاعدام، ذكّر تقرير الجزائر بأن البلاد لم تنفذ حالة إعدام منذ عام 1993. ودون الذهاب إلى حد الامتثال لنداءات الإلغاء، شدد وزير الخارجية على المهلة التي تتمسك بها الجزائر، مذكرا بأن عددا من حالات الاعدام تم تحويلها من قبل رئيس الجمهورية إلى عقوبة سجن.

وفيما يتعلق بالتعامل مع آليات حقوق الإنسان، أشار مراد مدلسي توجيه الجزائر الدعوة لسبعة من المقررين الخاصين، قام ثلاثة منهم بزيارة الجزائر؛ وهم المقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير، والمقرر الخاص المعني بالسكن اللائق، والمقرر الخاص المعني بمناهضة العنف ضد المرأة.  

وفي مجال الإصلاحات السياسية، شدد وزير الخارجية الجزائري على “الإصلاحات الواسعة التي شرع فيها في عام 2011 والتي ستبلغ أوجها باعتماد دستور جديد في أعقاب الانتخابات التشريعية (التي تمت في 10 مايو )”.

وقد سمحت هذه الإصلاحات  التي شملت قانون الأحزاب، بتنظيم الانتخابات التشريعية “التي أجريت تحت رقابة قضاة وممثلين عن المرشحين وبمشاركة حوالي 500 مراقب دولي”، حسب الوزير، والتي انتُخبت على إثرها 146 سيدة من بين 462 من مقاعد المجلس الوطني، أي تمثيل المرأة في الغرفة السفلى للبرلمان بنسبة 31%.

وفي مجال تنمية الفرد، شدد التقرير، وكذلك تدخلات أعضاء الوفد، على الجهود المبذولة لتحسين ظروف معيشة المواطن سواء من حيث تشغيل الشباب، أو تشييد البنية التحتية، أو رفع مستوى ونسبة التعليم، وتأمين الرعاية الصحية، ومراعاة مشاكل ذوي الاحتياجات الخاصة.

وهو ما اعتبرته السلطات الجزائرية في تقريرها بأنه “يسمح للجزائر بتبوء مكانة تسمح لها بتحقيق أهداف الألفية عموما، وتحقيق أهداف الألفية بالخصوص في مجال محاربة الفقر”.

التعذيب والإعدام والحريات

أجمعت تدخلات الدول الأعضاء وغير الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان على استحسان الإصلاحات التي تقوم بها الجزائر سواء على مستوى القوانين أو الممارسات، وفي شتى الميادين السياسية منها والاجتماعية.

ولكن بعضا منها أثار نقاطا يرى أن على الجزائر أن تولي لها أهمية أو أن تبذل مزيدا من الجهد فيها. السويد ذكـّرت بأن “تقارير لمنظمات المجتمع المدني تشير إلى وجود حالات تعذيب في مراكز الاعتقال، خصوصا أثناء قيام السلطات بنشاطات في مجال محاربة الارهاب”. وأوصت السويد بضرورة توجيه الجزائر دعوة للمقرر الخاص الأممي المعني بمناهضة التعذيب لزيارة البلاد، وبدعوة الجزائر للانضمام للبروتوكول الإضافي التابع لمعاهدة مناهضة التعذيب.

أما بريطانيا فقد رحبت بالمهلة المتمسك بها في مجال تطبيق عقوبة الإعدام، ولكنها دعت إلى “تشجيع الحكومة على العمل على إلغائها نهائيا”. كما أوصت بموجب التحضير للانتخابات في عام 2014 بــ “مراجعة القوانين الخاصة بحرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع وتكوين الجمعيات، وحرية الدين والمعتقد”.

من جانبها، عبرت الولايات المتحدة، التي رحبت برفع حالة الطوارئ، عن “القلق بخصوص التحديدات المتبقية من قانون الطوارئ لعام 1992 في مجال حرية التجمع، والتحديدات المتبقية في القوانين المراجعة بخصوص منظمات المجتمع المدني والتي تسمح للسلطات برفض الترخيص بموجب أسباب سياسية أو دينية أو تعسفية”. وقد خص الممثل الأمريكي بالذكر “مواصلة منع تنظيم التظاهرات في الجزائر العاصمة”. ومن توصيات الولايات المتحدة الأمريكية “رفع التحديدات التي تمنع منظمات مدنية جزائرية من الحصول على تمويل أجنبي”.

مأساة الإختفاءت القسرية

فرنسا التي رحبت أيضا برفع حالة الطوارئ، عبرت بدورها عن “القلق لاستمرار بعض التحديدات التي تحول دون التمتع ببعض الحريات الأساسية، ولعدم الفصل في عدد من حالات الاختفاء القسري لحد اليوم في ظروف متميزة بالإفلات من العقاب”. وقدمت توصية بـ “تحديد مصير هؤلاء المختفين”.

وفي رده على تدخلات الدول، خص الوزير مدلسي بالذكر، تدخل السفير الفرنسي بقوله: “إن هناك عدة طرق لقراءة الأوضاع. أما أنا فلم ادعي أبدا بأننا وجدنا حلولا لكافة المشاكل، وهو ما عكسه تقريرنا أيضا”، قبل أن يمرر رسالة مفادها: “إذا كان الشعب الجزائري مُخيرا بين الأمن والإستقرار من جهة، والانفتاح التام وتنظيم المظاهرات في الساحات العامة من جهة أخرى، فما من شك أنه سيختار بالدرجة الأولى الأمن والاستقرار لأنه يدرك جيدا الثمن الذي سيدفعه مقابل انفلات الأمن، هو الذي واجه لوحده سنوات الإرهاب (…)”.

وفي رده على التساؤلات المتعلقة بالمختفين، قال عضو الوفد الجزائري عبد الرزاق بارة، مستشار الرئيس الجزائري لشؤون محاربة الإرهاب: “إن مشكلة المختفين في الجزائر مشكلة عويصة ومعقدة وحساسة. وقد اعتنت بها السلطات في إطار شامل منذ عام 1998. ويجب أن ننظر لها من منطلق الظروف التي تمت فيها، أي بداية ظاهرة الإجرام الإرهابي ما بين عامي 1992 و1996 (…)”.

وفيما يتعلق بالتساؤلات المطالبة بتوضيح حالات الاختفاء القسري التي أوردتها عدة جهات دولية، بما في ذلك فريق العمل المعني بالاختفاء القسري، أوضح السيد بارة قائلا: “لقد شرحنا ذلك لفريق العمل بالقول بانه إما أن الشخص المختفي يطلب من أهله تسجيله كمختف على أيدي قوات الأمن في الوقت الذي اختار فيه الالتحاق في سرية بالمجموعات المسلحة. أو أنه اختُطف من قبل المجموعات المسلحة غير معروفة الهوية أو التي تنتحل صفة قوات الأمن أو الجيش. أو أن الشخص المختفي كان بالفعل موضع اعتقال من قبل قوات الأمن التي احتفظت به رهن الاعتقال خارج إطار الفترة المحددة قانونيا. أو أن الشخص المختفي كان محط بحث بوصفه إرهابيا وتمت تصفيته في إطار صراع المجموعات المسلحة حول النفوذ ودفنه في مناطق تواجدها. أو أن الشخص المختفي يوجد مقيما فوق التراب الوطني أو في الخارج بهوية جديدة”.

ونوه مستشار الرئيس الجزائري لشؤون محاربة الإرهاب إلى أنه “في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، عالجت الدولة هذه المشكلة بكرامة معتبرة أن المختفين هم من ضحايا المأساة الوطنية، وتم تقديم التعويضات لذويهم”. 

وبلغة الأرقام المتعلقة بحوالي 2960 حالة التي تم إحصاؤها، أوضح السيد بارة بأن “القضاء فصل في أكثر من 1700 حالة، وتم تقديم التعويضات للأهل” وأن 215″ حالة تم اعتبارهم إرهابيين قتلوا من قبل قوات الأمن، وأكثر من 65 حالة تم العثور عليهم على قيد الحياة إما في السجون أو في بيوتهم. ونواصل التحقيق لمعرفة مصير حوالي 500 شخص”.

وأضاف مستشار الرئيس الجزائري لشؤون محاربة الإرهاب أن فريق العمل المعني بالاختفاءات القسرية وجهت له الدعوة لزيارة الجزائر والاطلاع على الوثائق. وسيتم عقد لقاء في شهر يوليو القادم بهذا الخصوص. وستعد الترويكا المكلفة بمتابعة ملف الجزائر في آلية الاستعراض الدوري الشامل، والمكونة من الفلبين وكوستاريكا ونيجيريا مجموع التوصيات التي ستقدم للجزائر في جلسة 1 يونيو المقبل.    

إذا كان التقرير الوطني فرصة لاستعراض الاصلاحات التي أدخلتها الجزائر في مجال احترام حقوق الإنسان، إما وفقا لتوصيات آليات حقوق الإنسان أو من منطلق قناعات السلطات، فإن التقرير الموازي الذي أعدته سكرتارية مفوضية حقوق الإنسان استنادا لتقارير منظمات المجتمع المدني والمهتمة بالوضع في الجزائر يورد سلسلة من الانتقادات.

فمنظمات المجتمع المدني اعتبرت في تقريرها المشترك أن “رفع حالة الطوارئ (…) لم يُحدث أي أثر إيجابي، وأن انتهاكات حقوق الإنسان لم تتوقف”.

“حركة الشباب المستقل من أجل التغيير” التي تعترف بشروع الدولة في إصلاحات في مجال قانون الاعلام والأحزاب السياسية والجمعيات والانتخابات وقانون البلديات والمحاماة، قالت بخصوص رفع حالة الطوارئ إنه “تم دون أن تُحدد المسؤوليات عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في ظل هذا القانون”. كما انتقدت هذه الحركة “استبدال نظام الترخيص بنظام التصريح المعمول به حاليا فيما يتعلق بقانون الجمعيات”، وكذلك “القيود المفروضة على الجمعيات الدولية وعلى تمويل الجمعيات الجزائرية بأموال قادمة من الخارج”.

منظمة الكرامة لحقوق الإنسان التي تتخذ من جنيف مقرها لها  قالت: “إن الاعتقال في أماكن سرية مستمر”، وأوصت بـ “التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب ووضع أماكن الاحتجاز بما في ذلك أماكن الاحتجاز التابعة لمديرية الاستخبارات والأمن تحت إشراف السلطات المدنية، والسماح لهيئة مستقلة بزيارتها دون قيود والتحقيق في أعمال التعذيب المزعومة”.

وبخصوص العدالة واستقلاليتها، قالت منظمة الكرامة: “إن العدالة تفتقر للاستقلالية التنظيمية وتُستعمل كأداة من قبل السلطة التنفيذية”. وترى المنظمة نفسها أن “المضايقات التي يتعرض لها مسؤولون نقابيون وصحافيون ومدافعون عن حقوق الإنسان تضاعفت مع اتساع رقعة المطالب الاجتماعية”.

المؤتمر الأمازيغي العالمي، أشار من جانبه، إلى أن “المادة 2 من الدستور الجزائري التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة، يمنع كل جزائري من اعتناق دين آخر أو تغيير دينه”.

كما ذكرت حركة الشباب المستقل من أجل التغيير بأنه “على الرغم من مصادقة الجزائر على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل حرية التفكير والوجدان والدين، إلا أن اعتقالات ومحاكمات تحدث في حق مسيحيين ويتم إغلاق كنائس”.

ونوه المركز الأوروبي للقانون والعدالة إلى “أن طلب تسجيل الجمعيات غير المسلمة المقدم منذ عام 2008 قد أرجئ البث فيه”.

ويعتبر المؤتمر الأمازيغي العالمي أن هناك “انتهاكا لحقوق الأمازيغ ولاسيما الحق في تقرير مصيرهم وأن يشكلوا نموهم الاجتماعي والاقتصادي وأن يرسموا هويتهم الثقافية”. وحتى الإقرار بترقية اللغة الأمازيغية إلى لغة وطنية، وإنشاء المجلس الأعلى للغة الأمازيغية في عام 2002″ لم يكن سوى تنازلا شكليا (…) لم يعمل على إحداث أي تغيير ملموس لصالح احترام الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ” في تقييم المؤتمر الأمازيغي العالمي.                    

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية